5ـ كان لابد أن يقوم, لأن موته كان مجرد وضع مؤقت, لأداء رسالة مزدوجة.
كان ممكنا أنه لا يموت بحسب طبيعته, ولأن الموت هو أجرة الخطية (رو 6: 23), وهو لم تكن له خطيئة تستحق الموت.. ولكنه قبل أن يموت عوضا عنا, لكي يفدينا بموته, كما قال الرسول متبررين مجانا بنعمته, بالفداء الذي يسوع المسيح, الذي قدمه الله كفارة الإيمان بدمه.. من أجل الصفح من الخطايا السالفة (رو 3: 24, 25).
كانت هذه هي الرسالة الأساسية للموت, أي الفداء.. وماذا أيضا…؟
وكان لابد بعد الفداء, أن يذهب ويبشر الراقدين علي الرجاء, ويفتح باب الفردوس, وينقل هؤلاء الراقدين من الجحيم إلي الفردوس.. وفي هذا يقول القديس بطرس الرسول:
فأن المسيح أيضا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا, البار من أجل الأثمة, لكي يقربنا إلي الله, مماتا في الجسد, ولكن محيي في الروح, الذي فيه أيضا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن (1 بط 3: 18, 19).. نعم كرز لتلك الأرواح بالخلاص, ونقلها الي الفردوس, كما نقل اللص اليمين.
ويقول القديس بولس الرسول: وأما أنه صعد, فما هو إلا أنه نزل أيضا أولا إلي أقسام الأرض السفلي, الذي نزل هو الذي صعد أيضا فوق جميع السموات (أف 4: 9, 10).
6ـ وكان لابد أن يقوم المسيح, لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.
حتي عندما مات.. نقول القسمة السريانية: انفصلت روحه عن جسده.. ولكن لاهوته لم ينفصل قط عن روحه ولا عن جسده.. روحه المتحدة باللاهوت نزلت إلي أقسام الأرض السفلي, وكرزت للأرواح التي في السجن, وأصعدتها إلي الفردوس.. أما جسده فبقي في القبر متحدا بلاهوته أيضا.. فهو قد مات بشريا من جهة انفصال الروح عن الجسد, ولكنه كان محيي في الروح.. كانت له الحياة الثابتة في اللاهوت, والتي من أجلها صرخ نيقوديموس وهو يكفنه قدوس الله.. قدوس القوي.. قدوس الحي الذي لا يموت..
نعم.. كان لابد أن يقوم هذا الجسد المتحد باللاهوت.. وما كان ممكنا أن يستمر في الموت.
إن الموت لم ينتصر عليه مطلقا وما كان ممكنا أن ينتصر عليه.. بل أنه بموته داس الموت, أي داس علي هذا الموت الذي انتصر علي كل البشر, فنجاهم السيد من هذا الموت بموته عنهم, ودفع ثمن خطاياهم.. وهكذا قضي علي سلطان الموت.
7ـ وهذا الذي قضي علي سلطان الموت بموته, كان لابد أن يقوم.
كان لابد أن يقوم ليعلن انتصاره علي الموت بقيامته, وليعلن للناس جميعا أنه لا شوكة للموت, حسب تسبحة بولس الرسول أين شوكتك يا موت؟.. أين غلبتك يا هاوية؟! (1 كو 15: 55).
8ـ وكان لابد للمسيح أن يقوم, لكي يعزي التلاميذ ويقويهم.
كان لابد أن يقوم, لكي يزيل النتائج المرعبة التي نتجت عن صلبه, حيث خاف التلاميذ واختفوا في العلية, وتشتت باقي المؤمنين به خائفين من اليهود وبطشهم.. وأنكر من أنكر, وشك من شك.. وكان لابد أن يقوم المسيح لكي يقوم بعملية ترميم لإيمان الناس, ويشجعهم لكي يستمروا في إيمانهم, ويصمدوا أمام اضطهادات اليهود.. وهكذا كانت قيامته أكبر دافع لهم علي الكرازة.
9ـ وكان لابد له أن يقوم, ليثبت أنه ليس إنسانا عاديا يموت كباقي الناس.
جميع الناس يموتون, ويستمرون هكذا منتظرين القيامة العامة, لكي يقوموا.. أما السيد المسيح فكان لابد أن يقوم مباشرة, وإلا حسبوه إنسانا عاديا.. أن قيامته قد أثبتت لاهوته, وبخاصة أنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد.
10ـ وكان لابد أن يقوم المسيح, ليكون الباكورة التي علي شبهها يقوم الكل.
وهكذا قال القديس بولس الآن قد قام المسيح من الأموات, وصار باكورة الراقدين… لأنه كما في آدم يموت الجميع, هكذا في المسيح أيضا سيحيا الجميع.. المسيح باكورة, ثم الذين في المسيح في مجيئه (1كو 15: 20 ـ 23).
ويتكلم عن أهمية قيامة المسيح, فيقول: أن لم يكن المسيح قد قام, فباطل إيمانكم.. وأنتم بعد في خطاياكم.. إذن الذين رقدوا في المسيح أيضا قد هلكوا.. ويستطرد إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح, فإننا أشقي جميع الناس (1 كو 15: 17 ـ 19).
11ـ نعم.. كان لابد أن يقوم المسيح, لكي يؤسس المسيحية.
لكي يمكث مع التلاميذ أربعين يوما يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (أ ع 1: 3), ويضع لهم قواعد الإيمان.. ويسلمهم الأسرار والطقوس, وينفخ في وجوههم قائلا: اقبلوا الروح القدس.. من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم, ومن أمسكتموها عليهم أمسكت (يو 20: 22, 23).. ثم يعدهم بحلول الروح القدس عليهم لكي ينالوا قوة, ويكونوا له شهودا في أورشليم وكل اليهودية وإلي أقصي الأرض (أ ع 1: 8).. ثم بعد ذلك يعهد اليهم بالكرازة قائلا: أذهبوا إلي العالم أجمع, وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.. من آمن وأعتمد خلص (مر 16: 15, 16).. اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم, وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به.. وها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (متي 28: 20,19 ).