نشرت إحدي الصحف خبرا مؤداه أن هناك بحثا يدور حول الأعمال التي تصلح للمرأة والأعمال التي لاتصلح لها, فهناك أعمال تستدعي التزامات معينة لا تستطيع أن تؤديها, مثل نوبات السهر الليلية.
وبعد ذلك بيومين قرأنا أن خريجة من خريجات كلية العلوم تقدمت لإحدي الوظائف ونجحت في المسابقة وكان ترتيبها متقدما, ولكن تعيينها لم يتم رغم أن الذين جاء ترتيبهم بعدها تم تعيينهم.
واشتكت الفتاة وقدمت الالتماسات وكان الرد غريبا لا يتمشي مع منطق الأمور. الوظيفة في الصحراء وفي منجم ولا يمكن أن تشغلها فتاة, فمن غير المعقول أن تقبل فتاة أن تعيش بمفردها في وسط الصحراء مع الغرباء وبعيدا عن أهلها, هذا عدا أنها تضطر إلي السهر أحيانا بالليل.
ولست أدري كيف يمكن أن يظل تفكيرنا دون تطور مع أن كل شيء من حولنا يتطور, والعجلة تسير ولا يمكن أن تعود أبدا إلي الوراء, بل لابد أن تتقدم كل يوم وكان يجب أن يجاري تفكيرنا هذا التطور.
ولكن مازالت عقلية كثير من الرجال تأبي أن تجلس المرأة جنبا إلي جنب مع الرجل, مازالت تأبي أن تتيح الفرصة كاملة متكاملة للمرأة كما تعطيها للرجل, وتترك للزمن وللحياة أن تثبت كفاءة المرأة أو عجزها, إن الكثيرين ما زالوا يدعون أن المرأة لا تستطيع أن تقوم بكل الأعمال التي يقوم بها الرجل, وهم يريدون أن يثبتوا من وراء ذلك أن المرأة أقل كفاءة وتحملا لمسئوليات العمل, وأنها لا يمكن أن تقارن نفسها به, وأنها أضعف منه إن لم يكن في العقل ففي الجسم, وإن لم يكن في الجسم ففي العقل والتفكير.!
ومن سنوات كانت المرأة لا تبرح باب الدار, ولا تتاح لها فرص التعليم, ولكنها كافحت وخرجت وتعلمت, وجاء اليوم الذي طالبت فيه بأن تلتحق بالجامعة, وأن تحصل علي شهادة, جامعية مثل الرجل, ويومها قيل إن المرأة لا تصلح للتعليم الجامعي, وأثبتت الأيام أن هذا الكلام غير صحيح.
وتخرجت الفتاة في الجامعة وطالبت بأن تعمل مثل الرجل, ويومها أيضا اعترضت طريقها مثل هذه الأفكار, وعرقلت جهودها, ولكن المرأة استطاعت أن تنتصر وأن تنزل إلي ميدان العمل جنبا إلي جنب مع الرجل.
وكانت الأعمال التي التحقت بها المرأة في أول الأمر أعمالا محدودة يمكن حصرها بين التدريس والتمريض باعتبارها من الأعمال التي تناسب طبيعتها ولكنها لم تصدق هذا الادعاء, ولم تكتف بهذا القدر من فرص العمل, فاشتغلت سكرتيرة وموظفة في جميع الأعمال الكتابية والحسابية والطبية, وأصبحت استاذة في الجامعة ومحامية بين أروقة المحاكم, تقف لتدافع عن الرجال, ومهندسة أمام الآلات ولهب النيران, والتروس الدقيقة وأسلاك الكهرباء, وباحثة اجتماعية تنفذ إلي مشكلات الناس تدرسها وتحللها وتجد لها الحلول. وعالمة تقف في المعمل تبحث وتجري التجارب وتستخلص النتائج وترصد ما تصل إليه من نتائج, وباحثة في المركز القومي للبحوث, وعالمة بين علماء مؤسسة الطاقة الذرية, ومشتغلة بالسياسة والأنشطة النقابية, وعضوا في مجلس الأمة ومجالس إدارات الشركات وعضوا في المؤتمر القومي وأخيرا استطاعت المرأة أن تتقلد منصب الوزيرة.
وفي الخارج اشتغلت المرأة مروضة وحوش ورائدة فضاء وسفيرة ووزيرة ورئيسة وزراء.
واستطاعت المرأة أن تثبت جدارتها ونجاحها وكفاءتها في كل مجال طرقته, استطاعت أن تقف في قوة وعزم إلي جانب الرجل في كل مجال وأن تثبت أنها قادرة مثله علي النجاح واجتياز العقبات بما أظهرته من قدرة وتصميم, واستطاعت أن تتقبل كل وضع, وأن تسهر في نوبات ليلية في المستشفيات كممرضة وطبيبة, وأن تخرج بعد منتصف الليل من بينها لإسعاف مريضة أو توليدها أو إجراء جراحة لها استطاعت ذلك دائما وأبدا. ولكن هذا كله لم يعطها الحق في أن تلتحق بالعمل الذي تريده.
والمرأة ليست في حاجة إلي شيء بعدما أكده الميثاق وبيان 30 مارس من احترام حقوق المرأة ولا سيما حق العمل, إنها ليست في حاجة إلي شيء بعد ذلك سوي أن تختفي مثل تلك العقول التي مازالت تحاربها, وأن ينتهي تماما الادعاء بأن المرأة لا تصلح إلا لأعمال معينة, وأن تفتح أمامها الأبواب علي مصاريعها, ويترك لها حق التجربة, والصواب, والخطأ, وهي وحدها التي ستحصد النتائج.