يعاتب السيد المسيح الكتبة والفريسيين قائلا: أحسن أشعياء في نبوته إذ قال:هذا الشعب يكرمني بشفتيه, وأما قلبه فبعيد مني(متي15:8).
هل نعتبر الصلاة فرضا علينا, ونشعر بالسعادة عند الانتهاء منها, لأننا قمنا بالواجب المطلوب منا؟أم هي لحظة لقاء وحوار صادق بين الإنسان والله؟ ما هي المكانة التي تحتلها الصلاة وسط أعمالنا ومشاغلنا اليومية؟ لقد دار هذا الحديث بين شخص ملحد وآخر مؤمن:هل تعتقد أيها المؤمن بأن في الكون إلها كلي القدرة, يدبر أمور هذه العالم ولاسيما البشر؟ أجاب المؤمن:هذا بديهي ولا شك في هذا مطلقا, ونحن المؤمنين نعلن ذلك في صلواتنا وإيماننا-وهل يعتني الله الخالق بالبشر, أم إنه منعزل في سمائه, ولا يهتم بأمرهم؟-إن ديننا يعلم بأن الله هو أب حنون مع جميع خلائقه ويهتم بأمور حياتهم-من المحتمل أن يكون الأمر هكذا في كتبكم وتعاليمكم الدينية, لكن الذي يتابع حياتكم اليومية, سيكتشف بأنكم لا تؤمنون بهذا, لأنه إن كان إلهكم كلي القدرة وفي ذات الوقت أبا حنونا يرعاكم ويسهر عليكم نهارا وليلا كان من الواجب عليكم أن تلجأوا إليه في كل حين, لذلك لا أفهم تصرفاتكم أيها المؤمنون! بالرغم من اعتقادكم بأبوة الله وحنانه كيف تسمحون لأنفسكم بأن ترفعوا قلوبكم بالصلاة له قليلا جدا, مكرسين غالبية حياتكم في الأمور الدنيوية؟! كم من المرات التي نردد فيها هذه العبارة:ليس لدينا وقت للصلاة لأننا مشغولون جدا طوال اليوم هذا لكي نعفي أنفسنا من التفرغ لله, ونعطيه حتي ولو القليل من وقتنا كل يوم, متناسين أنه يجود علينا بالحياة كلها لحظة بلحظة ولا يبخل علينا بعطاياه وتحقيق ما نطلبه منه, في حين أننا نهدر الساعات طوال اليوم في أمور أخري لا طائل منها.
وكثيرا ما نتخيل أن الله يعاقبنا لتركنا الصلاة ولكن الواقع أننا نعاقب أنفسنا عندما لانصلي, لأننا بدون الصلاة ندمر حياتنا وندفعها للفشل والفراغ.
فالصلاة هي أداة لخيرنا العظيم لأنها حديث شيق وحوار بنوي بين الإنسان والله أبيه.
وأي شرف نناله من حديثنا مع الله الخالق الأعظم! وكم من النعيم والبركات التي تمطرها الصلاة علي حياتنا!مما لا شك فيه أن الله ليس بحاجة إلي صلاتنا التي نقدمها له كل يوم, ولكننا بحاجة إليه ولن نستطيع أن نحيا بدونه أو بدون الصلاة إذا رغبنا حياة سعيدة ومباركة.
يقول السياسي الإسباني Donaso Cortes:إن الذين يصلون يعملون في سبيل العالم أكثر من الذين يحاربون وإذا كان العالم يتحول من سيء إلي أسوأ فالسبب أنه توجد معارك أكثر مما توجد صلوات. لذلك يجب أن نضع في الاعتبار بأننا لانفرح قلب الله عندما نؤدي صلواتنا كأنها واجب مفروض علينا, ويصل بنا الحال إلي رفعها له دون روح ولاحياة, ومن يلاحظ صلاتنا يكتشف أننا نصلي بوجوه عابسة وكئيبة وحزينة منتظرين اللحظة الحاسمة التي فيها ننتهي من هذا العبء, وكأنه دين علينا يجب أن نسدده إن سر عظمة الإنسان ينبع من اتحاده الوثيق بالله بواسطة صلاته الحقة التي يرفعها إليه في كل حين, والتي تقربه من الله خالقه ومعينه فالإنسان عندما يدعو الله في صلاته يشعر بسعادة لا مثيل ها تغمره طوال النهار, كما أنه يتخطي العقبات التي تواجهه ويسمو في معاملاته مع الآخرين وتزداد محبته واحترامه لهم, ويتبدد الخوف من حياته ويجب علينا ألا نغفل بأن الصلاة لاتؤتي ثمارها ونتائجها في القلب والعقل, إن لم تكن نابعة من الداخل وتكون صادقة وبدون أي مصالح أو أغراض شخصية, فالله أب رحيم لاينسي جميع خلائقه ويعتني بعباده ويسهر عليهم في كل حين, منتظرا سؤالهم واحتياجاتهم لتلبيتها من أجل خيرهم الدائم كما أنه لن يخذلنا أبدا إن بحثنا عنه بقلب نقي وروح مستقيمة ولن يرفض لنا أي طلب مادام لخيرنا وسعادتنا, فالله معنا في كل حين حتي وإن لم ندرك هذا نتيجة مشاغلنا واهتمامنا بالأمور الأرضية فقط, لكن الذي يتوكل علي الله سيشعر بوجوده الدائم في حياتة وسينعم بعطاياه كل حين, مهما كانت ظروف الحياة القاسية أو خيانه الآخرين له.
إذا فالصلاة هي دواء لكل داء يعاني منه إنسان العصر. ونختم بالعبارة الرائعة:هناك فرق شاسع بين من يصلي ليستريح بها, ومن يصلي ليستريح منها.