سعت الدولة المصرية لتقدم هدية ثمينة للإنسانية.. بركة تمتع بها الشعب المصري بقدوم العائلة المقدسة إلى أرضها وحولها لإحتفالات شعبية ودينية وفلكلور تمتاز به مصر عن دول العالم أجمع، وقدمتها القيادة المصرية إلى العالم ليتمتع بهذه البركة..
تركت العائلة المقدسة تراثاً مادياً عظيماً من الآثار في نقاط عديدة على مسار طوله 3500 كيلو متر ذهابًا وعودة، وتركت أيضا تراثاً شعبياً لامادياً فريداً لا يوجد في أي مكان غير أرض مصر. هذا التراث الشعبي اللامادي قدمته الدولة المصرية كملف لليونسكو ( UNESCO ) لتسجيل فولكلور مصري أمام العالم كله حتى يعرف شعوب العالم هذا التراث العظيم ويكون هذا الملف دعوة مفتوحة لسياح العالم لزيارة مصر ونوال البركة الإلهية من الأراضي المصرية والتعرف على هذا الفلكلور الفريد عن قرب.
كان لوطني حوار مع مؤلف مكنز التراث الثقافى الشعبي والمسئول عن إعداد ملف احتفالات العائلة المقدسة للتراث الشعبي اللامادي لتقديمه لليونيسكو، الدكتور مصطفى جاد عميد معهد الفنون الشعبية والذي امتلأت سابقة أعماله بانجازات عديدة تستحق التأمل لمعرفة التراث الشعبي المصري ومدى غزارته وغناه..
بدأنا حديثنا مع الدكتور مصطفى جاد عن التعريف العلمي للتراث الشعبي و“التراث اللامادي”.. فقال:
إن التراث الشعبي هو تراث له عمق تاريخي ويتناقل عبر الأجيال ولايزال حياً ويمارس بين الجماعة الشعبية ويبدع فيه المجتمع ويكون مؤلف هذا التراث مجهولاً.
أما “التراث اللامادي” فهو مصلح يكاد يكون بنفس معنى التراث الشعبي، وهو من إنتاج اليونسكو التي عملت اتفاقية اسمها “التراث الثقافي غير المادي” لتوحد المصطلح على مستوى العالم، ففي كل دولة كان يعرف بمصطلح خاص بها.
ومصر كان لها الريادة في تصنيف موضوعات التراث الشعبي، ولحقت بها الدول العربية أيضًا، وتعتبر هذه التصنيفات هي نفسها باليونسكو منها: الأدب الشعبي (أشكال التعبير الشفهي) – العادات والتقاليد الشعبية (الممارسات الاجتماعية والطقوس) – المعارف والمعتقدات الشعبية (المعارف المرتبطة بالطبيعة والكون) – فنون الآداء الشعبي – فنون التشكيل والحرف.
ما الفرق بين التراث المادي والتراث اللامادي؟
التراث المادي بالمفهوم العالمي هو ما تملكه الدول من آثار من الحضارات المختلفة منذ بداية الخليقة.
واليونسكو عملت اتفاقية خاصة بالتراث المادي تسمى “اتفاقية التراث العالمي” عام 1972م والتي تهتم بحفظ الآثار.
أما التراث اللامادي فهو تراث ثقافي شعبي، حتى وإن كان إنتاجه ملموساً مثل فن الحرف، فحرفة صناعة الفخار على سبيل المثال تعتبر من التراث اللامادي حيث ندرس فيها المعارف والمهارات والصنعة التي تتم لانتاج قطعة الفخار.
ما أهمية الحفاظ على هذا التراث الشعبي؟
بدون الحفاظ على التراث الشعبي من عادات وتقاليد وممارسات ومعتقدات وفنون وحرف، نحن نعتبر لا شيء ولا يكون لنا هوية.
فعاداتنا وتقاليدنا وممارساتنا الشعبية تعبر عن هويتنا المصرية وعن ابداعنا الذي ورثناه من أجدادنا القدماء..
إضافة إلى الفنون والأغاني التي ترتبط بمجتمعنا وممارستنا، فلا يمكن أن نتخيل شهر رمضان بدون أغانيه الشهيرة أو بدون فانوس رمضان أو المسحراتي بكلماته المأثورة أو الأكلات الأساسية مثل الكنافة والقطايف، ولا يمكن أن نتخيل مصر بدون الحرف الشعبية التي تزينها، أو الأزياء الشعبية التي تتميز بها كل منطقة عن الأخرى في بلدنا الجميلة، مثل أزياء واحات سيوة أو سيناء أو حلي الصعايدة أو جلباب الجنوب..
