بعض الرجال في هذا الزمان يفضلون الراحة عن العمل, فليست القصة التي بين أيادينا هي الوحيدة من هذا النوع, ولكنها للأسف محنة متكررة في البيوت المصرية, تلاقت تلك المحنة مع حظ مريم العثر.. إنها امرأة تبلغ من العمر 35 سنة, تعول خمسة أبناء كانت متزوجة من رجل يعمل سائق تاكسي بالشراكة مع شقيقه, لكنه تعرض للنصب والبلطجة من الأخ الأكبر الذي استحوذ علي إيراد التاكسي, بل والتاكسي ذاته ولم يعد للرجل مورد رزق, وبدلا من أن يبحث عن عمل, أو يخرج ليعمل سائقا بالأجرة لصالح أي صاحب سيارة, فضل البقاء في المنزل.
خرجت مريم للخدمة في المنازل لدي البعض تعمل طباخة, ولدي البعض الآخر غاسلة سجاد, وفي موضع آخر تمسح سلالم العمارات لتجني عشرة جنيهات عن كل دور.
كان لديهم ثلاثة أطفال أي خمسة بطون إذا أضفنا إليهم مريم وزوجها وصارت مريم الوحيدة التي عليها إطعام الجميع, والإنفاق علي مصاريف المدرسة والبيت, لم يكن لديها حيلة للخروج من الدوامة, تعم إنهادوامة النطاعة حينما يستنطع الزوج علي زوجته, فيظل راقدا في المنزل بلا عمل ولا مبرر يقعده عن العمل, فقط هي النطاعة التي تقوده لمزيد من الاستنطاع علي جهد الزوجة, جاءتني مريم باكية ولكم تعودت منهن البكاء المريح, الذي لايحمل في أعقابه حلولا لكنه يحمل فضفضة تحفف الأثقال الجاثمة فوق الصدور قالت مريم:
تعبت من اللف علي القهاوي والمطاعم أسأل له عن شغل, كنت أروح أقف عند بتوع الشوايات إللي بيعملوا الكفتة وأسألهم مش عايزين حد يقف معاكم, ولما أرجع أبلغه أنه ممكن يروح عند أي محل يقف يلقط رزقه كان يرفض ويضربني.
تعبت والديون اتراكمت علي دماغي بقيت أنا كل حاجة في البيت, أنا الأب والأم, العائل والمسئول لكن برضه بانضرب وهو قاعد في البيت حتي العيال مش عايز ياخد باله منهم, ما كانش ينفع استمر بالوضع ده, ماقدرتش أكمل المشوار مع العيال.
رفعت عليه قضية خلع وتم التطليق وبعد فترة ربنا رزقني براجل ابن حلال, اتجوزته وخلفت منه ولدين, وكان بيصرف علينا كلنا لغاية لما فجأة وقع من طوله, نقلناه المستشفي وهناك قالوا لنا عنده انسداد في الشرايين وركب تلات دعامات,وكان برضة شغال سواق.
لما زادت الأزمات عليه بطل شغل وقعد في البيت فترة طويلة, ولما اتحسن طلبت منه ينزل الشغل تاني, لقيته بيقول لي إنه حب القعدة في البيت!!.
اتصدمت صدمة عمري وافتكرت كل إللي حصل لي قبل كده ولقيت نفسي رجعت للمربع صفر من جديد, وبدل ما كنت باصرف علي خمسة بقيت باصرف علي سبعة, وباعيد الحكاية من الأول, طيب أروح فين بيهم وأجيب منين صحة لخدمتهم والشغل والصرف عليهم.
حد يقول لي أنا غلطت علشان أتجوزت تاني, غلطت علشان كنت بادور علي راجل يحميني ويشيل عني أنا ماجرمتش يا ناس أنا عايزة بس أكل عيالي وأوديهم مدارس.
بادفع مية ونور 250ج, وإيجار 750ج في الشهر,أمي بتساعدني بشوية أكل كل أسبوع, وإخواتي كلهم في ظروف صعبة جدا,إللي مش بيساعد لأنه محتاج يتساعد هم مش وحشين بس كل واحد علي أد حاله.
أنهت مريم كلامها وهي في حيرة هل أجرمت لأنها قررت أن تبدأ من جديد هل ظلمت أطفالها؟ فأنجبت آخرين لنفس الظلم؟ ولمريم أقول: لم تفعلي جرما لكن التجربة تؤكد أننا أمام ظاهرة كارثية لا تخصك ولكنها تخص سوق العمل وتحول بعض الرجال عن العمل الشاق لفكرة السبوبة القصيرة.
فمنذ سنوات تؤكد الأرقام حول نسبة المرأة المعيلة في مصر, والمرأة المعيلة لنفسها أو لأسرتها, هي التي تتولي رعاية شئونها وشئون أسرتها ماديا دون الاستناد إلي وجودأب-أخ-زوج فهي إما أن تكون أرملة أو مطلقة أو مهجورة وقد تكون المرأة المعيلة لنفسها متزوجة والزوج إما مريض أو عاجز عن العمل لذا, فهي التي تتولي إعالة أسرتها والبحث عن مصدر للرزق.
وتنتشر صورة الأسرة الأحاديةالتي يعيلها طرف واحد إلي حد كبير في المجتمع المصري, حيث قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2018, عدد الأسر التي تعيلها سيدات حوالي3.3 مليون أسرة وكان معظم معيلات الأسر من الأرامل بنسبة 70.3% من إجمالي الإناث علي مستوي الجمهورية, يليها المتزوجات بنسبة 16.6% ثم المطلقات 7.1%, وهو ما يعني أن لدينا نسبة تقترب من خمس الرقم المذكور لنساء متزوجات تعلن رجالهن أيخمس ال3.3 مليون طبقا للإرقام الرسمية أي ما يزيد عن ستمائة ألف أسرة, وهكذا فإن مريم ليست الوحيدة في دوامة الرجال الذين يفضلون الراحة عن المسئولية, لكنها واحدة ضمن دوامة مليئة بمثيلاتها.