وأنا قاعدة منتظرة صاحبتي اللي دخلت تعمل أشعة رنين مغناطيسي، دخلت أم شابة لفتت نظري بجمالها وابتسامتها واللي استغرقت فيهم لحظات لحد ما شفت طفلتها اللي داخلة معاها علشان تعمل أشعة هي كمان واللي كان واضح من مشيتها وحركات راسها وايديها ان عندها مشكلة مش بسيطة. قعَّدِتها أمها على كرسي وراحت هي ترتب مع موظف الاستقبال تفاصيل دخولها ببنتها لعمل الأشعة. شويتين ونادوا عليها علشان تدخل بس بعدها بوقت بسيط خرجت مع البنت وقالت للموظف انه ما نفعش تتعمل الأشعة لإن البنت ماكانتش قادرة تِبَطَّل حركة والجهاز ده ما ينفعش أبداً اللي جواه يتحرك والا هيعيدوا الأشعة من الأول. الموظف بص للأم كده وبص للبنت بصعبانية وقال لها مفيش غير انك تاخديها فوق لقسم التخدير وتطلبي يدولها جرعة بسيطة على أد الوقت اللي هتحتاجه الأشعة. وفعلاً. اخدتها الأم واللي الابتسامة مافارقتش وجهها وطلعت ورجعت بعد شوية شايلة بنتها اللي عمرها ٩ سنين متخدرة وقالت للموظف ياريت تدخلني بسرعة قبل ما تفوق. وفعلاً. دخلت بيها الأم بسرعة وعِرِفت من الجدة اللي كانت قاعدة مستنياهم واللي بنتها كلمتها بالتليفون من جوة، ان الأشعة شغالة والبنت لسه متخدرة.
ولإن صاحبتي طولت جوة، كان عندي وقت أتأمل في الموقف اللي يوجع القلب ده. إيه الأم دي اللي قادرة تبتسم وسط الظروف دي؟ أنا نفسي ماكنتش قادرة ابص عالبنت علشان ماجرحهاش بنظرتي وهي ما شاليتش عينها من عين بنتها ولا شالت ايدها من الطبطبة عليها وحضنها لإنها ما كانتش فاهمة ايه اللي بيحصل لها. ولا ايه القوة دي اللي خليتها تشيل بنتها اللي في عمرها ده ماكانتش خفيفة وتطلع تخدرها وتنزل بيها وتمشي كل المسافات دي في طرقات المستشفى الطويلة؟ ما لمحتش ذرة أفأفة ولا تذمُّر على وشها. كل اللي كنت شايفاه حتة ابتسامة مليانة حب وكمية رضا غريبة. ممكن كتير مننا يقول في نفسه “طبيعي ما هي أمها” بس أنا الصراحة كنت شايفة ده مش طبيعي. حتى مع محبة الأم ممكن يكون اللي باين على وجهها تعب أو حزن أو صعبانية. ياما امهات خجلت من حالة ابنها او بنتها وداريتهم من العيون أو اكتئبت بسبب حالتهم او فقدت صبرها.
قعدت اشكر الظروف إن صاحبتي اتأخرت جوة واللي اديتني فرصة أتأمل في المشهد المؤلم والمُبهِر ده واللي يشبه قوي مشهد تاني جه قدامي لأبويا السماوي وهو شايلني وشايل كل حد تاني من اولاده نفس الشيلة دي. مين فينا كاابن أو بنت مابيكونش في وقت عنده مشاكل متعبة؟ مش شرط جسمانية لكن اوقات نفسية وعاطفية؟ مين فينا ماكانش في وقت عبء على اقرب الناس ليه ويمكن يكونوا تعبوا أو أُنهِكوا أو يأسوا؟ استمرارية الشيلة ممكن تكون مش أوپشن، بس الرضا والقبول وسكب الحب والرعاية ممكن يكونوا نعمة في الأول لكن عليَّا قرار قبولها والعيشة بيها.
قضيت بقية الوقت باشكر ابويا السماوي اللي حبني ورضي بيَّا بكل اخطائي وبلاويَّا. اللي أبداً ما تعب من٧ي ولا بطَّل يحبني ويبتسم في وجهي في عز فلفصتي منه. شكرته على الأوقات اللي خدرني فيها بطريقته لحد ما تمم حاجات مهمة كان لازم تحصل في حياتي علشان أعرف المشكلة واتشفي منها. أد إيه مشيت من المكان بعد ما خلصنا وأنا مغمورة بكمية امتنان على طول أناته وصبره عليَّا اللي مالهمش حدود.
“«هَلْ تَنْسَى ٱلْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلَا تَرْحَمَ ٱبْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هَؤُلَاءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لَا أَنْسَاكِ. هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِمًا.” (إشعياء ٤٩: ١٦،١٥).
“اَلرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ. اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ ٱلسَّاقِطِينَ، وَمُقَوِّمٌ كُلَّ ٱلْمُنْحَنِينَ.” (مزمور ١٤٥: ١٤،٨).