سوف نتكلم اليوم عن المقصود بكلمة الغنى فى الكتاب المقدس وكلمة الغنى تعني الاكتفاء والثراء، الذي يحمي الناس من البؤس والحاجة، وهو عكس الفقر .. يسعى الكثيرون نحو تحقيق الغنى بغرض العيش في رفاهية وسعادة، لكن الكتاب يؤكد أن الحياة والسعادة في الأرض وفي السماء لا تعتمد على الغنى المادي كقول الكتاب: “لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟” (مر8 : 36-37).
وتدور العديد من الأسئلة فى ذهن القارئ مثل .. لماذا يتخذ الكتاب المقدس موقفًا عدائيًا من المال؛ ويعتبره أصل كل الشرور، ويطالب المؤمنين بعدم إلقاء رجائهم على الغنى، ثم يعود ويقول أن الله يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع؟ فإن كان الغنى للتمتع فلماذا هذا التناقض؟ .. واعتاد موقع جريدة “وطنى” ان يبحث مع قراءة على ما يشغل أفكارهم، وتوجهنا إلى مسئولى الكنيسة لكي نخرج بمعلومات مؤكدة وصحيحة.
قال القس أنطونيوس سمير كاهن كنيسة العذراء والانبا باخوميوس كوبرى الناموس بالإسكندرية: المال هو ما يملكه الإنسان من ثروة سواء ممتلكات أو أموال، ويصف الناس من يمتلك الكثير من المال أو الثروة بالغني، ولكن هذا الوصف خاطئ، لأن الذي يلقي اتكاله على المال، وليس على الله هو فقير وشقي وبائس وعريان، كقول الكتاب: “لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ” (رؤ3: 17- 18).
ويجب أن ندرك أن الطمع هو شهوة الحصول على الأشياء برغبةٍ شديدةٍ وبنهمٍ دون اكتفاء. ولقد حرم الله الطمع بوصية إلهية قائلًا: “لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ” (خر20: 17) ، ووصف الكتاب جشع أمثال هؤلاء الطماعين بقوله: “مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْل. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ” (جا5: 10).
_ الاكتفاء بما كتبه الله
إن الغنى الحقيقي يهبه الله، لأنه هو وحده الغني، لأنه يهب الإنسان الحياة والعمر والصحة والرزق والسعادة والسلام وكل ما يكفيه.
وهو أيضًا الذي يحميه من شقاء وبؤس هذه الحياة.. إن الله قادر أيضًا أن يغني الإنسان أيضًا بالنعم الروحية التي تجعله في حالة اكتفاء روحي ونفسي يحقق له النجاح، وبالطبع الله لا يهمل، ولا يترك هؤلاء الشاكرين، كقوله: “لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ” (عب13: 5).
لذلك الاكتفاء هو قناعة ورضا الإنسان بما وهبه له الله من نعم وبركات، وهو عكس الطمع والجشع. إن الاكتفاء أمر يخص الحاضر والواقع، وهو لا يتعارض مع الجد والنشاط والتطلع لما هو أفضل .. هو فضيلة هامة وهو أساس النفسية السليمة، التي تهيئ الإنسان ليكون ناجحا في عمله، و نافعا في مجتمعه كقول الكتاب: “وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ” (2كو9: 8).
كما سمىّ الكتاب المقدس الغنى المادي؛ بالغنى غير اليقيني أي غير الحقيقي .. وينصح الكتاب بعدم الاتكال على الغنى المادي، لأنه كالسراب الذي يزول سريعا، قائلًا: “أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى..” (1تي6: 17)
وقد أمر الرب يسوع المسيح ملاك كنيسة اللاودكيين باقتناء الغنى الحقيقي الثابت الذي في الله، وذلك بعدما أمره بعدم اكتناز المال الزائل كقول الكتاب: “لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ” (مت6: 19)
_ الغنى الحقيقي
يظل الإنسان في احتياج دائم مهما بلغ من الثراء، لأنه محاط بالضعف والنقص في أمور كثيرة تمس حياته.
أما الله فهو الوحيد الذي في غنى دائم، لأنه لا ينقصه أو يعوزه شيء.. إنه كلي القدرة، ويملك كل شيء بحسب قول الكتاب: “لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ” (رو11: 36).
وما دام الرب قادر على كل شيء، ويملك كل الأشياء فهو إذًا القادر أن يبارك، ويغني كل حي، كقوله: “بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا” (أم10: 22).
