منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، ازداد التضخم بشكل كبير على مستوى العالم، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات. ومن ذلك الحين باتت المخاوف والتوقعات التي تدور في ذهن كل مواطن مصري ومخاوف من موجة غلاء جديدة قد تطرأ على الأسواق إلى أن جاءت المفاجئة غير المتوقعة، وهي رفع البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة على الدولار، وهذا لكبح جماح التضخم العالمي الذي بدأ في الوصول إلى معدلات خطيرة.
ومن هذا المنطلق سيكون هناك قرارات مؤثرة بشكل كبير في حركة السوق المصرية خلال الفترة المقبلة التي ربما قد تشهد هبوطا أو اضطرابا.
قال الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، إن رفع سعر الفائدة هو أحد السياسات النقدية التي تطبقها الدول من أجل تشجيع الحائزين على النقود على الادخار وايداعها فى البنوك فينخفض حجم النقود في السوق ليقل الطلب على السلع والخدمات، مما يؤدي إلى الحد من التضخم في الأسعار، وهذه السياسة تتخذها حاليًا الولايات المتحدة الأمريكية من أجل امتصاص تريليونات الدولارات التي سبق أن ضختها في السوق الأمريكي من خلال حزم المساندة للفئات المتضررة من تداعيات كورونا.
خروج الاستثمارات
يوضح الدكتور وليد، أن رفع سعر الفائدة في أمريكا هو بمثابة حافز لخروج استثمارات الأجانب في الديون الحكومية وفي أسواق المال في الكثير من دول العالم سيحاول دول الاقتصادات الناشئة، ومنها مصر والتي يمكن أن تتأثر بالسلب من خروج نسبة من استثمارات الأجانب في الدين الحكومي واستثماراتهم في سوق المال المصري تأثرًا برفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة ولكن مصر اتخذت إجراءات استباقية لذلك الأمر ، حيث كان من الأمور المتوقعة فقامت بتصحيح لسعر الصرف، مما يجعل خروج الأجانب من مصر في هذه المرحلة أكثر كلفة، فضلًا عن أنها قامت بالفعل برفع سعر الفائدة في الاجتماع الماضي للجنة السياسات النقدية وهي في مراجعة دائمة لسعر الفائدة للحفاظ على أن تكون مصر سوق جاذبة لاستثمارات الاجانب في الديون الحكومية ولكن لا يمكن تحديد التاثير على مصر على وجه الثقة ، حيث أن الأمر يتعلق تحديدًا بالفجوة التمويلية التي تحتاجها مصر في هذا الأمر من خلال حسابات دقيقة متعلقة بحجم الصادرات والواردات ،واستثمارات الأجانب في الدين الحكومي وهيكلها وإمكانية خروجها ، وغير ذلك من البيانات التي تحتاج إلى مراجعة دقيقة لتحديد التأثير على وجه الدقة والمؤكد أن الجهات المختصة قامت بالفعل وهي تتخذ حاليا العديد من السياسات النقدية والمالية والاقتصادية بصفة عامة للتعامل مع هذه الفجوة التمويلية من خلال خطة قصير الأجل ومتوسطة الأجل لامتصاص التداعيات السلبية على مصر.
تعويض أصحاب المدخرات
أوضح الدكتور إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن رفع سعر الفائدة من مزاياه تعويض أصحاب المدخرات ومحاربة ارتفاع معدلات التضخم، لافتًا أيضا إلى أن بعض العوامل السلبية التي تتمثل في زيادة تكلفة الاقتراض والاستثمار وارتفاع أسعار السلع إلى جانب تقليل حجم الاستثمارات التي تعتمد على حصول القروض من البنوك ، بالإضافة إلى ارتفاع مديونية الحكومة بالفائدة الجديدة، مما تعمل على زيادة عجز الموازنة العامة، متوقعًا تراجع الاستثمارات الخارجية فالأموال الساخنة سوف يقل تدفقها إلى مصر وتتجه نحو أسواق الولايات المتحدة.
تسوية المدفوعات
قال الدكتور محمود حسين مدير بنك الاستثمار العربي سابقًا، إن تداعيات رفع الفائدة لا تنحصر في الاقتصاد الأمريكي وحده، بل تمتد إلى كافة دول العالم، نظرًا لأن الدولار الأمريكي كعملة دولية يرتبط بها الكثير من الدول في تسوية مدفوعاتها ، متوقعا زيادة الطلب على الدولار الأمريكي من المستثمرين والمتعاملين وبالتالي من المنتظر ارتفاع سعره في الأسواق العالمية.
ويتوقع الدكتور محمود، اتجاه المستثمرين إلى شراء الدولار الأمريكى كمخزن للقيمة وبالتالي ارتفاع سعره مقابل الجنيه المصري ، وقد تتجه السلطات النقدية في مصر إلى مواجهة هذه الاحتمالات إلى رفع الفائدة على الجنيه المصري لزيادة جاذبية للاستثمار أمام الدولار الأمريكي، وإذا حدث ذلك سوف يتجه التضخم إلى التزايد في الاقتصاد المصري وتصل هذه الزيادة ليس في الواردات فقط وإنما تنتقل إلى كافة السلع والخدمات ويدخل الاقتصاد المصري في لولب تضخمى مرة أخرى.
