عزيزي القارئ، تحدثت معك في المقال السابق موضوع تعريب الألحان، فدعني الأن أستكمل معك هذا الحديث الهام جدا.
موسيقية لغة الألحان
اللغة القبطية هي لغة موسيقية كاللغة الإيطالية، فاللغة القبطية بحروفها المتحركة السبعة قد وجدت نفسها متربعة على عرش الموسيقى. والحروف المتحركة فى اللغة القبطية تنقسم الى ثلاثة أقسام:
§ الحروف المائلة للفتح : وهى حرف واحد هو الألفا a
§ الحروف المائلة للكسر: وهى اربعة حروف هى: – 3 ,<<- i - v e الحروف المائلة للضم : وهى حرفان: o - w وبالرغم من أن هذا العدد من الحروف المتحركة السبعة يعتبر عدد كبير بمقارنته باللغات الأخرى كاللغة العربية التي بها ثلاثة حروف متحركة فقط وهى "أ" & "و" & "ي"، إلا أن موسيقية اللغة القبطية لا تقف عند هذا الحد من الحروف المتحركة السبعة بل تتجاوزه بشكل آخر عندما تعطى لحروف الفتح والكسر والضم مقاييس أخرى وذلك بمجاورة بعض الحروف المتحركة لبعضها الآخر، كأن يأتى حرفان متحركان متجاوران مثل "أو إبسلن" (v o) وأحيانا ثلاثة حروف متحركة متجاورة. وتوجد الكثير من الأمثلة لتجاور أكثر من حرف متحرك وكيفية النطق. هذا بخلاف أن بعض الحروف القبطية المتحركة قد تنطق ساكنة عند وقوعها بجوار بعض الحروف الأخرى، مثل حرف " يوطا" مثل نطقه فى آخر كلمة "فاى" Fai ومعناها "هذا" فقد نطق ساكنا بالرغم من وقوعه مجاورا لحرف المد بالفتح "الألفا" a”". واللطيف هنا أن الكلمة Fai لم تفقد موسيقيتها بسبب سكون حرف اليوطا، إذ أن حرف الألفا المتحرك "بالفتح" إستطاع أن يتغلب على حرف اليوطا المتحرك بالكسر والذى نُطق هنا ساكناً. لذا صارت الكلمة Fai هى مطلع اللحن الرائع "فاى إيطاف إينف" لحن الصليب "هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة". هذا وقد قام الدكتور" ماجد صموئيل"[1] بالبحث فى الجذور الأصلية للحروف المتحركة فكشف غموض أهم سمة تميز الالحان القبطية وهى الاسلوب الميليسمي Melismatic Style وقد تحدث الباحث عن الجذور الفرعونية واليونانية للحروف المتحركة، إذ ان الحروف المتحركة تحمل فى طياتها أصواتا أكثر من الحروف الساكنة. لذلك إستخدم المصريون القدماء فى ألحانهم طريقة الإنشاد بالحروف المتحركة فى النص الهيروغليفي لـ "حوروس" و "أبوللون" اذ تُقرأ هذه السبعة الحروف ويطلق عليها لفظ"بارماتا". كذلك هناك رسم جدارى من الدولة الوسطى بمقابر بني حسن، يُظهر مجموعة من المغنيين يغنون بعض الحروف التي تظهر فى عمودين منقوشين فوق كل مغني. ولقد فسر العلماء هذه النقوش المتتالية لهذه الحروف أنها أصوات مصدرها هؤلاء المغنيين. والعمود الذى يبين تكرار هذه الحروف يمكن تفسيره على انه تدريبا للغناء فى آخر كل جملة او تطويلا فى كلمة معينة، تماما كما يحدث الآن فى ألحان الكنيسة القبطية. وقد عثر على بعض النقوش بمدينة "ميليت Milet"[2] فى إيونيا على إحدى الآثار والبرديات الخاصة بالحروف المتحركة فى تراث الشعوب القديمة، هذه النقوش وجدت على الحائط الخارجى الشمالى من المسرح الخاص بهذه المدينة، كما وجد فى هذه المدينة قطعة حجرية إسترعت إنتباه العديد من الاثريين. فرأى العالم Boeckh [3]أن مجموعة الكواكب المنقوشة هى (زحل – جوبيتر- المريخ – الارض – فينوس) وعلى السطر الثانى نقرأ فى قمة كل شكل بيضاوى السبعة الحروف المتحركة فى الأبجدية اليونانية. وقد وجد "مارقص الهرطوقي"[4] أن هذه الحروف السبعة تمثل السماوات السبعة وأن المصريين واليونانيين يستخدمون هذه الحروف للدلالة على السبعة أصوات الموسيقية لآلة القيثارة ذات السبعة أوتار هيبتا كورد. وبعيدا عن التأثير السلبى لترجمة الألحان القبطية الى نصوص باللغة العربية، من جهة النظر إليه كميراث روحى تم إستلامه من الآباء الأولين من جهة، وكتراث موسيقى للعالم أجمع من جهة أخرى، قد تبين إستحالة تركيب كلمات اللحن القبطى المترجمة للعربية على نفس نغمات اللحن الأصلى القبطى بسبب عدم تساوى الحروف المتحركة فى اللغتين العربية ذات الثلاثة، والقبطية ذات السبعة الحروف المتحركة. فالقدرة الموسيقية للغة القبطية هى أكثر من ضعف القدرة الموسيقية للغة العربية، رغم تعويض اللغة العربية لنقص الحروف المتحركة باستخدام علامات التشكيل كالفتحة والكسرة والضمة والشدة. عزيزي القاريء أرجو أن أكون إستطعت أن أوضح بعد آخر في موضوع تعريب الألحان، وإلى أن نلتقي في مقال جديد نستكمل فيه النقاش في هذا الحديث الممتع والهام، لك مني كل محبة وتقدير.