طالعتنا الصحف قريبا بأم شابه ألقت بجنينها في الشارع لعدم قدرتها على تحمل مسؤولية رعاية وتربية طفل..طفل عادي من أسرة عادية. تخيلوا معي لو كان عهد إليها برعاية طفل ابن شخصية مرموقة في المجتمع. ماذا كانت ستفعل؟!
الحقيقة دارت هذه الأفكار في عقلي ونحن نحتفل هذه الأيام بصوم السيدة العذراء، وتعجبت كثيراً جداً، فالسيدة العذراء فوجئت بنفسها حامل في طفل إلهي، وهي صغيرة السن، وأصبحت مسؤولة عن أسرة بها الطفل الإلهي والشيخ المسن يوسف النجار.
لم تقل أنا لا أستطيع حمل هذه المسؤولية أو أنا صغيرة على كل هذا، أو أنا لم أكن أنوي الإنجاب مبكرا. جميع السيدات تقلق من أن تكون مسؤولة عن طفل وأيضا زوج لدرجة أن بعضهن يحدث لهن اكتئاب ما بعد الولاد. تخيلوا هذه الفتاة وضع في حجرها طفل إلهي يا ترى أين السعاده والفرح في أول الزيجة؟!
حملت المسؤولية كما ينبغي .صحيح النعمة كانت تسندها، ولكن لم تلغي الآلام، وأن الأمر يحتاج شجاعة، كانت ثابتة عندما اضطرتها الأيام أن تهرب بالطفل الإلهي الذي هو إلهها، تهرب مع عمانوئيل، وتواجه الصعاب واحده تلو الأخرى. تطرد وتجوع وتغلق الأبواب في وجهها في أرض غريبة ومعها الشيخ يوسف والطفل الإلهي على كتفها.
أمي الحبيبة الغالية أحكي لي كيف وجهت كل هذه المسؤولية الخطيرة وهذه التناقضات بثقة وشجاعة منقطعة النظير.
لا يمكنني إطلاقا أن أقارن السيدة العذراء بأي من بناتها، فنحن نسمع عن الخوف من المسؤولية والهروب من المسؤولية، والخوف من المشقة، والذات الكبيرة في الأسرة التي هي المدمر الأول للأسر، فمنهن من تقول أنا تزوجت لاستمتع وليس لاخدم، وكذلك حديث المساواة الخادع، وعندما يأتي الطفل بمتطلباته تعلو أصوات الشكوى. تعجبت من السيدة العذراء التي حملت وولدت وربت في أسوا ظروف. هربت وتغربت.. خافت وتألمت، هذا ولم تتردد لحظة أمام هذه المسؤولية ولم يسمع لها صوت.
تخيلي يا أختي أن النبؤة الأولى لهذه الأم الرائعة قيلت لها في أول حياتها مع الطفل يسوع كانت؛ “ويجوز في نفسك سيف”. كل ضيقة أو تعب تمر به تقول: أهذا هو السيف أم أنتظر أشد منه، وتستمر في تحمل مسؤوليتها في عودتها من مصر مطاردة ومطرودة في أحيان أخرى . استقرت في غير بلدها وتبدأ في حمل بيتها وتقوم بمسؤوليتها كربة منزل وزوجة لنجار وأم للسيد المسيح تلتقط الإشارات وتحتفظ بها في قلبها، تتفاعل وهي صامته، تتكلم قليلا، ترعى بيتها ثم ترملت وابنها مشغول في خدمته. أهذا هو السيف! لم تتذمر بل أجرؤ وأقول كانت في “منتهى الجدعنة”، ولم تغب عنها في أي لحظة مسؤوليتنا التي قبلتها وتحملتها عندما قالت “ليكن ليك كقولك” مثلما تقف كل السيدات أمام المذبح وتقول أوافق على تحمل المسؤولية.
وتبعت ابنها- بعد ذلك- حتى رأت السيف يجوز في قلبها ..لم تتراجع خطوة واحدة للوراء حتى تحت الصليب. تعرف حدودها جيدا في حياة ابنها الإلهي، في موقفين حينما قال لها السيد “ينبغي أن أكون فيما لأبي” و”مالي ولك يا امرأة”. وعندما وقفت تحت الصليب تنظر سيدها وابنها يموت من أجل خلاص العالم وخلاصها. يا له من آلم ويالها من حيرة.. يا له من سيف.
وكشخص مسؤول ابتلعت آلامها وجمعت الرسل والتلاميذ حولها وحفظت الخدمة بعد القيامة والصعود إلى أن حل الروح القدس على الجميع في يوم الخمسين وهي معهم .
وعندما رأت الكنيسة بعين الإيمان هذا المنظر السماوي صرخت قائلة: “عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مخلص العالم على الصليب معلقا، قالت وهي باكية أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي” من قطع الساعة التاسعة من الإجبيةء.
باختصار، أمي القديسة كانت تعرف مسئوليتها جيدا، وتعرف حدودها أيضا، وتحملت كل هذا.
انحني أمامك يا أمي الجبارة الحنونة الشجاعة؛ من حمل مسؤولية هذه الأسرة السماوية… العائلة المقدسة كل هذا في حوالي ٥٩ عامًا. طوباك يا قديسة يا ام النور.
Attachments area