أيام وينطلق الحوار الوطني الذي دعي إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية ومنذ تلك الدعوة الرئاسية والرأي العام -النخبوي- ينشغل بتفاصيل الحوار بشكله وأداته وأولوياته ومحدداته وصولا إلي الأطراف التي سوف تشارك في فعالياته ومصير المخرجات التي سوف تنبثق عنه.
وفي أكثر مناسبة أوضح الرئيس الهدف من الحوار مستخدما عبارة ودودة وهي نسمع بعض.
تأتي دعوة الرئيس للحوار السايسي مع اقتراب الاحتفال بمرور تسع سنوات علي ثورة 30 يونيو التي تمثل المرجعية الثورية التي يستند إليها نظام الحكم في مصر.
ربما أحد أهداف الحوار هو إعادة ترميم حلف 30 يونيو الذي أصابه قدر من التصدع بفعل التجاذبات والخلافات السياسية حول إدارة المرحلة السابقة من عمر الوطن والتي يمكن توصيفها باعتبارها مرحلة انتقالية.
وسوف يتطرق الحوار قطعا للملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الشئون التي تشغل بال المواطن المصري ومن ثم تسعي النخبة -أحزاب ونقابات وجمعيات وغيرها من مكونات المجتمع المدني- إلي طرحها علي مائدة الحوار للخروج بمكاسب للوطن وللمواطن بعيدا عن البحث عن مكاسب ضيقة لفئة أو فصيل أو تيار معين.
ولعل أهم ما يشغل أمثالي من المهتمين بالشأن الفكري والثقافي هو ضرورة التوافق علي وضع أسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة والخروج من إطار الشعار إلي حيث التنفيذ علي أرض الواقع خاصة وأن هناك حديثا متزايدا عن الجمهورية الجديدة دونما تحديد واضح لملامحها التي أظن أن الملمح الرئيس لها هو إرساء قيم المواطنة وسيادة القانون ورفض التميز بكافة صوره وأشكاله بسبب الجنس أو الدين أو الطبقة الاجتماعية.
ومن المؤكد أن وجود أي ملمح للتمييز هو ضرب في مقتل لأي حديث عن المدنية والحداثة.
قد يتصور البعض أن المدعوين للحوار سوف ينشغلون بهذا الشأن في إطار سعيهم لفتح المجال العام والبحث عن مزيد من حرية الرأي والتعبير -السياسي- لكنني أظن وبالطبع فإن بعض الظن إثم- أن غالبية المدعوين للحوار لن ينشغلوا بالعمل علي إرساء أسس مستقرة من حيث البيئة التشريعية أو الثقافية أو الاجتماعية التي يتم بنائها عبر وسائل ومنصات رسمية وغير رسمية مثل الإعلام والتعليم والمؤسسات الدينية وغيرها من الوسائط والوسائل.
فنحن نعيش في وطن بلغ عدد أحزابه السياسية الرسمية أكثر من 100 حزب عدد لا بأس به قد تأسس وفقا لمرجعية دينية بما يخالف الدستور الحالي والذي وافق عليه الشعب في 2014 وحتي الآن لم يجرؤ أحد علي تفعيل مادته رقم 74 والتي جاء بها الآتي للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية, بإخطار ينظمه القانون. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سيأسي, أو قيام أحزاب سياسية علي أساس ديني, أو بناء علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو علي أساس طائفي أو جغرافي…
كما أننا في وطن به أكثر من 50ألف جمعية أهلية عدد كبير جدا منها يخلط بشكل متعمد بين التدين وممارسة العمل الاجتماعي في محاولة لكسب ثقة المواطن.
لذلك فإن السعي الدائم والنضال من أجل إرساء قواعد دولة مدنية ديمقراطية حديثة يظل هو الهدف الاولي بالاهتمام إلي جانب تحقيق دولة العدالة.
وبعيدا عن محاولات البعض تفريغ المبادرة من مضمونها ورغبة البعض الآخر في جر الحوار في اتجاه أهدافهم فإن لا هذا مفيد ولا ذاك مقبول لكن المفيد الوحيد طالما ارتضينا جميعا آلية الحوار كأحد الأدوات الديمقراطية في إعلان رؤانا ووجهات نظرنا في قضايا الوطن الحالية ومستقبله الذي نأمل أن يكون أفضل.
طالما قررنا اللجوء إلي الحوار فإن الأولويات يجب أن تكون بقدر حجم مصر وشعبها ومستقبل الأجيال القادمة التي نخشي أن تحملنا نتائج احترافنا إهدار الفرص خلال العقود الأخيرة.
قد يعتقد البعض أن التفاؤل بشأن نتائج الحوار يتسم بقدر كبير من المبالغة.. لكني أري أن الحوار في حد ذاته أمر جيد وجيد جدا حتي وإن كانت نتيجته الوحيدة هو إعلان كل منا علي رؤيته لأزمات الوطن وكيفة الخروج منها.