في 17 أغسطس من كل عام، تحتفل الأرجنتين بذكرى خوسيه دي سان مارتين الأرجنتيني التي غيرت حملاته العسكرية التاريخ الأمريكي اللاتيني خلال عملية إنهاء الاستعمار في بداية القرن التاسع عشر، بعد أن خدم في الجيش الإسباني من سن ثلاثة عشر إلى أربعة وثلاثين عامًا، حتى رتبة عقيد في سلاح الفرسان.
وبهذه المناسبة قالت إليان بطرس، الباحثة في العلاقات الدولية بمركز جسور للدراسات الاستراتيجية والمتخصصة في الشئون اللاتينية، لوطني، إن خوسيه دي سان مارتين هو الرجل الذي استطاع أن يجمع بين العسكرية والسياسة، وهو أحد الشخصيات البارزة في دورها لتحقيق استقلال الأرجنتين وتشيلي وإعلان استقلال بيرو، فكان لاعب أساسي في الثورات داخل أمريكا اللاتينية، وكان متأثرا بحملات نابليون وفريدريك.
وأشارت إلى أنه كان قارئًا وعلى دراية بالفرنسية واللاتينية والإنجليزية، وكان عازف جيتار متميز حيث انه في عام 1787 التحق بمعهد النبلاء بمدريد حيث تعلم البلاغة والرياضيات والجغرافيا والعلوم الطبيعية والفرنسية واللاتينية والرسم والموسيقى.
وأوضحت الباحثة أن خوسيه ولد في فرانسيسكو دي سان مارتين في يابيو والتي تعد حاليًا جزءًا من مقاطعة كورينتس الأرجنتينية على ضفاف نهر أوروجواي في 25 من فبراير عام 1778، وهو الطفل الخامس في العائلة. لافتة إلى أن والده كان حاكمًا لتلك المقاطعة، وقاموا جميعًا برحلة فيما بعد إلى إسبانيا في نهاية عام 1783 على متن الفرقاطة سانتا بالبينا، وصلوا إلى ميناء قادس في النصف الثاني من مارس 1784.
وقالت: “في ذات العام التحق بمعهد النبلاء في مدريد، وفي سن الثالثة عشر أنضم بالفعل إلى الجيش الإسباني وشارك كمتطوع في مهام محفوفة بالمخاطر في شمال إفريقيا، وحينما بلغ سن الخامسة عشرة تمت ترقيته إلى رتبة ضابط. وفي أبريل 1784، عندما كان في السادسة من عمره، وصل مع عائلته إلى مدينة قادس الإسبانية، بعد أن أقام في بوينس آيرس والتحق لاحقًا بالجيش الإسباني وعمل في مسيرته العسكرية وفي عام 1789 كان طالبًا في سلاح المشاة، ثم ضد الهيمنة النابليونية لإسبانيا، وشارك في معارك بايلين، وفي عام 1797 تمت ترقيته إلى ملازم ثاني لمواجهته القوية ضد الفرنسيين وأصبح فيما بعد قائدًا يهاجم الجيش الفرنسي وهزمهم في معركة بايلين في 19 يوليو 1808 والتي بسببها حصل على رتبة مقدم.”
وأضافت إليان قائلة: “تزوج سان مارتين من ماريا دي لوس في عام 1812 كان عمرها في ذلك الوقت 14 عامًا وكان هو يبلغ من العمر 34 عامًا ثم وُلدت الابنة الوحيدة، مرسيدس توماسا، في 24 أغسطس 1816 وعاشا كل من ماريا ومارتين معًا حتى توفت بمرض السل عام 1823 تاركة طفلتها الصغيرة لترعاها جدتها.لم تكن حياته سهلة بل تعرض لمشاكل في الرئة بدأت منذ عام 1802 ورافقه الألم الروماتيزم وقرحة المعدة وبالرغم من هذه المعاناة المرضية إلا أنها لم تؤثر عليه في نضاله العسكري، حينما بلغ الرابعة والثلاثين في عام 1812.”
وكشفت أن عقب معاركه ضد الفرنسيين بدأ توجهه لتحرير أمريكا اللاتينية في الظهور، فضحى بحياته المهنية في إسبانيا لأنه استجاب لنداء وطنه الأصلي. وبعدها طلب الإعفاء من منصبه والسماح له بالانتقال إلى ليما بالبيرو حيث مقر نائب الملك في أمريكا اللاتينية. وسافر عن طريق لندن إلى بوينس أيريس بالأرجنتين، وهناك التحق بالمقاومة الوطنية للاحتلال الإسباني. وتم تكليفه بتشكيل فيلق لرماة البنادق لقتال الإسبان الملكيين المتمركزين في بيرو وفي عام 1814 عُيّن قائدًا لجيش شمال الأرجنتين ليحل محل الجنرال مانويل بيلجرانو.
عندما سقط نظام الاستقلال التشيلي على يد القوات التي أرسلها نائب الملك في بيرو في سبتمبر 1814، أشارت إليان بطرس إلى أن خوسيه بدأ خطته نحو القارة التي تمت الموافقة عليها بعد استقلال تشيلي عام 1816. وقام مارتين بالانتصار في عديد المعارك خلال حروب الاستقلال في أمريكا اللاتينية من بينها معركة مايبو 5 أبريل 1818 الذي أسفرت عن مقتل 2000 من الملكيين وأسر عدد كبير، حيث انتصر فيها المتمردون الأرجنتينيون والتشيليون بقيادة خوسيه دي سان مارتين، زعيم المقاومة لإسبانيا في جنوب أمريكا الجنوبية على الملكيين الإسبان، بالقرب من سانتياجو في تشيلي.
وألمحت إلى أن بعد عمل التفوق في الجيش الإسباني وبعد اندلاع الثورة في أمريكا عاد إلى إليه حماس التحرر وهو ما جعله يبدأ في رحلة جديدة ولكن هذه المرة إلى جانب سيمون بوليفار الشخص الأبرز في حروب التحرر الأمريكية سعيًا وراء تحقيق هدف الاستقلال للشعوب الأمريكية.
وحينما قرر الانسحاب وعدم التدخل في الصراعات الداخلية في الارجنتين –والحديث لازال للباحثة إليان بطرس- ذهب للاستقرار في أوروبا برفقة ابنته مرسيدس عام 1824 ليهتم بتعليمها وعاش لفترة في بريطانيا ثم بلجيكا كانت حينها حياته غاية في التواضع فكاد دخلة يغطي مصروفات مدرسة ابنته، ولكنه كان يحن إلى وطنه فحاول العودة عام 1829 ولكنه وجد وطنه في حالة شديدة الصعوبة نتيجة الصراع بين الفيدراليين والمركزيين وعاد إلى بلجيكا مرة أخرى.
وأشارت الباحثة في العلاقات الدولية بمركز جسور للدراسات الاستراتيجية والمتخصصة في الشئون اللاتينية إلى أن خوسيه دي سان مارتين ذهب في عام 1831 إلى باريس واستقر في نهاية حياته في بولوني سور مير بفرنسا حتى وفاته بعد إصابته بعدد من المشاكل الصحية من كوليرا واعتام لعدسة العين حتى توفي في يوم السبت الموافق 17 أغسطس عام 1850 عن عمر يناهز 72 عامًا. وبعد ذلك تم نقل رفاته إلى أحد الكنائس القريبة من منزله في منطقة بالقرب من باريس ثم نُقلت رفاته إلى بوينس إيرس عام 1880 في الأرجنتين.