وإذا تكلمنا عن الحرف الشعبية الخاصة بنا في مصر، منها الفخار والنسيج والجلود والزجاج، فهذه كلها تعتبر الصناعة الأساسية التي تعملها الجماعة الشعبية للمجتمع.
لذا مصر هي مصر بتراثها الشعبي الذي يرسم هويتها ويبرز حضارتها وقوتها. ونرى الأن اهتمام رئيس الجمهورية بافتتاح معرض “تراثنا” ليؤكد التقدير والاعتزاز بتراث هذا البلد والمسئولية السياسية نحو المحافظة على التراث المصري والنهوض به لأن له تأثيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية وابداعية..
ما هو مكنز التراث الشعبي؟
لو تم التصنيف التفصيلي لكل عنصر من هذا التراث ستفرز آلاف الموضوعات التي تُكَون تراثنا العريق. ومن هنا جاءت فكرة تجميع هذه العناصر المتعددة فيما يطلق عليه “مكنز التراث المصري”.
هذا المكنز يسجل فيه آلاف الموضوعات، منها الأمثال الشعبية، والحكايات الموروثة، السير الشعبية، الأغاني، العادات والطقوس في الزواج أو السبوع والاحتفالات الأخرى التي يمارسها المجتمع المصري، وعادات الطعام في كل منطقة، والكثير من الذاكرة الشعبية التي تجسد الوطن.
مصطلح مكنز هو ترجمة لكلمة ثيسوروس “Thesaurus” الذي يعرض قائمة من المصطلحات أو الواصفات المرتبطة بعلم من العلوم وتكون مصنفة هرمياً ودلالياً.
العالم كله به مكانز متخصصة في العلوم والطب وعلوم الاجتماع والكثير من العلوم المتخصصة، ولكن هذا المكنز المصري ومن بعده العربي كانا أول مكنزين للتراث الشعبي.
كيف يتم جمع المعلومات عن التراث اللامادي؟
في المعهد العالي للفنون الشعبية، ندرس في البكالوريوس أساليب جمع التراث الشعبي. فنتطرق لكيفية تعامل الباحث المختص مع الناس وماذا يسأل وبأي أسلوب، وكيف يندمج الباحث وسط المجتمع حتى يقبله ويمده بالمعلومات الصحيحة والدقيقة. فإذا توجهنا لواحد متخصص في حرفة وسألناه عن سر صنعته سيكون متردداً لسرد تاريخ صنعته ومحور تميزه. لذلك من المهم أن هذا الباحث الذي يتولى عملية جمع المعلومات أن يكون لديه مهارات في التعامل ليستريح له أفراد المجتمع الذي يستكشفه.
أيضا لدينا رصيد من التاريخ الذي يمدنا بالمعلومات القديمة والتي نستكمل الرصد بعدها أو نبني عليها. هذه المعلومات القديمة نستمدها من مخطوطات أو المتاحف أو من كبار السن.
ومتى تكلمنا مع راوٍ خاصة من كبار السن، نأخذ منه التاريخ الذي يعرفه والحال الأن لكي نوثق بعض التاريخ من كبار السن الذين عاصروا ما لا نعرفه في أيامنا الأن.. وأحيانا يشرح لنا تراث اندثر فنقوم بسرده ضمن تاريخ حضارتنا.
أما عن تسجيل الاحتفالات الشعبية، مثل السبوع أو الأفراح أو الموالد، تكون بآليات معينة للتسجيل وسط الزحام، فمن ضمن الأدوات الرئيسية في هذا الرصد تكون الكاميرات الفوتوغرافية وكاميرات الفيديو للرصد الدقيق للحدث بكل جوانبه.
ففي الموالد نرصد العديد من الموضوعات مثل: أزياء شعبية مختلفة لأن الوافدين من مناطق مختلفة، ونجد إنشاداً دينياً وأغاني خاصة بالمدائح النبوية، ونجد حلقات ذكر، إضافة إلى التحطيب والرقص بالعصا، وكذلك أكلات شعبية مرتبطة بالحدث، وحرف شعبية ومنتجاتها تباع أثناء المولد، وأيضا فنون الزينة التي تملأ المكان، وألعاب مختلفة مثل المراجيح أو الأراجوز، والمعتقدات التي تمارس في هذه الموالد من أدعية سواء موالد مسيحية أو إسلامية، ومعتقدات المصريين أن الطفل مهم زيارته لهذه الأماكن لتقديم طلب الصحة الجيدة والنجاح، وكذلك الرسايل المكتوبة التي يرسلها الحضور طالبين الشفاعة من الأولية والقديسين لتحقيق أحلامهم.. كلها عادات وممارسات مصرية خالصة تكون عند المسلمين والمسيحيين.
