نستكمل بنعمة ربنا دراسة صلاة الشكر
صلاة الشكر تتكون من ثلاثة أجزاء أساسية تتخللها مردات للشماس والشعب، وبصورة عامة فإن لحن صلاة الشكر يُبنى على مقام السيكاه بفرعيه راحة الأرواح (الهزام) والعراق ونغمات مقام راحة الأرواح تكون كالتالي (سي نصف بيمول – دو – رى – مي بيمول – فا دييز – صول – لا – سي نصف بيمول ) أما مقام العراق (تتغير نغمة مي بيمول إلى مي نصف بيمول ونغمة فا دييز تتحول إلى نغمة فا ) وفي الجُمَل اللحنية لصلاة الشكر يحدث تبادل مابين المقامين حسب إحساس ومعنى الكلمات المصاحبة للحن، ومقام راحة الأرواح (أو الهزام) مقام موسيقي هام في الموسيقى الشرقية عامةً، وتعود أهميته في شهرته لاستخدامه في الأغاني الدينية والوطنية، حيث أنه مقام ذو طابع إبتهالي طربي يُتيح للمؤدي مجال واسع في المساحة الصوتية،وبه أحاسيس ومشاعر جميلة تساعد على التأمل في كلمات الصلاة، كما أنه مقام قديم حيث يُستخدم كثيراً في ألحان القداس الإلهي، كما أن تسميته أيضاً بإسم جميل وهو “راحة الأرواح”، يكون مناسب جداً لفكرة القداس الإلهي، حيث أن الصلاة في هذا الجو المقدس الروحاني يُعطي راحة للأرواح التي تابت واعترفت، وسوف تثبت في جسد المسيح بالتناول، فتصير أرواح وأجساد طاهرة تتمتع بالحياة الجديدة مع المسيح يسوع.
ملحوظة: سوف أشرح هذا اللحن تبعاً للفيديو المصاحب لهذا المقال بصوت المتنيح المعلم الكبير المعلم صادق عطالله أستاذ الألحان القبطية، وفي تحليل صلاة الشكر سيتم شرح كل جزئية حسب الدقيقة أو الثانية التي وقفنا عندها.
لينك اللحن:
الجزء الأول: يتكون من ثلاث فقرات بثلاثة أفكار.
الفقرة الأولى: وموضوعها شُكر الله الرحوم صانع الخيرات (من الدقيقة 1:50إلى الدقيقة 2:18)، وهي عبارة عن ثلاثة جُمَل موسيقية “مارين شيب إهموت إنتوتف إمبيريف إربيثنانيف –أووه إننائيت إفنوتي إفيوت إمبينشويس – أووه بينوتي أووه بينسوتير إيسوس بي خريستوس”، ومعناهم (فلنشكر صانع الخيرات – الرحوم الله أبا ربنا – وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح)، وعندما يقول الكاهن (فلنشكر) فهو يُمَثِل آدم ككاهن للخليقة كلها ويقدم الشكر لله نيابةً عن البشرية كلها، وتنتهي الجُملة الثالثة بنهاية مُطَوَلة ومُمَيَزة تُعتبر ختام لهذه الفقرة، ومن الطبيعي أن يَطول اللحن في كلمة (يسوع المسيح)، فيُعطي للمُصَلِي فرصة للتأمل والشكر لربنا يسوع المسيح الذي أعطانا جسده ودمه لنثبت فيه ويثبت فينا، وهذه الجُملة اللحنية سوف تتكرر العديد من المرات كنهاية للفقرات التي تتكون منها صلاة الشكر، كما أنها تُعَبِرعن الكلمات الموجودة في هذه النهايات كما سنرى في الأجزاء التالية.
