يقول القديس بولس في رسالته إلي أهل تسالونيكي:ولما كنا عندكم أعطيناكم هذه الوصية مرارا, وهي أنه إذا كان أحد لا يريد أن يعمل فليس له أن يأكل(3:10).
لقد وهبنا الله هذه الحياة كرسالة يجب أن نؤديها علي أكمل وجه وبتفان.
إذا لا يمكن أن يعيش أي شخص في هذه الدنيا عالة علي الآخرين.
يحكي عن أرملة فوجئت بزيارة ضيف أنيق يطلب منها طعاما, فأجابته:أنا امرأة فقيرة ولا أملك شيئا في منزلي.
ولكنه توسل إليها بكل لطافة قائلا:معي حجارة صغيرة لعمل أفضل حساء في العالم, ولكن اسمحي لي أن أضعها في إناء كبير جدا به ماء ساخن, وسأقدم لك أفضل مرقة في حياتك, فانتابها الفضول ثم وضعت الإناء علي النار وذهبت مسرعة لتخبر الجيران بهذا الأمر الغريب, فأتوا مسرعين وشاهدوا الضيف أثناء وضعه الحجارة في الماء المغلي, ثم بدأ يتذوقها صارخا بأعلي صوته:آه ! ما أحلاها, ولكن ينقصها قطع من البطاطس, فقالت امرأة:أنا عندي الكثير منها, وعادت بعد لحظات حاملة معها كمية من البطاطس, ثم وضعها في الإناء الكبير, وبدأ يتذوقها مرة أخري فصاح:عظيمة, ولكن ينقصها قطع من اللحم حتي تصبح أشهي وألذ وجبة.
فاضطرت واحدة من الجيران أن تذهب إلي منزلها لإحضار قطع اللحم, ثم أخذها ووضعها في الإناء الموجود علي النار, ثم ذاق مرة أخري الحساء رافعا عينيه نحو السماء قائلا:آه, ما أحلاها, ولكن نحن بحاجة إلي بعض الخضروات فأسرعت واحدة أخري لتحمل سلة بها المطلوب, ووضعها في الحساء طالبا القليل من الملح والفلفل فأحضرتهما ربة المنزل, وفي نهاية الأمر طلب الأطباق وجلسوا معا ليأكلوا أشهي وجبة في حياتهم وكانت تغمرهم السعادة والإخوة, فانسحب هذا الرجل في هدوء تاركا لهم الحجارة العجيبة, من المحتمل أن يعتبرها البعض حكاية ساذجة بهدف التسلية فقط, ولكنها تعلمنا دروسا كثيرة في حياتنا اليومية, وأن لكل واحد منا دور هام يجب القيام به, كما أننا جميعا بحاجة إلي الآخرين مهما اختلفنا في الثقافة والدين واللون والجنس والعرق والوظيفة, إذا نحن نكتمل ببعضنا البعض بأبسط الأشياء التي نقدمها. لذلك يجب علي كل واحد منا أن يترك أثرا حسنا وبصمة مضيئة في هذه الحياة, كما يجب أن نميز بين الاتكال علي الله والتواكل, واضعين نصب أعيننا أن الله يعتني بطيور السماء ويهب كل واحد منها رزقه, ولكنه لا يضع له الرزق والطعام في عشه, بل يدفعه بالغريزة للبحث عنه.
ومما لا شك فيه أننا أفضل وأهم من هذه الطيور, إذا…هل يعقل أن الإنسان العاقل والشريف يعيش عالة علي غيره, منتظرا أن يوفر له كل شيء؟ عندما يبذل كل واحد مجهودا أو يقوم بتضحية في سبيل الآخرين, إنما يدل علي دوره السامي في الحياة, ولا ننكر أن الله يكافئنا علي كل عمل نؤديه بإخلاص وتفان كما أنه يبارك كل شخص أمين فيما يقوم به نحو الآخرين.
لذلك فالعمل ليس واجبا ثقيلا نؤديه مقابل أجر نحصل عليه نهاية الشر, ولكنه رسالة سامية من أجل خير الناس والمجتمع الذي نعيش فيه.
من ثم نستطيع أن ننثر بذور الأمل والتفاؤل والسعادة في النفوس التي استبد بها اليأس, سواء في محيط العمل أو الدراسة أو السكن وفي كل مكان تطأه أقدامنا.
كما يجب أن ننثر بذور التسامح والصفح في القلوب التي تعفنت بالأحقاذ والكراهية وعدم قبول الآخر, وأن نزرع بذور المحبة في النفوس التي تلدغها الغيرة والحسد,وأن ننثر بذور المسئولية والقيام بالواجب بدلا من التواكل وروح التذكر والشكوي لقد منحنا الله هذه الحياة لكي نثمر فيها وبها من أجل خير الآخرين, لم يطلب منا أن نزهد في الحياة وخيراتها لكن أن نحسن استعمالها واستثمارها بحيث تعود علي الجميع بالخير والمنفعة إذا لا يوجد مبرر للكسل مادام الله منحنا الصحة والعافية فالحياة الحقة التي تيلق بكل واحد منا, هي التي نزرع فيها الأعمال الجيدة التي تحمل كل ما هو نافع ولخير الجميع, كما يجب أن نضع أعيننا أن العمل أولا ثم الأمل بعد ذلك, لأن حياتنا مليئة بالكلام والوعود دون أفعال, فالكلام كأوراق الشجر الكثيرة تخفي ثمارا أقل, إذا هيا بنا نعمل.
ونختم بكلمات سفر الأمثال:لا تحب النوم لئلا تفتقر, افتح عينيك تشبع خبزا(20:13).