حركة التأريخ المصري للتراث الشعبي بدأت من أربعينيات القرن الماضي، عندما قدم الدكتور عبد الحميد يونس للمجتمع رسالة ماجستير ورسالة دكتوراه عن سيرة الظاهر بيبرس والسيرة الهلالية، والدكتورة سهير القلماوي عملت دكتوراه في “ألف ليلة وليلة” وبعدها تم إنشاء مركز دراسات الفنون الشعبية عام 1957م والذي يقوم على جمع عناصر التراث الشعبي في مختلف الموضوعات الموجودة بالمجتمع المصري.
رواد وعلماء كبار من 1957م حتى الأن يقدمون هذا الحصر بالوصف والصوت والصورة والفيديو ويتم جمع كل هذا الحصر من كل الموضوعات من كل أنحاء مصر، ومن هنا أيضا يتم رصد وتسجيل التغيرات عبر التاريخ في كل محور. ويقوم تحف الفنون الشعبية بالمعهد برصد الكثير من هذا التراث الشعبي، وقد تم ضم مركز الفنون الشعبية أيضاً إلى معهد الفنون الشعبية عام 1981م لتصبح ثلاثية الفولكلور الشعبي التي تنفرد بها مصر في المنطقة كلها.
إلى أين وصلنا في عملية رصد التراث الشعبي المصري؟
التراث الشعبي لا يتوقف ولا ينتهي بل يتجدد وتتغير أشكاله يوماً فيوم.. لذا تستمر عمليات تسجيل التراث وتغيراته باستمرار.
عملية الرصد تكون مستمرة على مدى أجيال، ولا يوجد شخص في العالم يمكنه أن يرصد كل تراثه لأن كل يوم تتجدد أشكال في تراثنا ويولد الجديد منه.
منذ الخمسينيات من القرن الماضي قمنا بحركة رصد ميداني لأغلب التراث الشعبي بمستوى يرقى إلى العالمية. وذلك بمساعدة أدوات جمع ورصد متميزة، إضافة إلى أساتذة ورواد كبار ولدينا باحثين محترفين والأهم من ذلك لدينا مناطق ثقافية ثرية جدا بما تقدم للمجتمع، مثل الصعيد والنوبة والدلتا وسيناء والمناطق الساحلية والواحات ومناطق البدو، فمصر غنية جدا بما تقدم من تاريخ ناتج من الحضارات المتعاقبة على مر عصورها، من فرعوني وروماني وقبطي وإسلامي.. فالمجتمع المصري غارق في ابداع مستمر وشعبه مبدع.
كيف يمكن استرجاع هذا الحصر للتراث المصري؟
بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية أصدرنا مكنز الفولكلور المصري، في مجلدين عام 2006م وحاز على جائزة عربية من ALEXO
نحاول الأن عمل تحديث على هذا المكنز ليكون متاح للناس. ويتم دراسة عمل قاعدة بيانات الكترونية لتسجيل كل هذه المعلومات في مكان يتيح البحث بسهولة عن أي معلومة.
تجربة المكنز أصبحت عربية، فاستطعت اتمام مكنز التراث الثقافي الشعبي العربي، وتم الانتهاء منه بالفعل بعد عمل مضن استمر من 2006 حتى العام الماضي، ليخرج في 6 مجلدات مدونة 22 ألف عنصر من عناصر الفولكلور. وننتظر في الأشهر القادمة ظهور هذا المكنز على بوابة الكترونية تتيح معلومات غنية جدا عن التراث العربي.
وبتحويل المكنز إلى موسوعة الكترونية يمكننا شرح كل مصطلح بالتفصيل ويكون مرفق له صور وفيديو تعبيري يوضح ويوثق المعلومات.
