عزيزي القارئ، أود أن اتحدث معك اليوم عن لحن للآباء الرسل هو لحن أوندوس. فهو لحن قديم فى تاريخه، لكن جديد فى مضمونه، مختلف فى أسلوب صياغته، عبقرى فى موسيقيته، ممتلئ بالاحاسيس، ملهم فى جمله الموسيقية، ولهذا قررت أن أغوص معك فى أعماق هذا اللحن الرائع “اوندوس”.
لحن أوندوس كلمات الربع أو الإستيخون الأول منه فقط يونانى وباقى الإستيخونات كلماتها قبطية. وهو لحن يقال فى صوم الرسل وفى أعياد الرسل كـ”مرد للكاثوليكون، وبالتالى يأتي قبل قراءة الكاثوليكون، شأنه شأن لحن “أبيت جيك إيفول” الذي يقال قبل قراءة الكاثوليكون ولكن فى أثناء الأيام والأعياد الأخرى.
وكاثوليكون كلمة يونانية تعني جامعة، وقد سميت هكذا لأن الفصل الذي يُقرأ، عادة ما يكون من الرسائل الجامعة، كرسالة معلمنا يعقوب ورسالتي القديس بطرس ورسائل القديس يوحنا.
وقد سُميت جامعة لأنها كُتبت للأمم والشعوب لأنها غير موجهة إلى كنيسة بعينها، بل للجميع أي للكل.
وكما هو معروف، في “مرد الكاثوليكون” أبيت جيك إيفول” وأثناء قراءة الكاثوليكون لا يقوم الكاهن بعمل دورة في الكنيسة مثل البولس لكنه يظل في الهيكل،إشارة إلى وجود الرسل في أورشليم وعدم خروجهم للكرازة في العالم في الفترة ما بين صعود المخلص حتى حلول الروح القدس إذ “أوصاهم أن لا يبرحوا أورشليم بل ينتظروا موعد الآب” (أع 4:1)
وكما هو معروف أيضاً أنه أثناء تفسير الكاثوليكون بالعربي يصلي الكاهن سر بخور الكاثوليكون والذي يُستهل بــ: “أيها الآب إلهنا الذي من قبل رسلك القديسين” وهي صلاه فيها تذكار لجهاد التلاميذ وتبشيرهم للأمم وطلب العون من الله حتى نسلك في إثرهم ونتشبه بجهادهم وتكون هذه الصلاه عند باب الهيكل فقط.
وهنا يحضرنا بعض التساؤلات: لماذا نصوم للآباء الرسل،ونعيد للآباء الرسل، ونلحن ونرتل للآباء الرسل؟ وإجابة هذه الأسئلة سنرصدها لك عزيزي القارئ بالمنطق ومن خلال كتب الطقس والعقيدة التي هي بين إيدينا.
فحينما سألوا السيد المسيح: “لماذا لا يصوم تلاميذك..أجاب ستأتى أيام حين يُرفع العريس، فحينئذِيصومون” (مت 9 أية 15)، وبناء على هذا التصريح، صام الرسل بعد صعود الرب، فيقول سفر الأعمال “أنهم بينما كانوا يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: أفرزوا لى برنابا وشاول” (أعمال 13 آية2).
ويقول أيضاً: “ولما مضى زمانُ طويلُ وصار السفر فى البحر خطراً إذ كان الصوم أيضا قد مضى جعل بولس ينذرهم”(أعمال 27 أية 9)
ويقول أيضاً: ” كان بولس يطلب الى الجميع أن يتناولوا طعاما قائلا: هذا هو اليوم الرابع عشر وأنتم منتظرون لا تزالوا صائمين ولم تأخذوا شيئا. لذلك ألتمس منكم أن تتناولوا طعاما لأن هذا يكون مفيدا لنجاتكم لأنه لا تسقط شعرة من رأس واحد منكم” (أعمال 27 :21).
ولهذا يقول القديس كليمندس:”بعد عيد حلول الروح القدس نعطي حلاً بأسبوع واحد إظهارا للفرح، ثم نصوم صوم الرسل مبجلين إياهم نظرا لما إحتملوه من العذابات لأجل المسيح.
بعد كل ما ذكرناه سالفاً، هل ترى معي عزيزي القارئ إنه لابد أن نصوم للآباء الرسل أم لا؟
ها قد عرفنا لماذا نصوم للآباء الرسل، فهل يجب علينا أن نعيد لهم أيضاً؟
يقول الكتاب على لسان داود النبى فى المزمور 112 آية 6 : “ذكرالصديق يدوم الى الأبد”
ويقول الحكيم فى سفر الأمثال( 10 آية 7″) ذكر الصديق للبركة”
ولما إمتدح السيد المسيح المرأة التي أفاضت الطيب على جسده المقدس قال لتلاميذه “حيثما يُكرز بهذا الإنجيل فى كل العالم، يخبر أيضا بما فعلته هذه المرأة تذكارا لها”(مرقس 14 آية 9).
ويقول الوحى الألهى على لسان القديس بولس فى رسالته الى أهل رومية (13 آية 7 ) “فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الأكرام.”
فإذا كان أهل العالم يحتفلوا سنويا بذكرى أبطالهموالمشاهير من علمائهم، والشخصيات التي خدمت البلد يصنعوا لها تماثيلاً فى الميادين إعترافاً بفضلهم وتخليداً لذكراهم، أفلا يكون بالأحرى على الكنيسة أن تعمل هكذا مع هؤلاء القديسين والشهداء الذين جاهدوا الجهاد الحسن وأكملوا السعى وحفظوا الإيمان وأخيراٍ وضع لهم إكليل البر الذى لا يضمحل.(2 تى 4 آية 7).
إن الكنيسة مدينة لهؤلاء الأبطال الذين أناروها بتعاليمهم،وثبتوها بدمائهم.
وفي الواقع، الأوامر الرسولية تقول صراحة: “فليمتنعوا عن العمل فى أعياد الرسل. وفى عيد أستفانوس أول الشهداء وفى أعياد القديسين الذين فضلوا المسيح على حياتهم” (رأس 3 و دسق 31 و المجموع وجه 200-203). وهكذا وضحت لنا الصورة لماذا نعيد للرسل.
عزيزي القارئ أتمنى أن أكون إستطعت أن أجيبك على السؤالين: لماذا نصوم للآباء الرسل، ولماذا نعيد للآباء الرسل، وإلى اللقاء في المقال الثاني لنعرف لماذا نرتل للآباء الرسل، مع شرح أول ربع في اللحن الجميل “أوندوس”، فإلى أن ألقاك أتركك تستمتع بهذا اللحن الرائع “أوندوس”