نقرأ في مثل السامري الصالح بإنجيل القديس لوقا:وإذا أحد علماء الشريعة قد قام فقال ليحرج يسوع:يا معلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟….فأراد أن يزكي نفسه فقال ليسوع:ومن هو قريبي؟ (لوقا10:25-37) كم من المرات التي امتنعنا فيها عن المحبة وقبول الآخر وعمل الرحمة مع الغير نتيجة التقييم الخاطئ للأشخاص والأمور؟ ما أكثر اللحظات التي نري فيها الكثيرين دخلاء وأعداء لنا! هنا تحضرني هذه الأمثولة الهادفة, وهي عندما كنت أتنزه في الغابة, وإذ فجأة لاحظت من بعيد وحشا آتيا نحوي, وعندما اقترب قليلا مني, رأيت إنسانا, وفي لحظة وصوله إلي اكتشفت أنه أخي.
في بادئ الأمر أردت أن ألتقط حجارة لأقذفه بها دفاعا عن نفسي من هذا الخطر الذي يداهمني, ولكنني مع الوقت ذهبت إليه واحتضنته.
ماذا تعني لنا هذه الأمثولة؟ أننا كثيرا ما نظن السوء في الآخرين ونرسم عنهم صورة سيئة ومشوهة ولانري فيهم سوي أعداء لنا لذلك يجب أن ندافع عن أنفسنا بالتخلص منهم, متسلحين بأي شئ لتلقيه عليهم, ولكن مع الوقت نكتشف الحقيقة عن أمرهم ونفتح ذراعينا لنحتضنهم ونحبهم ونتحدث معهم.
ما أجمل العيش معا في محبة, معتبرين الآخرين هم إخوتنا وأخواتنا وعائلاتنا! ولكن للأسف الغالبية العظمي تجد صعوبة في تحقيق ذلك, لأن كل شخص منا يضع الآخر في مكان بعيد عن حياته, تاركا إياه خارج حدودالطريق الذي يسلكه أو المكان الذي تطأه قدماه, بمعني أن نجعله خارجا عن محور ونطاق اهتماماتنا وتعاطفنا وأذواقنا وأفكارنا.
لذلك من المستحيل أن يصبح الآخر قريبا لنا, بل يظل بعيدا بالنسبة لنا ومهمشا وثقيل الدم وسيئا ومتطفلا وعدوا, علاوة علي ذلك يكون غير مستحق لاهتمامنا أو التعاون معه.
ثم نصل إلي النتيجة الحتمية وهي صعوبة واستحالة التقابل معه.
كما أننا نتجنب التعامل معه, ويصل بنا الحال إلي عدم محبته, وهكذا نخالف وصية الله التي تدعونا إلي محبة الجميع دون استثناء.
للأسف عندما لا تتوافق آراؤنا وأفكارنا وأذواقنا مع الغير, نعتبرهم بعيدين عنا حتي وإن كانت المسافة بيننا وبينهم لاتتعدي مترين فقط, ونصل إلي الحقيقة المرة وهي عدم رؤيتهم حتي ولوكانوا ماثلين أمام عيوننا كما لانقبلهم ولانتحمل أي شئ يصدر عنهم, إذا من يستطيع الجزم بأن الآخر هو قريب منه؟لكن إذا أردنا تحقيق ذلك أو تأكيده,يجب علينا أن نتقدم نحن نحوه لنجعله قريبا منا.
والمطلوب في هذه اللحظة أن نتخلص من نفورنا منه ومقاومتنا له, وألا نضع أي حواجز فيما بيننا وبينه نتيجة اختلاف الأفكار والأذواق والنسب واللون والجنس والدين والمعتقد والأحكام المسبقة عنه, لأن محبة الآخر تعني أن نلغي تماما كل المسافات التي تفصلنا عنه ونمحوها كليا ومما لاشك فيه أن هذه المسافات كامنة في داخلنا ومن اختراعنا, كما أنها لاتقاس بالكيلو مترات إذا من يبحث عن المحبة الحقيقية ليطبقها في حياته, يجب عليه ألا ينتظر قدوم الآخر إليه, ولكن أن يقترب هو نفسه حتي يستطيع رؤيته, ويجعله يشعر بوجوده بالقرب منه, وأنه علي أتم الاستعداد للتعاون معه وتقديم الخدمات المطلوبة منه, كما لو أنه يقول لهذا الشخص:أنا هنا, تستطيع الاعتماد علي إذا فالتدين الحقيقي لايقوم علي ممارسة الطقوس والشعائر الدينية فقط, ولكن علي محبتنا للآخرين والتضحية من أجلهم لأنها تعتبر فضيلة نابعة من الحب الصادق المجرد من المصالح والحسابات الشخصية, إنه الحب الذي يعطي من الذات لأجل سعادة الآخرين وعندما يتملك حب الله علينا ويسكن في قلوبنا لن نتردد أبدا في القيام بأي تضحية من أجل الغير, لأن المحبة الحقيقية لاتعرف حدودا ولا مكانا ولا زمانا, بل تتعدي وتتخطي كل حد.
إن المحبة لاتموت أبدا وكل ما نقوم به بإخلاص في محبتنا يظل دائما أبدا, كما تكفينا أمانة وصدق الحب اللذين يعبران عن معدننا وشخصيتنا, فالإنسان الذي يفقد لغة الحب مع الناس, لن يستطيع أن يقول شيئا مهما تكلم كثيرا لأن حقيقة الإنسان هي الحب, ومن يحب يتسلح بقوة الحق فيما يقول أو يفعل, وسينتصر في النهاية لأن كلامه وأفعاله سيكون لهم أثر علي الآخرين ونختم بالقول المأثور:عبثا فتشت عن نفسي فما استطعت الاهتداء إليها! وفتشت عن الله فما لقيت جوابا ولكني فتشت عن القريب أخي, فوجدت معه الله ونفسي.