ما أهمية التوثيق في اليونسكو؟ وما المميزات التي نجنيها من اليونيسكو؟
مؤسسة اليونسكو من تاريخ إنشاءها عام 1945م ابرمت مجموعة من الاتفاقيات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. في عام 1972م قامت بعمل اتفاقية الحفاظ على التراث العالمي لحماية الأثار الموجودة في دول العالم من أي أضرار تأتي عليها. وفي عام 2003م بدأت اليونسكو تنتبه لأهمية التراث اللامادي وأعلنت عن اتفاقية التراث الثقافي غير المادي، لكي تدعو العالم للمحافظة على الفولكلور.
ودعت اليونسكو دول العالم للانضمام لهذه الاتفاقية، وانضمت مصر بالفعل عام 2005م
وتنص الاتفاقية أنه على كل دولة أن تعد قائمة حصر بالتراث الشعبي الموجود على أرضها، وتنقسم إلى 3 أنواع من عناصر تصنيف التراث وهي: تراث حي ومنتشر (تحت القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية) مثل السيرة الهلالية أو رقصة التحطيب. والتصنيف الثاني يكون لتراث اقترب من الاندثار (تحت ملف قائمة الصون العاجل) مثل أعمال النسيج على النول اليدوي أو فن الأراجوز. أما التصنيف الثالث فيكون عن تراث الممارسات الجيدة، بمعنى لو كان عندك تجربة في صون التراث الثقافي يمكنك تدوينها في هذا التصنيف الثالث.
اليونسكو لا تلزم الدول بالاشتراك، لكن من يشترك يدفع مبلغاً سنوياً ويتم استخدامه للصرف على الأنشطة.
تتميز الدول المشتركة بهذه الاتفاقية باعلان تراثها الثقافي أمام العالم كله للمعرفة، وكذلك يمكن لأي دولة طلب دعم من اليونسكو في حالة تسجيل أي تراث في قائمة الصون العاجل لحمايته من الاندثار.
وجود مصر ضمن هذه الاتفاقية، يساهم في تسليط الضوء عليها وعلى تراثها العظيم، ويساعد ذلك في جذب سياحي لمصر ومن هنا يحدث رواج اقتصادي.
ومن ضمن الملفات باليونيسكو أيضا الملفات المشتركة بين الدول، مثل الممارسات الشعبية المرتبطة بالنخلة، وتشترك بهذا الملف 18 دولة عربية، أو فنون الخط العربي وتشترك فيه 15 دولة عربية.
ماذا عن ملف التراث اللامادي المتعلق بالعائلة المقدسة؟
طلب وزير السياحة والآثار الدكتور خالد العناني في عام 2018م عمل ملفين لتقديمهم لليونسكو عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر.
الملف الأول يكون لقائمة التراث الثقافي المادي، التي يتم تسجيل فيه مسار العائلة المقدسة وتحديداً منطقة وادي النطرون كإحدى النقاط الواقعة على هذا المسار. أما الملف الثاني عن التراث الثقافي غير المادي لاحتفالات العائلة المقدسة.
تم التعاون بين وزارتي السياحة والآثار ووزارة الثقافة لكي يخرج ملف التراث اللامادي، وبدأ إعداد للملفين بالتوازي.
وشرفت أنا بالإشراف على الملف التراث اللامادي عن الاحتفالات الشعبية المرتبطة بمسار العائلة المقدسة، والذي يندرج تحت قائمة اليونسكو “القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية”.
وبدراسة هذا التراث من الاحتفالات المتعلقة بالعائلة المقدسة والتي تمارس حتى الأن في نقاط المسار، وجدنا احتفاليتين كبيرتين، الأولى هو عيد دخول العائلة المقدسة مصر في الأول من يونيو – وتم تغطية أيضا نفس المناسبة بتاريخ أخر في فبراير بمنطقة كوم ماريا حيث تختص باحتفال وصول العائلة المقدسة إلى هذه المنطقة في ذلك التاريخ تحديداً. أما الاحتفالية الثانية الكبيرة فتتزامن مع الصوم الخاص بالسيدة العذراء مريم في شهر أغسطس.
والجدير بالذكر أن هذا ملف تختص به مصر فقط حيث أن هذه الاحتفالات لا توجد إلا في مصر وهذا المسار الخاص بالعائلة المقدسة لا يوجد إلا في أرضنا.
أثناء الاحتفالات نزلنا بفرق مسح ميداني، ورصد لطبيعة الاحتفالات من الفئات المجتمعية التي تمارس هذه الطقوس ورصدنا مراسم الاحتفالات في كل نقاط المسار وسجلنا تاريخ هذه الاحتفالات وكيف كان قديماً، وتم تعضيد الرصد بالصور والفيديوهات.