وأقتَبِس هنا بعض عبارات كتبها مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث من تأملاته في صلاة الشكر: “إن الذي يستطيع حقاً أن يشكر هو الإنسان المُنسَحِق…..الذي لا يشكر على القليل لا يمكن أن يشكر على الكثير؛ لأن عنصر الشكر غير موجود في قلبه ….. سبب الشكر هو أن الله صانع الخيرات …..الله دائماً يعمل خيراً لا يستطيع أن يعمل ولا يعرف أن يعمل إلا الخير “كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله” (رو8: 28) ….يصنع معنا الخير ونحن في بِرِنا ونحن أيضاً في خطيتنا ……والخير الذي يعمله الله هو خير في ذاته حتى لو كان يبدو لنا مُتعِباً ….نشكره لأنه هو الله أبو ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح فهو الله خالق كل شيء …..وهو محب للبشر جداً، لدرجة أنه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”.
الفقرة الثانية: وموضوعها الأسباب العديدة التي لأجلها نشكر الله (من الدقيقة 2:19 إلى الدقيقة 2:50) “جى إف إرسكيبازين إيجون – إف إيرفويثين إيرون – أف أريه إيرون”، ومعناهم (لأنه سترنا – وأعاننا – وحفظنا)، وهنا تحول المقام من راحة الأرواح إلى مقام العراق (بتحويل مي بيمول إلى مي نصف بيمول وتحويل نغمة فا دييز إلى نغمة فا)، وهذا التحويل أعطى إحساس الاستعطاف وهذا مناسب لتقديم الامتنان والشكر لله الذي فعل معنا كل هذه الأفعال مع أننا غير مستحقين، ونحن أيضاً لا نُبادل هذا الكرم من قِبَل الله بطاعة وصاياه، ولكننا دائمو الشكوى ومستمرين في ضعفنا برغم إحسانات الله الكثيرة لنا.
تتكون هذه الفقرة من ثلاث عبارات موسيقية منفصلة جميعهم يركزوا على ثالثة المقام يحتاجوا إلى نهاية موسيقية، وكأنهم عبارات في صيغة السؤال – مع ملاحظة أن العبارة الثانية تعلو قليلاً “أف إيرفويثين إيرون” (وأعاننا) – يرد عليهم مجموعة أخرى من العبارات الموسيقية تكون نهايتها على الركوز الأساسي للسلم (أو المقام)، فيرد هنا بصيغة الجواب ليُنهي الفكرة التي بدأها،”أفشوبتين إيروف – أفتيأسو إيروف – أفتي توتين أف إنتين شا إإهري إطاي أونوثاي” ومعناهم (وقبلنا إليه – وأشفق علينا –وعضدنا وأتى بنا إلى هذه الساعة).
ونلاحظ هنا بعض الملاحظات: العلو الواضح في كلمة (قبلنا إليه) حتى يصل إلى الدرجة السادسة في المقام، وهي عبارة هامة حيث أن الله يفعل الخير مع كل البشر، الأخيار منهم والأشرار سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، ولكنه قَبِلَنا إليه وهذا هو قمة إحسان الله كما قال القديس يوحنا “أما الذين قبلوه فأعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه” (يو1: 12)، فهو يرعى ويُشفق على الجميع، ولكنه يرعى المؤمنين أولاده بصورة خاصة جداً.
ونجد أن الفقرة تنتهي أيضا بنفس نهاية الفقرة السابقة في طولها وفي ركوزها على أساس المقام، حيث يقول (وعضدنا وأتى بنا إلى هذه الساعة) وهي جملة هامة لأنها تجمع كل ما سبق فيها، فبسبب أن الله سترنا وأعاننا وحفظنا وأشفق علينا فنحن أصبحنا سالمين حتى هذه الساعة بتعضيده لنا، فهي نتيجة طبيعية لوجود الله معنا في هذه اللحظة المباركة.
ونقول ملاحظة أخرى أن المعنى القبطي هنا أدق، فالجُملة”أفتي توتين أف إنتين شا إإهري إطاي أونوثاي” ومعناها الحرفي (هو أعطى يداً لنا وهو قد أحضرنا إلى فوق إلى هذه الساعة)، وكأنه مد يديه الطاهرتين من علوه الأقدس وسحبنا إليه،وأعطانا أن نكون في هذه الساعة في الأعالي، فوجودنا في الكنيسة في هذه اللحظات هو وجود في حضرة الله نفسه في السماء وسط ملائكته وقديسيه وهذه نعمة وبركة عظيمة جداً.
ولهذه الدراسة بقية بإذن ربنا.