ويجب أن ندرك يا أحبائى أن لا يوجد مقياس ثابت للغنى المادي، لكن نفوس الأبرار وإن لم يمتلكوا المال قد تشعر بالغنى، لأنهم يلقون رجاءهم وثقتهم على الله. لقد أعلن معلمنا بولس الرسول هذه الحقيقة بقوله: “كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ” (2كو6: 10).
ومن جانبه قال القس فيلوثاؤس عياد كاهن كنيسة مارمينا والملاك سوريال: تعبير محبة المال هو تعبير إنجيلي، ورد لأول مرة في الكتاب المقدس في قوله عن الفريسيين: “وَكَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضًا يَسْمَعُونَ هذَا كُلَّهُ، وَهُمْ مُحِبُّونَ لِلْمَالِ، فَاسْتَهْزَأُوا بِهِ” (لو16: 14)
وورد أيضًا في قوله: “لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ” (1تي6: 10).
وكذلك الله هو القادر أن يشبع بالرضا كل نفس كقول الكتاب: “تَفْتَحُ يَدَكَ فَتُشْبعُ كُلَّ حَيٍّ رِضًى” (مز145: 16).. هو القادر أن يشبع كل احتياجات الإنسان الجسدية والنفسية والروحية في كل أحوال وظروف الحياة المتقلبة.
لقد عاش يوحنا المعمدان في البرية غير معوز مستغنيًا بالله الذي كان يهتم بكل احتياجاته منذ طفولته وحتى ظهوره لبني إسرائيل، وعال الله إيليا النبي العظيم فترة المجاعة عن طريق الغربان، التي كانت تأتيه بخبز ولحم صباحًا ومساء.
ولم تحرق نيران الآتون الثلاثة فتية القديسين، الذين صاروا يتمشون في وسط الآتون، وهم يسبحون الله في فرح وتهليل.. لذلك يجب ان نتسائل ماذا كان سيفيد المال هؤلاء القديسون في مثل هذه الشدائد.
إن رجال الله القديسين في اكتفاء واطمئنان على الدوام، لأنهم يشعرون أن نعمة الله هي كفايتهم وغناهم، كقول الكتاب: “وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ” (2كو9: 8).
_ متعة النفس غناها الذي من السماء
إن ما يمكن أن يحصل عليه الناس من متع جسدية حسية بواسطة المال من السهل أن يتحول إلى كدر ونكد تحت ظروف الحياة المتغيرة .. أما نعمة الله فهي تتحدى كل متاعب وأوجاع العالم.
إنها تهب الإنسان السعادة، وتمتعه بالفرح والسلام والراحة الحقيقة في كل الظروف .. لقد تمتع معلمنا بولس الرسول بالفرح والسلام وهو في سجن مدينة فيلبي، فأخذ يصلي ويسبح الله كقول الكتاب: “وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هذِهِ، أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ. وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا” (أع16: 24- 25).
أمر الوحي الإلهي كل نفس ألاَّ تلقي رجاءها على الغنى الكاذب، بل على الله الحي قائلًا: “بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ” (1تي6: 17).
_ الثروة هبة من الله وليس شر
المال ليس خطية في حد ذاته، لكنه هبة ومنحة إلهية .. لقد بارك الله في مجهودات الكثيرين من أحبائه، وأغناهم ببركته والذين نذكر منهم: (أب الآباء إبراهيم وأيوب الصديق ويعقوب وسليمان وغيرهم..).
إن الله هو مانح القدرة، التي يصنع بها الإنسان ثروته كقوله: “بَلِ اذْكُرِ الرَّبَّ إِلهَكَ، أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِيكَ قُوَّةً لاصْطِنَاعِ الثَّرْوَةِ، لِكَيْ يَفِيَ بِعَهْدِهِ الَّذِي أَقْسَمَ لآبَائِكَ كَمَا فِي هذَا الْيَوْمِ” (تث8: 18).
أعطى الله الإنسان المال على سبيل وزنات يجب توظيفها ووهب الله الإنسان عطايا كثيرة أو وزنات بتعبير الكتاب المقدس، بغرض توظيفها، واستخدامها لنفع الإنسان، ونفع من حوله.
لقد رفض الرب يسوع في مثل الوزنات ما فعله العبد، الذي دفن الوزنة في باطن الأرض بحجة الحفاظ عليها، قائلًا: “فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا” (مت25: 26- 27).