وتم أيضا رصد الطبيعة الخاصة لاحتفالات الجالية الأثيوبية التي تتوافد على دير المحرق للاحتفال بالعذراء مريم، وأشكال احتفالاتهم الخاصة جداً.
وتم دراسة مدققة لكل ما يتعلق بهذه الاحتفالات من عادات وتقاليد وطقوس وكذلك الأطعمة التي تتواجد في هذه الاحتفالات وطريقة احتفال الأطفال في كل مكان، والترانيم التي تتلى في هذا الموسم، وكل ما يتعلق بهذا التراث الشعبي المصري القبطي.
وقدمنا الملف لليونسكو وأخذ دوره لدراسته وفحصه، وننتظر في نوفمبر القادم إعلان نتيجة هذا الملف واعتماده من اليونسكو.
وكلنا ندعو أن يحظى هذا الملف بالاعتماد، لأنه مستوف خمسة مراحل من المعايير التي تعتد بها اليونيسكو. منهم معيار كيفية الحفاظ على تلك الاحتفالات وهذا يتم بالفعل بفضل الطقوس والعادات الكنيسة الأرثوذكسية بمصر، كذلك وجوده ضمن التصنيفات الخمسة الخاصة بالتراث اللامادي، أيضا موافقة الجماعات الشعبية والمؤسسات بالدولة على تقديم هذا الملف لليونسكو، والعديد من المعايير الأخرى التي استوفاها الملف.
هو ملف مهم جداً بالنسبة للدولة المصرية، لأنه يعلن للعالم عن تراث يهم شعوب العالم أجمع ويشجع الناس لزيارة هذه الأماكن المباركة ومشاهدة تلك الاحتفالات.
ويجب الإشارة أنه تم مشاركة أكاديمية الفنون بالمعهد العالي للفنون الشعبية والمعهد العالي للسينما بشكل رئيسي في إعداد هذا الملف.
احتفالات عيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر بالمعادي
احتفالات الأثيوبيين بالعذراء مريم في دير العذراء المحرق
من أين جاءت فكرة جدارية العائلة المقدسة على جدران معهد الفنون الشعبية؟
معهد الفنون الشعبية يضم متحف الفنون الشعبية الذي يعرض الكثير من التراث الشعبي المصري، من قبطي وإسلامي، يعبر كلا منهما عن عاداته وتقاليده المصرية بأشكال متعددة من خلال حياتهم المعيشية، فمسألة الديانة لا تظهر في التراث الشعبي إلا في العادات المرتبطة بالطقوس والاحتفالات الكنسية أو شهر رمضان أو موالد الأولية أو موالد القديسين. غير ذلك التراث الشعبي لا تفرقه ديانة.
أحد العناصر التي تظهر في المتحف هي العائلة المقدسة وتجسد الشكل الاحتفالي بقدومها إلى مصر. لذا عملنا نموذج يجسد يوسف النجار ومعه العذراء مريم والطفل يسوع على الحمار وصممنا أمامهم زفة الأيقونات التي يقوم بها الشمامسة بالكنيسة معبرين عن فرحهم لقدوم العائلة المقدسة لمصرنا، وهذا يجسد جزء من تراث الشعب المصري وطريقة احتفاله بهذا العيد.
وعلى جدران هذا المتحف قررنا نعمل جداريات تميزه كمبنى ضمن مجموعة مباني المعهد. فاخترنا بعض النماذج الجدارية التي تعبر عن التراث المصري مثل موضوع فولكلور البحر ومهنة الصيد وبيع السمك كإحدى الجداريات، وجداريات أخرى منها: الحرف الشعبية، والتحطيب، وشعراء الربابة، وموالد الأولياء وكذلك العائلة المقدسة.
هذه الجداريات تجذب المشاهد لزيارة المتحف لمشاهدة باقي عناصر التراث اللامادي الموجود داخل المتحف.
بالنسبة لجدارية العائلة المقدسة، تمت بشكل فني جميل وفي مكان بارز وجاءت بجوار احتفالات موالد الأولياء لتعلن أننا كشعب مصري نتشارك في الاحتفالات بين العائلة المقدسة والأولياء.
