يحدثنا الكتاب المقدس عن شخصيات نسائية كثيرة كان لها دور في تاريخ شعب الله، فقد أعطاها الله مميزات عديدة كزوجة وكأم مسئولة عن تكوين مجتمع يعرف الله ويسلك حسب قصده الصالح، بعضهن كان لهن دور في التاريخ المقدس أمثال سارة أمرأة إبراهيم، وحنة أم صموئيل، وأليصابات أن يوحنا المعمدان، وبعضهن ذُكر في نسل السيد المسيح، أمثال تامار وراحاب وإمرأة أوريا الحثي. لكن ما يهمنا في المقام الأول المرأة الأولى والمرأة الأخيرة، أو حواء الأولى وحواء الثانية. المثال الذي أراده الله للمرأة الشريكة والداعمة للبشرية.
لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله ” وقالَ الله: “لِنَصنَعِ الإِنسانَ على صُورَتِنا كَمِثالِنا” (تك 1: 26)، ولم يكن للإنسان معين نظيره، فخلق الله المرأة معينة لآدم ” وقالَ الرَّبُّ الإِله: “لا يَجبُ أَن يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه، فلأَصنَعَنَّ له عَونًا يُناسِبُه” ” (تك 2: 18)، وكانت حواء معينة وداعمة لآدم مساوية له في كل شيء، عندما رأها آدم قال: “هذهِ المَرَّةَ هي عَظْمٌ مِن عِظامي ولَحْمٌ مِن لَحْمي. هذه تُسَمَّى اَمرَأَةً لأَنَّها مِنِ امرِئٍ أُخِذَت” (تك 2: 23) حتى خالفت وصية الله لهما بغواية الحية فتحولت العلاقة بينهما من معينة كما أردها الله ومساوية له في كل شيء لعداوة فأصبحت هي سبب شقاء آدم، وزالت المساواة وحل محلها التسلط، فعن طريق الخطيئة فقدت المرأة برارتها ودورها الداعم لآدم.
ومن هنا اختلفت صورة المرأة عن المثال الذي أراده الله، المرأة التي سوف يسحق نسلها رأس الحية، ” وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه ” (تك 3: 15)، هذه المرأة هي النموذج الحقيقي لفكر الله، هي المعينة، والشريكة، والداعمة في كل الأحوال.
وقد جسدت أمنا مريم العذراء هذه الصورة بطريقة حية عندما قالَت مَريَم: “أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ” (لو 1: 38)
لقد فقدت حواء الأولى دورها كمعينة وداعمة لآدم عندما أصغت لصوت الحية، وإستردت مريم هذا الدور عندما أصغت لصوت ملاك الرب،
فقدت حواء دورها كمعينة وداعمة لآدم عندما أرادت أن تكون مساوية لله تعرف الخير والشر، وأستردت مريم مكانة المرأة عندما وضعت نفسها كأمة لتنفيذ إرادة الله بكل حب وتواضع.
كانت مريم داعمة ليس فقط ليسوع، لكنها كانت داعمة لكل البشرية، داعمة لأليصابات في حملها، داعمة لأهل عرس قانا الجليل في فرحهم، داعمة ليسوع في آلامه حتى الصليب، داعمة للرسل وهم منتظرين حلول الروح القدس عليهم.
حققت مريم بصورة حية ما أراده الله من دور للمرأة التي خلقها على صورته ومثاله لتكون مثال لكل إمرأة تريد أن تحقق إرادة الله في حياتها سواء الشخصية أو العائلية. فالمرأة التي تحيا على مثال أمنا مريم العذراء هي عماد المجتمع، هي الزوجة الصالحة الداعمة لزوجها في كل مصاعب الحياة، هي الأم التي تسهر على تربية أولادها لتقدمهم للرب بخورا حياً تزكي رائحة قداستهم أنف الله، هي الفنار المنير لكل إنسان محتاج لمرفأة يسترح فيه مثلما كانت العذراء لكل من حولها.