حقيقة القيامة
لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة, قال لهم رؤساء الكهنة أما أوصيناكم وصية ألا تعلموا بهذا الاسم. وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم, وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان (أع 5: 28).
أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عموما, لذلك كانت قيامة المسيح برهانا عمليا خطيرا علي مسار عقائدهم وتعليمهم.
ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم, وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة.
وهكذا يقول الكتاب فقام رئيس الكهنة, وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين, وامتلأوا غيرة فألقوا أيديهم علي الرسل, ووضعوهم في حبس العامة… (أ ع 5: 17ـ 18).
ولكن قوة القيامة, كانت أقوي من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم.
كانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود. لأنها كانت تدل علي بره فلو كان مدانا, ما كان ممكنا له أن يقوم. وكما كانت القيامة دليلا علي بره, كانت في نفس الوقت دليلا علي ظلم هؤلاء الرؤساء, وعلي تلفيقهم للتهم ضده, هؤلاء الذين كانوا قد فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه.
إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له, كان يرعبهم…
والرسل القديسون لم يكفوا مطلقا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج إله آيائنا مجد فتاه يسوع, الذي أسلمتموه أنتم, وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم باطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار, وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه, الذي أقامه الله من الأموات, ونحن شهود علي ذلك… (أع 3: 13 ـ 15).
نتائج القيامة
إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود, كما أنها تخيف الخطاة جميعا…
لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها, بل أن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتي في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة. وفي هذا يقول الكتاب هوذا يأتي مع السحاب, وستنظره كل عين والذين طعنوه, وينوح عليه جميع قبائل الأرض (رؤ 1: 7).
وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح, لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم. وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ….
أما التلاميذ فقد فرحوا إذ رأوا الرب (يو 20: 20) واستمر معهم الفرح كمنهج حياة..
لقد فرحوا بقيامة الرب, وفرحوا بظهوره لهم. وفرحوا بصدق كل مواعيده, وفرحوا بالقيامة بوجه عام, وبالانتصار علي الموت. وفرحوا لأن اليهود ما عادوا يشمتون بهم كذلك بالقوة التي نالوها, وبالرسالة التي عهد الرب بها إليهم بعد القيامة وفرحوا بانتشار الكرازة. بل فرحوا حتي بالضيقات التي لاقوها في شهادتهم للرب, وقال عنهم الكتاب أما هم فخرجوا فرحين, لأنه حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسمه (أع 5 : 41).
وبالقيامة أصبح الصليب إكليلا ومجدا, وليس ألما…
ما عاد التلاميذ يتضايقون من الاضطهادات. وهكذا يقول بولس الرسول لأنك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (2 كو 12: 10) ويقول ايضا كحزاني ونحن دائما مرحون (2 كو 6: 10).
إن فرح القيامة, وما بعد القيامة, صار عزاء في كل ضيقة. لأن أفراح القيامة تنسي بلا شك آلام الجلجثة. استطاعت القيامة أن تمنح التلاميذ ثقة وإيمانا وقوة.
لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه, وثقوا أيضا بتحقيق كل الوعود الأخري التي قال لهم مثل أنا ماضي لأعد لكم مكانا.
وإن مضيت وأعددت لكم مكانا, آتي أيضا وأخذكم إلي, حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا (يو 14: 2 ـ 3).
ووثقوا أيضا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو 16: 7), وأنهم سينالون قوة متي حل الروح القدس عليهم (أع 1: 8). ووثقوا بوعده ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (متي 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيمانا وفرحا.
وفرح التلاميذ كذلك بالجسد الروحاني الذي للقيامة, حينما يقيم المسيح أجسادهم أيضا كما قام.. هذا التجلي الذي سيكون للطبيعة البشرية في القيامة من الموت. وقد تحدث القديس بولس الرسول بإسهاب في هذه النقطة فقال هكذا أيضا قيامة الأموات: يزرع في فساد, ويقام في عدم فساد. يزرع جسما حيوانيا, ويقام جسما روحانيا (اكو 15: 42 ـ 44). وقال أيضا عن الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا, ليكون علي صورة جسد مجده (في 3: 21).
وفي فرح القيامة فرحوا أيضا بالملكوت الذي يكون بعدها, وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه.
عرفوا أن القيامة لها ما بعدها واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله ما لم تره عين, ولم تستمع به أذن, ولم يخطر علي بال انسان, ما أعده الله للذين يحبونه (اكو 2: 9). وتحدث هذا الرسول أيضا عن الإكليل المعد فقال:
وأخيرا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط, بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا (2 تي 4: 8).
كما أن الرب في سفر الرؤيا, شرح أمجادا أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة.
فتحدث عن شجرة الحياة, وإكليل الحياة, والمن المخفي, والاسم الجديد, والسلطان, وكوكب الصبح, والثياب البيض… (رؤ 2 ـ 3).
بل ما أجمل قوله من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي, كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه (رؤ 3 : 21).
أننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجادها القيامة, هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت.
فقال بولس الرسول لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدا (في 1: 23). وقال الرسول أيضا ونكون كل حين مع الرب.
وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة, النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلي كل هذا. وكل هذا ننتظره نحن في رجاء, فرحين بالرب وبمواعيده.. كونوا جميعكم في هذا الفرح. وكل عام وأنتم بخير.
إخريستوس آنستي. آليثوس آنستي