وباعلان نتيجة اعتماد اليونسكو لملف التراث اللامادي للعائلة المقدسة نوفمبر القادم، سيكون هذا أهم الملفات التي شارك فيها المعهد العالي للفنون الشعبية وستكون هذه الجدارية شاهدة على هذا العمل العظيم، الذي قدمه المعهد لمصر والعالم كله من التراث الشعبي المصري الأصيل.
كم عدد الملفات التي اعتمدت مصر ضمن ملفات التراث اللامادي باليونسكو؟
تقدمت مصر بالعديد من الملفات منها ملف السيرة الهلالية، التحطيب، الأراجوز، النول اليدوي، الممارسات الشعبية المرتبطة بالنخلة، وفنون الخط العربي، وكلها اعتمدت، وفي انتظار اعتماد ملف احتفالات العائلة المقدسة في مصر.
فمثلا من الملفات التي كانت غنية في تفاصيلها كان ملف “فنون النخلة”، فهذا الملف تحديدا خرج منه موضوعات متعددة، مثل حرف شعبية مثل جدل الخوص، وأكلات شعبية مثل التمر والذي يخرج منه صناعة العجوى، واستخراج الزيوت وبعض المواد التي تستخدم في صناعات أخرى. أيضا استخدام النخيل في العمارة الشعبية حيث تستخدم سيقان النخل لعمل بيوت أو أسقف بيوت. ولا ننسى الأغاني التي يتم تلاوتها وقت جمع النخل. وكذلك ارتباط النخيل باحتفالات شعبية مسيحية مثل أحد السعف. وأتذكر فولكلور ظهر في فيلم “البداية” الذي عرض شخصيات أقاموا حياتهم بالكامل اعتماداً على النخيل.
هناك ملفات كثيرة تنتظر الإعداد وإيجاد فرص لتقديمها، منها ملف اعتز به واتمنى أن أقدمه لليونسكو وهو ملف الفول والطعمية، وأيضا من الملفات المهمة ملف حرفة الفخار.
كل مؤسسة تشعر بأهمية ملف من التراث غير المادي تتقدم بمقترح للجنة العليا المسئولة عن التراث غير المادي التابعة لوزارة الثقافة ويتم دراسة كل ملف إلى أن يوافق عليه أو يستبعد.
كيف أبصرت التراث الشعبي من خلال عقل وحكمة معلمك الذي لم يبصر؟
بالطبع معلمي هو الدكتور عبد الحميد يونس له علي أفضال كثيرة، برغم أنه كان ضريراً إلا أنني من خلال بصيرته وحكمته أبصرت علم لم أكن أتخيله في شبابي.. فالتاريخ يرجع إلى مرحلة الثانوي حيث تعودت أن أتقدم للعمل في فصل الصيف، فوجدت إعلان عن الأديب عبد الحميد يونس يريد المساعدة في كل شئ في حياته وجملته الشهيرة كانت: “أنت ستكون العين التي أرى بها كل شئ في حياتي.” اختبرني في القراءة واللغة العربية والانجليزية، ثم وقع الاختيار علي.. وكنت اتصور أن هذا الحال سيستمر في فصل الصيف فقط ثم أعود إلى مدرستي، لكني استمريت معه عشر سنوات، وأثناء تلك الفترة دخلت كلية الآداب، وهو من نصحني أن أدخل قسم الوثائق والمكتبات بالكلية لكي أتخصص في توثيق الفولكلور.. وقد كان، فبعد أن حصلت على ليسانس الآداب التحقت بمعهد الفنون الشعبية وتخصصت في التوثيق الشعبي وتقدمت برسالة الدكتوراه في هذا المجال.
وجودي عشر سنوات كشاب صغير في بداية حياتي بجوار هذا العملاق، جعلني اقرأ كتب ومقالات ومحاضرات واستقبل معلومات من عالم بقامة الدكتور يونس، في التراث الشعبي.. هو حقا كان له دور عظيم في تكوين جذور كل ما وصلت له الأن.
الدكتور عبد الحميد يونس كان رائداً في الفولكلور والأدب الشعبي في مصر والعالم العربي كله، حيث كان له الريادة بالماجيستير والدكتوراه سنة 1948 و 1950 في سيرة الظاهر بيبرس والسيرة الهلالية ولم يكن احد عنده هذه المعلومات، وكان صاحب فكر دخول الدراسات التراث الشعبي بالجامعات. وهو مؤسس الأدب الشعبي ومؤسس معهد الفنون الشعبية، وهو صاحب أول موسوعة في الفولكلور وحصل على جائزة الدولة المصرية في الآداب وجائزة التقدم العلمي من الكويت.
