لحن “ليبون أفكاف” (٣)

بقلم: م. منير وصفي بطــرس

باحث في موسيقى الألحان القبطية

مـدرس مــــادة اللــــحن الكنــــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيـة

البعد الموسيقي للحن “ليبون أفكاف” (أسبسمس واطس عيد القيامة المجيد):

أحب أن أكلمكم أعزائي قراء جريدة وطني عن لحن من ألحان الكنيسة البديعة التي وضعتها بعناية وبفهم في ليتورجيا القداس الالهي لتعبر بكلماتها وألحانها العذبة عن مفاهيم روحية تصعد بالانسان الى أجواء من القداسة لتشارك السمائيين تسابيحهم.

وسنسير معا عبر رحلة ممتعة عبر أثير هذه النغمات الخلابة التي لهذا اللحن المقدس الذي وضعه الآباء بإلهام الروح القدس.

يمكننا في البداية أن نتحدث قليلا عن جزئين هامين في القداس الالهي أولهما صلاة الصلح والثاني بداية قداس المؤمنين “الأنافورا” فصلاة الصلح نتكلم فيها عن سقوط الانسان وعن العداوة التي كانت موجودة بين شعب الله والأمم فصار الجميع في المسيح واحدا سقط سور العداوة التي دخلت إلى العالم بحسد ابليس وبسبب الخطية.

ولذلك فإننا نجد أن لحن صلاة الصلح بصورة عامة من مقام حزين وهو مقام الصبا وهو أكثر المقامات حزنا وشجنا واختارته الكنيسة بعناية لتعبرعن فكرة ماقبل المصالحة التي أتمها ربنا يسوع المسيح على الصليب.

وعندما نصل إلى جزئية الأنافورا (قداس المؤمنين) وخاصة في القداس الغربغوري – الذي كتبه القديس غريغوريوسالناطق بالالهيات – والذي يصلى به في الأعياد السيدية عندما يقول “محبة الله الآب….” نجد أن المقام يتحول إلى الحجاز ويعطي طعما موسيقيا واحساسا أقل حزنا ولكنه أشد ابتهالا ونداءا حيث أن مقام الحجاز يتميز بالأبعاد الكبيرة بين نغماته وتناسب الصعود إلى أجواء القداسة والتأمل في عظمة السماء وهيبة الوجود في حضرة الله وملائكته وقديسيه.

ولذلك فإننا نجد أن لحن الاسبسمس الآدام الذي يقال في نهاية صلاة الصلح أكثر فرحا وطربا وابتهاجا وأكثر حركة وصعود في نغماته وأكثر إيقاعا من الأسبسمس الواطس الذي سوف ندرسه في هذا المقال حيث يعطي معاني شدة الفرح بسبب الخلاص الذي تم وتحويل العداوة إلى مصالحة وأصبحنا في المسيح مدعوين للقداسة وبعد أن كان الموت هو مصيرنا الأبدي صارت لنا الحياة الأبدية في المسيح يسوع

أما الأسبسمس الواطس مجال دراستنا فهو مغلف بأجواء روحية أخرى فيها الدخول للتحليق في السماويات حيث نركز النظر في الشرق ونقف في خشوع وجدية ووقار أمام عظمة رب المجد وحوله الشاروبيم و السارافيم وأصبح لنا السماح بأن نشارك السمائيين تمجيداتهم وتسبيحاتهم وهنا نجد أن الاسبسمس الواطس يتميز بألحانه المفرحة ولكنه فرح متأني هادىء وقور أقل طربا من الاسبسمس الأدام وهذا لجلال ورهبة كلمات وأجواء هذا الجزء من القداس الالهي.

وسوف نقسم اللحن “ليبون أفكاف” (الاسبسمس الواطس لعيد القيامة المجيد) إلى قسمين أساسين وكما قلنا في الجزء الثاني من هذا المقال أن القسم الأول ثابت في نغماته على مدار السنة مع اختلاف كلماته وموضوعهالوضع في القبر ثم القيامة أما القسم الثاني فهو لا يتغير على مدار السنة سواء في كلماته أو نغماته ومربوط بأفكار جزئية معينة في القداس وهي مواجهة مشهد عرش الله القدوس رب الجنود وحوله السمائيين يمجدونه ويسبحونه.

القالب الموسيقي للحن عبارة عن قسمين القسم الأول عبارة عن فكرة موسيقية مكررة أربع مرات ثم القسم الثاني وهي فكرة مختلفة ومميزة وتعتبر ختام اللحن.

تحليل القسم الأول من اللحن:

وهذا الجزء ينقسم إلى فكرة مكررة أربع مرات ومقسم على العبارات الآتية: “ليبون أفكاف خين بي إمهاف كاتا ني إسمي إمبروفيتيكون” (وأيضا وضع في القبر حسب الأصوات النبوية) “خين بي ماه شومت إن إهوؤو بي خريستوس أنيستس إكنيكرون” (في اليوم الثالث المسيح قام من الأموات) الليلويا الليلويا الليلويا ايسوس بي خريستوس ابؤورو انتى إبؤوو” (هلليلويا هلليلويا هلللويا يسوع المسيح ملك المجد) “أفتونف إيفول خين ني إثموؤوت سوتي إممون أووه ناي نان” (قام من الأموات خلصنا وارحمنا).

والمقام الأساسي هو مقام البياتي وكما تكلمنا في مقالات سابقة أن هذا المقام عندما يكون بسرعة معتدلة يعطي إحساس الشجن كما يعطي إحساس الفرح والحب والشوق وهذا مناسب لموضوع هذا القسم حيث نمر بحالة مركبة مابين الشجن البسيط والاشتياق إلى الخلاص حينما نذكر وضع المسيح في القبر ويمتزج هذا الاحساس باحساس الفرح لأن مسيحنا قام من بين الأموات

أما من حيث الوزن الايقاعي فهو الرباعي والسرعة التقريبية (مابين 110-120 نبضة في الدقيقة) وهي سرعة متوسطة لتعطي احساس الفرح الهاديء الوقور المتأني والمساحة الصوتية (أوكتاف أي ثماني نغمات كاملة) وهي مساحة كبيرة نوعا كما أن هذا اللحن يتميز بتنوع الركوزات اللحنية على درجات عديدة مثل الأساس والثانية والثالثة والرابعة وكل هذا يعطي غنى وعمق وحركة وتعبير أكثر لموضوع اللحن

وللمقال بقية بإذن الله..

اللينك الخاص بلحن “ليبون أفكاف ” الأسبسمس الواطس لعيد القيامة المجيد.