ولد المسيح فقيرا, أخلي ذاته من المال والجاه, لم يملك شيئا وهو مغني الكل. حتي أنهم لما طلبوا منه الجزية لم يجد ما يعطيه لهم, فطلب من بطرس أن يلقي الشبكة ويصطاد ويدفع لهم(مت17:27), عاش مرفوضا, إلي خاصته جاء, وخاصته لم تقبله(يو1:11)…هذا ما تخبرنا به الآيات الكتابية, جاء فقيرا لكنه منح كرامة واهتماما خاصا للفقراء, الذين نمنطق مساعدتهم في كثير من الأحيان,لكن منطقة الوحيد كان الحب غير المحدود.
هذا الحب الذي يغمرنا عبر أياد تمتد لمساعدة العرائس تحديدا, ففي فصل الصيف من كل عام, نواجه نفس الأزمات الموسمية, غالبا ما تحتاج العروس الأجهزة الكهربائية والمفروشات وأدوات المطبخ وملابسها الشخصية, ومنذ أيام حينما أعلنت عن عروس يحل موعد زفافها نهاية يوليو, وينقصها الثلاجة, والغسالة, رد علي أحد الأشخاص غاضبا, رافضا, فسألته لماذا تتبني هذا الموقف؟
أجابني:إللي مايقدرش مايتجوزش, مادام مافيش فلوس الناس تنتظر وتستني لما يبقي معاها فلوس تتجوز, لكن كده هايتجوزوا ويدخلوا في دائرة الاحتياج, ويخلفوا عيال هايطلعوا في نفس الدائرة, وده مش منطق.أكملت حواري قائلة:الخطوبة هاتتفك لأن مطلوب منهم من تلاث سنين الجهاز وكل مرة يأجلوا والعريس مايعرفش أن البنت من أسرة فقيرة أجابني:وإيه يعني لما تتفك الخطوبة, وكمان هي لازم تقول للعريس أن اهلها من أسرة فقيرة.
شرد ذهني, وتساءلت لماذا نضحي بمنطق الستر مقابل منطق توفير ثمن الثلاجة والغسالة؟ هل يستحق الأمر أن نكشف ما ستره الله في إخوته, حتي نعلنه للمجتمع في رابطة معقدة جدا هي الرابطة الأسرية بين أسرتي العروس والعريس, لتواجه الفتاة تعييرا وتحقيرا لوالدها وأسرتها عند وقوع أي خلاف. في مجتمع سمته هي التنمر, لماذا نري المعوز ذا إرادة فولاذية, يجب أن يصمد مهما طال الزمن ليأكل شبابه, وينفي حبه, ألا يملك الفقير قلبا ينبض بالحب,ألا يملك جسدا يملك الغرائز ألا يملك روحا ترنو للاستقرار والدفء الأسري, هل يجب عليه أن يكمل دائرة الحرمان, ومثلما حرم من المال يحرم من الأمان والعطف والود والدفء والحب والأسرة؟نحن نساعد المحتاجين بلا مصادرة علي اختياراتهم ولا وصاية علي حياتهم ننفذ وصية الله فيهم, بلا مزايدة علي صلابتهم وقوة احتمالهم, بل بحب ورجاء أن تشملنا مظلة ستر الله الدائم,لأنه وكما قال الكتاب في سفر الأمثال28:27 من يعطي الفقير لا يحتاج ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة.
السقوط خارج الوطن المستجير3
ننشر للمرة الثالثة, خلال سبع سنوات عن الشاب الصعيدي الذي يقطن في جنوب مصر, إنه عامل دهان لواجهات العمارات ذلك الشاب الذي سقط من الطابق الخامس, حينما كان معلقا فوق السقالات ليدهن واجهة إحدي العمارات الجديدة بحثا عن رزق لمساعدة أسرته, كان عمره آنذاك 18سنة يعمل ويدرس في آن واحد, أصيب بقطع جزئي في الحبل الشوكي وسارت الأمور عكس كل المتوقع, عكس الطبيعي, عكس المستقبل المفعم بالأمل, صارت في سكك اليأس والعجز, للأسف هذا الشاب يرقد الآن عاجزا ينتظر المساعدة في شراء كرسي متحرك كهربائي, ولا مجيب.
صار عبئا وعالة بعدما كان المعيل , ورحلة البحث عن شفاء لم تثمر عن أي نجاح بل أثمرت نتائج كارثية بسب تزايد الأعباء,لذلك تكتب اليوم عنه وعن أسرته للمرة الثالثة بعد أن أصيب الشقيق الأكبر المتفرغ لخدمة أخيه بفتاء في الخصية اليمني, وانتقال للخصية اليسري من موضعها بسبب ثقل وزن أخيه, الذي يضطر لحمله عند الحركة والتحميم, أما والدته فأصيبت بالضغط والسكر والتهاب الأعصاب.
اليوم نكتب عن الأم المكلومة التي تخلي الزوج عنها خلال هذه الكارثة, ولم نذكر شيئا عنه طوال السنوات الماضية احتراما لآلام السيدة الحزينة, ترك المنزل ذات يوم ولم يعد حتي الآن, رافضا تحمل المسئولية فصارت هي المسئولة الوحيدة عن ثلاثة رجال أكبرهم يحاول جاهدا المساعدة رغم ما أصابه, والأوسط عاجز تماما بعد أن سقط مقطوع الحبل الشوكي, والأصغر كان طفلا وقت الواقعة, والآن صار شابا في المدرسة الثانوية الصناعية, يحاول المساعدة قدر ما يستطيع في الإجازات الصيفية.
ظل باب افتح قلبك يساعد الأسرة طوال سبع سنوات, عبر التواصل مع الأطباء وتوفير سكن في القاهرة وتنقلات وعلاج طبيعي, لمدة عامين, لم يسفر فيهما أي إجراء عن نتائج إيجابية في حالة الشاب, وحتي عودة الأسرة إلي سكنها الدائم في الصعيد, تم تحديد المساعدة في مبلغ شهري دائم, مستمر منذ ذلك الحين وحتي اليوم, لكن هذا المبلغ للمساعدة علي نفقات المعيشة, وليس العلاج ولا الكرسي المتحرك, ولا الاحتياجات الإضافية التي تلزم شخص أصابه القدر بعجز كلي, وهو مازال في ريعان شبابه.