حتى كتبه كانت رائدة في هذا التخصص، منها “الهلالية في الأدب الشعبي” و”الحكاية الشعبية” وكتابه العظيم “دفاع عن الفولكلور” و”الأسطورة والفن الشعبي” ومعجم الفولكلور ودائرة المعارف الإسلامية المترجمة من الإنجليزية إلى العربية.
كنت شاباً واخترت أن أربط يدي بيده في كل خطوة في حياته، أكله وشربه وحتى سفره كنت مرافقاً له. رأيت عالم وهو يفكر في جمل علمية ليكتبها.. ربنا رزقني به لأكون ما أن عليه الأن.
السيرة الذاتية للأستاذ دكتور مصطفى جاد
عميد المعهد العالي للفنون الشعبية
أكاديمية الفنون- القاهرة
المؤهلات العلمية والخبرات
(2000) دكتوراه الفلسفة في الفنون الشعبية (إشراف مصري فرنسي مشترك) – أكاديمية الفنون – المعهد العالي للفنون الشعبية – جامعة ليون2.
(2000 حتى الآن) مستشار التراث غير المادي بمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بمكتبة الإسكندرية.
(2011 حتى الآن) عضو مجموعة الخبراء باتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي.
(2012 حتى 2020) رئيس قسم مناهج الفولكلور وتقنيات الحفظ بالمعهد العالي للفنون الشعبية.
(2014- 2019) وكيل المعهد العالي للفنون الشعبية.
(2015-2016) قائم بأعمال عميد المعهد العالي للفنون الشعبية.
(2019 حتى الآن) عميد المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة حتى الآن.
أشرف وناقش العديد من أطروحات الماجستير والدكتوراه في مجال التراث الشعبي وغير المادي.
شارك في العديد من الملتقيات والمؤتمرات الدولية في مجال التراث الشعبي بالعديد من الدول العربية والأجنبية: مصر – السودان – تونس – الجزائر – المغرب – البحرين – الإمارات- السعودية – قطر- سوريا – لبنان – الأردن – فرنسا – إنجلترا – أذربيجان – الصين- كولومبيا…
الكتب والدراسات المنشورة
(2021) الحيوان في التراث الشعبي العربي (الشارقة: معهد الشارقة للتراث)
(2019- 2020) مكنز التراث الثقافي غير المادي: مكنز مختص في التراث الشعبي العربي (الشارقة: معهد الشارقة للتراث)
(2019) قصة التراث الشعبي العربي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)
(2016) محمد رجب النجار: مدرسة عربية في بحث التراث الشعبي (الشارقة: معهد الشارقة للتراث)
(2016) الإنتاج الفكري والأدبي العربي حول جحا: ببليوغرافيا وصفية (الشارقة: معهد الشارقة للتراث)
(2014) الشخصية المساعدة للبطل في السيرة الشعبية (الشارقة – دائرة الثقافة والإعلام).
(2012) الأدب الشعبي في واحة سيوة (مؤسسة كوسبي – مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي)
(2009) عبدالحميد يونس: رائد الدراسات الشعبية – (السلسلة الثقافية لطلائع مصر، 69)
(2009) توثيق الحرف والمهن الشعبية بالقاهرة (مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي)
(2008) مكنز الفولكلور – 2 مج (المكتبة الأكاديمية، ومركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي)
(2007) معجم لغة الحياة اليومية (بالاشتراك – المكتبة الأكاديمية، ومركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي)
(2006) الإنتاج الفكري العربي في الفولكلور (بالاشتراك – مركز البحوث والدراسات الاجتماعية)
(2005) نظريتي في أرشيف الفولكلور (أكاديمية الفنون – القاهرة)
(2004) أطلس دراسات التراث الشعبي (مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – القاهرة)
(1998) المأثور الشعبي والطفل: قائمة ببليوجرافية مشروحة (المركز القومي لثقافة الطفل – القاهرة)
له أكثر من 60 دراسة منشورة في الدوريات العربية والأجنبية في مجال التراث الشعبي.
الجوائز وشهادات التقدير
(2014) الجائزة العربية للتراث الثقافي غير المادي – الأليكسو.
(2008) جائزة الدولة التشجيعية في الفنون – وزارة الثقافة – مصر.
(1985- 2015) شهادات تقدير ودروع من العديد من الدول العربية والأوروبية والآسيوية.