ذهبت استير ذات الثلاثة عشر ربيعا بصحبة, إبنة عمها نانسي التي تبلغ من العمر مثلها تماما, ونجلة عمهما الآخر مارينا في نفس العمر, ذهبن سويا إلي ترعة الفاروقية, المواجهة إلي منزلهن, أمام المنزل اعتدن الغسيل في الترعة, لكن هذه المرة لم تكن مثل أي مرة, نزلت الفتيات ومعهن قريبة, رابعة لم يتم ذكر اسمها بعد في الأخبار الرائجة عن الحادث, وبمجرد نزولهن, وطبقا للتحقيقات الأولية سقطت الأولي في الترعة, فحاولت الثانية والثالثة والرابعة إنقاذها, إلا أنهن غرقن سويا, لقين مصرعهن غرقا في الحال, وتم انتشال جثث الفتيات الثلاث اللواتي وردت اسمائهن, ولم يتم انتشال الرابعة حتي تاريخ كتابة هذه السطور, وصار بطن ترعة الفاروقية مقبرة لبنات نجع الدير.
ومنذ أيام غرق شاب من متحدي الإعاقة بالبدرشين, وقبلها بأيام في إيتاي البارود في البحيرة, انقلب تروسيلك في ترعة ساحل مرقص علي طريق السوالم في نطاق المركز, وتم انتشال 8 جثامين و4 مصابين في الحادث, هذه العينة من الأخبار المتعلقة بالكوارث الإنسانية, خلال أسبوع, تجسد حجم المأساة في مختلف المحافظات, وماذا بعد ضياع الأرواح في ترع الموت؟ إلي متي سيظل الوضع علي ماهو عليه, فليتصفح المسئولين الخبار ليتابعوا رقميا عدد الشباب والأطفال والصغار الذين تحصدهم ترع الموت شهريا, علي مدار السنوات الفائتة, فقد كتبنا في ذات المساحة في يوليو من العام الماضي تحت عنوان ترع الموت الأسمنت مقابل الأرواح, وتعرضنا للمشروع العملاق الذي تنفذه الحكومة حول تبطين الترع, بالأسمنت, وحينها وعد رئيس الوزراء بتسوير الترع. لكن لم يحدث.
لماذا تغيب الأسوار حول الترع بالرغم من تكارار الحوادث؟ لماذا لا توضع لافتات إرشادية؟لماذا لم يبدأ الدكتور مصطفي مدبولي في الوفاء بوعده الذي قطعه لأهالي مركز الباجور في المنوفية منط عامين بإقامة أسوار من السلك الشائك حول كافة الترع؟ أسئلة لم تجد اجابات منذ عام مضي. أسئلة لن تعيد الفتيات اللواتي غيبهن الموت, فانفطرت قلوب أمهاتهن, وتحول نجع الدير إلي ساحة كبري للعويل ولطم الخدود. لكن طرح تلك الأسئلة مرارا ربما بمنع ذات المصير الأسود عن آخرين. هذا إذا قرر أحد أن يسمع لنا.
ولأن في الإعادة إفادة فإننا نكرر للمرة الثانية, أنه من المعروف أن الترع هي مجموعة القنوات المائية تشق الأرض الزراعية لنقل المياه من النهر إلي الحقول, والترع الكبيرة من حيث الحجم وكمية المياه تأخذ المياه من النهر بشكل مباشر بواسطة منافذ توجد أمام القناطر ثم تغذي الترع الأصغر بها, أي أن هذه القنوات مصنفة من حيث العمق, أماكن خطيرة, ولضمان الحفاظ علي مياهها, اهتمت الحكومة بما يطلق عليه مشروع لبتطين الترع, أي عمل تكسبه في قاع الترع والجوانب الداخلية المائلة باتجاه القاع, باستخدام الدبش والخرسانة العادية.
أما حماية الأرواح تخبرنا الأحداث إنها غير ذات أهمية, غير موجودة في حسبان الحكومة فلو كانت مهمة لقامت الحكومة بتشييد الأسوار حول الترع والمصارف, ووضعت لافتات إرشادية, وأطلقت حملات التوعية للفلاحين وابنائهم في القري والنجوع لعدم ارتياد الترع,لجرمت نزول الترع, لا أعلم إلي متي سيظل الإنسان هو الطرف الأرخص في معادلة التنمية التي يأتي فيه الأسمنت قبل الأرواح؟