يوصي السيد المسيح تلاميذه قائلا:سمعتم أنه قيل:أحبب قريبك وابغض عدوك أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم وصلوا من أجل الذين يضطهدونكم(متي5:43-44).
يدعي الإنسان بأنه وصل إلي قمة التكنولوجيا والحضارة وزمن الاختراعات, ولكن في ظل هذه كلها, تجرد من معان كثيرة, وأولها الحب والحياة, حتي صار العالم بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية.
تحضرني قصة من روائع الأدب العالمي للكاتب البرازيلي الشهير باولو كوبلو يروي فيها هكذا: كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة في هدوء وسكينة, ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته, وعندما تعب الأب من شقاوة الطفل, قام بقطع ورقة من الصحيفة كانت تحتوي علي خريطة للعالم, ثم مزقها إلي قطع صغيرة وقدمها لابنه طالبا منه إعادة تجميع الخريطة, وعاد لقراءه الجريدة, معتقدا أن الطفل سيبقي منشغلا طوال اليوم, إلا أنه لم تمر خمسة عشر دقيقة حتي عاد الابن إليه, بعد أن قام بترتيب الخريطة كاملة.
فتساءل الأب مذهولا:هل كانت والدتك تعلمك الجغرافيا؟ أجاب الطفل قائلا:لا, ولكن كانت هناك صورة لإنسان علي الوجه الآخر من الصفحة, وعندما أعدت بناء الإنسان, استطعت إعادة بناء العالم.
إنه واجب علي كل واحد منا, أن يعيد بناء الإنسان كما خلقه الله علي صورته ومثاله في المحبة والسلام والنقاء والقداسة.
لقد وهبنا الله العقل لاختراع سلاح الخير والبناء, لكن الشعوب تندفع للقتال والحروب فيما بينها دون سابق معرفة أو لقاء, كما أنها تنساق خلف الطاعة العمياء التي تدفعها لذلك.
لقد استغل الإنسان ذكاءه ليتفنن في اختراع الأسلحة والمعدات المدمرة ليستطيع بها القضاء علي الآخر, مما لا شك فيه, أنه لا سبيل إلي قتل العداوة الكامنة بداخل الإنسان إلا بالحب, فالبعض لا يولد سوي الكراهية والحقد والانتقام, التي تدفع الإنسان للتخلص من الغير, وعندما تتملكنا هذه الرذائل, تصير كالسرطان الذي ينهش فينا, وينزع من داخلنا كل العواطف الإنسانية, وتشوش شخصيتنا, وتشوه كل ما نقوم به من أعمال وسلوك لأنها تطبعها بختم الكراهية ورفض الآخر.
لذلك يجب علينا أن نتخلص من الظلام الذي يحاصرنا ويعمي قلوبنا, ونكتسب قبسا من نور الشمس وشعلة الحب التي تساعدنا علي احتواء الجميع, وعدم الضرر بهم.
إن الحب هو أصل الإنسان كما خلقه الله, ومن يحب يتسلح بقوة الحق والشجاعة فيما يقول ويفعل, لأن المحبة تمتلك قوة خارقة للطبيعة, يستطيع بها الإنسان أن يغير كل شيء للأفضل والأجمل والأنفع.
بحيث ألا تكون محبتنا مشروطة أو مقيدة بمصالح شخصية أو تكون زمنية ومتقلبة حسب أهوائنا.
كم من المرات التي نحدد فيها الذين يستحقون محبتنا وأولئك المستبعدين؟ كم من الأشخاص الذين ندرج أسماءهم في قائمة أصحاب النصيب للاهتمام بهم, مع رفض الباقين؟ لكن المحبة الحقيقية تدعونا ألا نستبعد أحدا, لأن القريب بالنسبة لنا هو كل شخص نتقابل معه كل يوم وفي كل مكان, وفي هذه اللحظة ستصبح الأرض كلها فردوسا نتنعم به, وستكتسب الحياة طعما مختلفا وجديدا ومذاقا عذبا.
فالمحبة هي تاج جميع الفضائل والله نبع المحبة يحبنا جميعا مهما كانت أخطاؤنا وضعفاتنا عدم استحقاتنا, لكن الإنسان يضع حدودا لمحبته, كما أنه من الممكن أن يتراجع عن محبة أشخاص كان يحبهم في الماضي أكثر من غيرهم.
كم من محبة نقصت وتذبذبت وتلاشت بين الأزواج ومن المحتمل لأتفه الأسباب؟ بينما المحبة الحقة سحر يسيطر علي عقل الإنسان وكيانه من أجل شخص آخر, إنها لحن عذب نستمع له حتي ننسي كل همومنا وتهدأ نفوسنا ونحيا في سلام وطمأنينة.
وبدون المحبة يصير كل ما نفعله ونقوم به مملا ومزعجا, حتي أن الأعمال البسيطة التي لا تكلفنا جهدا أو وقتا أو مالا, نراها شاقة ومميتة.
وبدون حب تصبح الأسرة والأصدقاء والعمل والدراسة, عبئا ثقيلا لا يحتمل, وواجبا مفروضا علينا يطاردنا نهارا وليلا.
ولكن بالحب يتحول كل شيء إلي سعادة وعذوبة وجمال.
اعتاد كل واحد منا أن يقول:أنا أشعر بأنني أحب ذلك الشخص ولكن في الواقع يحب أن يشعر الآخر بمحبتنا له, دون أن نصرح بذلك وهذا ما يفعله الآباء والأمهات الذين يحبون أبناءهم دون الكلام أو الإعلان بذلك فهم يثبتون ذلك من خلال التضحية والتفاني في عملهم من أجل الأبناء.
ونختم بكلمات الشاعر أحمد رامي:الحب كشجرة ورد, كلما ذبلت زهرة انبثق برعم.