يقول القديس يعقوب:انظروا يا إخوتي إلي ما يصيبكم من مختلف المحن نظركم إلي دواعي الفرح الخالص.
فأنتم تعلمون أن امتحان إيمانكم فيها يلد الصبر(1:2-3).
يحكي عن رجل له أربعة أبناء, أراد أن يعلمهم درسا في عدم التسرع في الحكم علي الأشخاص أو الأمور التي تتعلق بهم.
حينئذ أرسل كل واحد منهم بمفرده في مهمة بحث عن شجرة كمثري بمكان بعيد جدا,.
فذهب الأول في فصل الشتاء, والثاني في فصل الربيع, والثالث ذهب في الصيف, بينما الأخير في فصل الخريف.
وبعد عودتهم, جمعهم الأب معا, ليصف كل واحد منهم كيف كانت تبدو له شجرة الكمثري, فبدأ الابن الأول في وصفها قائلا:كانت الشجرة تبدو قبيحة, معوجة وجميع فروعها متداخلة ومتشابكة معا ووصف الثاني قائلا:لا, بل كانت كلها مغطاة بالفروع الخضراء التي تبدو مبشرة بالخيرة.
بينما الثالث لم يتفق معهم علي ما قالوه, فأجاب:حقا كانت الشجرة ممتلئة بالأزهار ذات العطور الطيبة, وكانت تبدو جميلة وجاء دور الابن الرابع ليصفها هكذا:كانت الشجرة تبدو في قمة النضج ومكتظة بالثمار اليانعة, وكلها نضارة وحياة.
بعد كل هذه المواصفات المختلفة, أكد الأب لأبنائه بأن كل واحد منهم علي حق فيما قاله, لأنه رأي فصلا واحدا فقط في حياة الشجرة.
ثم قال لهم:ليصبح حكمكم علي الأمور صحيحا وصائبا, لا تحكموا علي الشجرة أو أي إنسان بناء علي فترة واحدة من عمره, أو من خلال فصل واحد, وإذا أردتم أن تفهموا سر السعادة التي يشعر بها أي إنسان, يجب عليكم أن تتنظروا حتي النهاية, عندما تكتمل كل فصول حياته.
نستطيع أن نتعلم من هذه القصة دروسا كثيرة, وخاصة عندما نمر بظروف صعبة وأيام ثقيلة, فإذا شعرنا باليأس من برودة الشتاء, يجب أن ننتظر الأمل الذي يجلبه لنا الربيع, لأن كل فصل في حياتنا يحمل لنا شيئا جديدا ومهما لنضجنا, حتي نصل إلي الكمال عند بلوغ خريف العمر.
إذا يجب علينا ألا نجعل الألم الذي ينتابنا في بعض الأيام, يعوقنا عن الاستمتاع بباقي أيام حياتنا , كما يجب ألا نحكم علي الآخرين, أو الظروف التي نمر بها من زاوية واحدة فقط من هذا المنطلق نتعلم درسا مهما, وهو الثقة بأن مهما يحدث لنا من صعوبات وضيقات وآلام, أو إذا ساءت الأمور, فإن الحياة ستمضي وغدا سوف يكون أفضل من قبل وعندما نشعر بالألم يجب علينا ألا نكون سببا في آلام الآخرين.
يعبر أحد الأشخاص الذين تخرجوا من مدرسة الآلام والتجارب قائلا:إن العناية الإلهية تصل دائما متأخرة ربع ساعة, لكنها تعوضنا في لحظة عن سنتين, مما لا شك فيه أن الله يتاخر أحيانا لنعمل ما في وسعنا, ويكافأ كل واحد منا علي تعبه وجهده وألمه.
كما أننا نستطيع أن نلمس هذا في الأم التي تساعد طفلها علي النمو في الحياة, تاركة إياه يختبر أشياء كثيرة, ولكنها لا تفارقه أبدا ولاتغمض عينيها من أجله, بل تراقبه حتي لايتعثر ويصيبه أي أذي أو مكروه.
لذلك يجب علينا أن نثق في معونة الله الدائمة لنا وفي كل لحظة, لأنه لن يتركنا أبدا, وأن نتخذ لنا مبدأ مهما, وهو أن نستفيد من كل يوم يمر في حياتنا.
وألا نجعل الإحباط يفسد حياتنا وقدرتنا علي الاستمرار في السيد, ورغبتنا في النجاح وتجديد ثقتنا بالناس, وكلنا أمل بأن المستقبل سوف يكون أفضل بكثير, عندما نضع حياتنا في يد الله الذي يقوينا ويسندنا في ضعفنا, كل هذه الأشياء تساعدنا علي فتح قلبنا وعقلنا للترحيب بكل تجربة جديدة, والاستفادة من خبراتها ونردد مع دواد النبي:إن ولو سرت في وادي الظلمات لا أخاف سوءا لأنك معي(مزمور23:4).
ما أسعد الإنسان الذي ينظر إلي جميع الفصول في حياته ولايقف عند فصل واحد, معتبرا أن وجوده علي هذه الأرض مرهون بأوقات من الشقاء والألم! فكل واحد منا يمر بأيام مريرة وأخري سعيدة بفترات مظلمة وغيرها مضيئة, بطرق مسدودة وأخري أبوابها مفتوحة علي مصراعيها, فالله خلقنا جميعا لا لكي يهملنا, فإذا حدث شر, أو حلت مصيبة فالله أب رحيم لاينسي خلائقه أبدا ولكن نحن لا نلتجأ إليه عند الشدة.
لذلك يجب علينا أن نتكل علي رحمة الله الواسعة ونستسلم لتدبيره. ونختم بكلمات د.أرثر سيكورد:إذا حل الظلام, أمكنك رؤية النجوم.