نعم.. الكنيسة المصرية ـ أرثوذكسية أو كاثوليكية أو إنجيلية ـ ليست مجرد واحة دينية ودار رعاية روحية لأتباعها, بل هي كنيسة وطنية تستشعر سائر التحديات التي يواجهها المجتمع, وعلي رأسها الأمراض الصحية والسلوكية والنفسية التي يتعرض لها أبناؤها, فلا تتعلل بأن أجهزة الدولة أو مؤسسات المجتمع المدني هي وحدها المسئولة عن التصدي لها, بل تبادر بالتدخل والمشاركة في الرصد والتحليل والعلاج… ويحسب لها أنها كانت سباقة في اقتحام ملفات شائكة سبقت فيها الدولة ومؤسسات المجتمع مثل ملف المشورة الأسرية وملف إعداد المقبلين علي الزواج وملف رعاية الأسر الحديثة حيث سطرت نماذج عظيمة تحتذي في مجالات صحة الأسرة المصرية واستقرارها وأمانها.
اليوم تقدم وطني ضمن صفحات هذا العدد حلقة ثالثة في سلسلة الكنيسة ورعاية الفئات الأكثر احتياجا تسلط الضوء علي فكر وعمل وإنجاز اللجنة المجمعية للصحة النفسية ومكافحة الإدمان والتي لها إسهام لافت في التصدي لحالات متعددة من الانحراف السلوكي التي تستشري في مجتمعنا وعلي رأسها الاكتئاب والانتحار والإدمان بأشكاله ـ إدمان المخدرات وإدمان الإباحية والإدمان الإلكتروني ـ وصولا إلي كارثة هذا العصر وهي المثلية… وتجدر الإشارة إلي أن الحلقة الأولي كانت حول رعاية المشردين, والحلقة الثانية كانت حول رعاية المساجين وأسرهم… تعالوا معي لنستعرض أهم ملامح هذا الملف:
** علاج الأمراض السلوكية التي تصيب المجتمع ليس عن طريق رصد المرضي وإدانتهم وعزلهم وإقصائهم عن أقرانهم في المجتمع ـ بزعم حماية الأصحاء ـ ولكن باحتضانهم وتوعيتهم وعلاجهم بهدف إعادتهم إلي مجتمع الأسوياء الأصحاء… وذلك يشمل استثمارهم بعد علاجهم ـ بجانب الخبراء والمتخصصين ـ في تقديم نموذج الأمل في التعافي والشفاء لكل المنزلقين من المرضي.
** تتمثل رؤية لجنة الصحة النفسية ومكافحة الإدمان في عدة محاور هي: مجتمع خال من الصراعات النفسية والاضطرابات السلوكية ومخاطر الإدمان… الحفاظ علي الكرامة الإنسانية, احترام وقبول الآخر, التحلي بالرحمة والتعاون, غرس الثقة والالتزام بالنزاهة.
** الإدمان ظاهرة متفاقمة في المجتمع المصري, والكنيسة جزء من هذا المجتمع, وبالرغم من وجود ممارسات روحية وتوعوية فاعلة في الكنيسة للحد من تفاقم الاضطرابات السلوكية ومختلف أشكال الإدمان, إلا أن ذلك لم يحل دون استشرائها خاصة بين الشباب; لأن نسبة لا يستهان بها منهم تظل خارج أسوارها وتتفاعل مع ظروف المجتمع وصعوباته وتحدياته وإحباطاته.
** كان للكنيسة من خلال لجنة الصحة النفسية السبق في التصدي لأخطار الإدمان الرقمي وإدمان الإباحية وإدمان المخدرات والانزلاق نحو المثلية الجنسية… وفي هذا الإطار رصدت الكنيسة بعد جائحة كورونا ارتفاع معدلات الأمراض النفسية مثل القلق والتوتر والاكتئاب وزيادة حالات الانتحار.
** عملت الكنيسة علي توعية وتأهيل الأسرة للقيام بدور إيجابي نحو المساعدة في انتشال أبنائها وبناتها من شراك تلك الأخطار عن طريق عدم الرفض أو استخدام العنف أو اللجوء إلي العقاب, بل إغداق الأبناء بالحب وإحاطتهم بالأمان وتوظيف آليات الحوار لحثهم علي مراجعة أنفسهم ومقاومة ضعفاتهم بالرغم من صعوبات الحياة وإحباطاتها.
** تصدت الكنيسة لتعديل كثير من سلوكيات العقاب التي تتبعها الأسرة ظنا منها أنها تحمل العلاج الشافي, فمثلا في مواجهة ظاهرة الإدمان الإلكتروني وإدمان الإباحية لا يمكن أن يندفع الآباء نحو سحب الموبايل أو منع استخدامه لعلاج تلك الظاهرة, لأنه ببساطة توجد وسائل متعددة تمكن الأبناء من الاستمرار في ذلك الإدمان من خلال الأصدقاء, لكن يكمن العلاج الحقيقي في الكثير من الحب والاحتضان والحوار والإقناع بمخاطر الإدمان حتي تتولد داخل الابن أو البنت رغبة قوية في العلاج والتعافي… إذا التعافي يعتمد علي صحة العلاقة بين الوالدين والأبناء والبنات ومدي توثيق الصداقة بينهم.
** جميع أشكال الإدمان يوجد الأمل في التعافي منها شريطة أن تتولد لدي المدمن الرغبة والإرادة في ذلك… وهناك من الأدوات والأسلحة الواعية التي تستحث الرغبة وتولد الإرادة لخوض طريق الإنقاذ وبلوغ التعافي.