_ استعمال المال
الاستعمال الصحيح للمال هو نوع من الحكمة، التي لا غنى عنها .. إن الكتاب المقدس لا يمانع في الاحتفاظ بالفائض من دخل الإنسان بعض الوقت لحين يأتي الوقت المناسب لتوظيفه في أمر ينفعه هو وبيته، أو ينفع أهله ومجتمعه.
وقد أكد الرب ضرورة ذلك عندما أمر تلاميذه بعد ما أكلوا وشبعوا قائلًا لهم: “فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ” (يو6: 12)
إن الله يهب الإنسان المال والرزق، لكي يستعمله بحكمة دون إسراف أو تقتير كقوله: “يُوجَدُ مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أَيْضًا، وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللاَّئِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْرِ” (أم11: 24)
ولكن الوحي الإلهي يمنع اكتناز المال بغرض الغنى، وتأمين الحياة كقوله: “لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ” (مت6: 19).
_ محبة المال أصل كل الشرور
وفى سياق آخر يرى القمص فيلوباتير زكى كاهن كنيسة العذراء بالمرج: عندما يكرس الناس كل جهودهم ووقتهم لجمع المزيد من الأموال؛ فلا يجد الناس وقت كاف للاهتمام بأمور حياتهم الروحية، أو الاهتمام بحياتهم العائلية، أو أي اهتمامات ضرورية أخرى حينئذ يصبح المال معبودًا (إله)، كقول الكتاب: “لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ” (مت6: 24).
_ الاتكال على المال بدلًا من الاتكال على الله
يتكل الأثرياء غير المؤمنين على ثرواتهم بدلًا من الاتكال على الله الحي، ويظنون أن كثرة أموالهم تضمن لهم الحياة، ولكن الرب أظهر خطأ هذا الاعتقاد بقوله: “انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ” (لو12: 15) .. لقدر حذر الرب من خطورة الاتكال على الأموال قائلًا: “… يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ” (مر10 : 24-25).
_ المستعجل الغنى يتورط في الشرور
شهوة الحصول على المال (محبة المال) تدفع بصاحبها إن كان فقيرًا للاستعجال للحصول على الثروات، وإن كان غنيًا فيدفعه الطمع للحصول على المزيد والمزيد، وهكذا يزداد طمع الإنسان، وتهوره، ويتعدى وصايا الله، كقول الكتاب: “اَلرَّجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لاَ يُبْرَأُ.. ذُو الْعَيْنِ الشِّرِّيرَةِ يَعْجَلُ إِلَى الْغِنَى، وَلاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْفَقْرَ يَأْتِيهِ” (أم28: 20- 22).
_ ارتفاع القلب والكبرياء
إن الغنى قد يجر صاحبه؛ فيرفع نفسه على إخوته من الناس، وقد يتجاسر فيرفع قلبه، ويتكبر على الله هيرودس الملك، الذي ضربه ملاك الرب؛ فدود، ومات.
لقد حذر الكتاب المقدس من زادت ثروته وأمواله من خطر نسيان الله، وارتفاع قلبه، بقوله لشعب إسرائيل قبل دخولهم أرض كنعان: “لِئَلاَّ إِذَا أَكَلْتَ وَشَبِعْتَ وَبَنَيْتَ بُيُوتًا جَيِّدَةً وَسَكَنْتَ، وَكَثُرَتْ بَقَرُكَ وَغَنَمُكَ، وَكَثُرَتْ لَكَ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ، وَكَثُرَ كُلُّ مَا لَكَ، يَرْتَفِعُ قَلْبُكَ وَتَنْسَى الرَّبَّ إِلهَكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ” (تث8: 12- 14).
ومما سبق يجب ان ندرك ان الله هو الغني الذي يُغني كل حي، والمال هبة ونعمة منه .. هو ليس شرًا في ذاته، لكن الشر يكمن في الاتكال عليه كوسيلة لتأمين الحياة، واعتباره سببًا للغنى والسعادة بدلًا من الله.
يطالبنا الكتاب باستعمال المال كوزنة موهوبة لنا، يجب توظيفها لصنع الخير، ليس للاكتناز حتى ننجو من خطايا كثيرة كالطمع الذي هو عبادة الأصنام، وارتفاع القلب وظلم الآخرين.