ومن الآثار المتوقع حدوثها إذا ما تم رفع سعر الفائدة على الجنيه المصري، أن تزداد تكلفة الاقتراض والإنتاج وهذا يغذى الموجات التضخمية من جديد وتنخفض القدرة التنافسية للصادرات المصرية في السوق العالمي ، وأيضاً تنخفض القدرة التنافسية لبدائل الواردات في السوق المصري، وقد تسرى هذه الآثار إلى البورصة المصرية فيزداد العائد المطلوب تحقيقه على الاستثمار، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم.
الاقتصاد الريعي
قال أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية، إن الاقتصاد المصري نتيجة التحول من الاقتصاد النقدي لاقتصاد حقيقي على أرض الواقع مرتبط بتنفيذ مشروعات كبيرة تدر عائدًا قويًا وفعليا فهذا سيجنبه الصدمة التي قد تضرب عدد من الاقتصادات في المنطقة، موضحًا أن هناك اقتصادات اعتمدت بشكل كبير خلال عقود على نظام الاقتصاد الريعي وهذه أكثر الاقتصادات تأثرا بالأزمات العالمية، مضيفًا أن السياسات النقدية التي اتخذت في مصر عززت من كفاءة الاقتصاد في بناء اقتصاد حقيقي لإنتاج سلع وخدمات وهذا يؤدي لزيادة الناتج المحلي الإجمالي ما يقلل من الآثار الاقتصادية التي يفرضها الواقع العالمي، مؤكدًا أن تأثير قرار الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة سيكون محدود علينا في ظل الخطوات الاستباقية التي اتخذها البنك المركزي منها شراء 44.4 طن من الذهب ليصبح أكبر مشتري للذهب بين البنوك المركزية العالمية في الربع الأول من العام الجاري ليرتفع بذلك حجم الذهب لدى المركزي لـ 125.3 طن.
زيادة عوائد صادرات الغاز
ولفت “غراب”، إلى أن إصدار شهادات الـ 18% من بنكي مصر والأهلي ورفع الفائدة ساهمت في تقليل تداعيات وأثار قرار الفيدرالي الأمريكي مسبقًا، موضحًا أن البنك المركزي سيحدد نسبة الفائدة المتوقع رفعها بالضبط بعد إعلان معدلات التضخم لشهر أبريل خلال أيام، موضحًا أن رفع أسعار الفائدة غرضه الحفاظ على استمرار تدفق الأموال الساخنة وهي الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المصرية والتي شهدت تراجعًا خلال الفترة الماضية متجهة ناحية أمريكا بعد رفع الفائدة في بنوكها، مؤكدًا أن استثمارات الأجانب في أذون الخزانة ضرورية جدًا للاقتصاد المصري في الحفاظ على توافر العملة الصعبة ودعم الجنيه.
وتابع “غراب”، أن التوقع برفع أسعار الفائدة لاستباق الارتفاع المتوقع في معدلات التضخم وبالتالي يحد من زيادته، إضافة لتخفيف الضغط على العملة الأجنبية، مؤكدًا أن هناك فائدة تعود على مصر من رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة على الدولار وهي زيادة حصيلة عوائد صادرات الغاز الطبيعي المصري بالدولار الأمريكي، لكن من جهة أخرى فإن ارتفاع سعر الدولار يعني ارتفاع فاتورة الاستيراد.
قال الدكتور عبدالمنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن قرار الاتحاد الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة على الدولار نصف بالمائة يعود لسببين ، وهما: السبب الأول الاقتصادي، ويُمثل ارتفاع معدل التضخم في الولاية وتوقف سلاسل الإمدادات الخاصة بمواد الخام القادمة من روسيا فضلًا عن ارتفاع سعر الطاقة، مما أثر على الإنتاج حتى أصبحت تكلفة المنتج داخل أمريكا مرتفعة مع تزايد الطلب بأكثر من المعروض من السلع، مما أحدث التضخم حتى بلغ 8.5% نهاية إبريل الماضي للمرة الأولى منذ 1982.
شهادات ادخارية جديدة
وقالت رضوى السويفي، رئيسة قسم البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، إنها تتوقع أن يراقب البنك المركزي التطورات في الأسواق نتيجة للتحركات التي شهدتها الأسواق، بعد رفع أسعار الفائدة 1% وإصدار الشهادات الإدخارية الجديدة بعائد 18%، لتعويض المدخرين.
وأضافت أن التوقعات تشير إلى ارتفاع تدريجي وبشكل طفيف في معدلات التضخم على مدى الأشهر المقبلة، لتسجل أعلى مستوى في شهر أغسطس 2022، عند 12% على أساس سنوي، ثم بعد ذلك ستبدأ في الانحسار وتعود مرة أخرى إلى ما دون مستويات 9% بحلول فبراير 2023.
وعقب هذا القرار، أعلن البنك الأهلي المصري وبنك مصر، عن طرح شهادات ادخار جديدة بعائد نسبته 18%.