أصدر مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، دراسة عن تبعات الحرب الأوكرانية على منطقة أمريكا اللاتينية من إعداد إليان بطرس، الباحثة بوحدة العلاقات الدولية، ومراجعة هاني إبراهيم، رئيس المركز. خلص فيه إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية أظهرت مدى الضعف وعدم التماسك التي تعاني منه دول أمريكا اللاتينية في وقت أتاح فيه العالم فرصة جديدة لأمريكا اللاتينية لتكون لاعبًا مؤثرًا في خريطة التفاعلات الدولية باقتنائها مورد ضخم من المواد الخام سواء النفط والغاز أو اللثيوم الذي يفتح مزيد من التغير التكنولوجي. وهو ما قد يلفت الانتباه إلى ضرورة أن يكون هناك استراتيجية موحدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا تظهر من خلالها دول أمريكا اللاتينية كمجتمع واحد له أثر واضح في المحافل الدولية، فلن يجدي الانقسام إلا مزيد من الضعف.
وسعى التقرير لإلقاء الضوء على الحالة اللاتينية وكيف تأثرت منطقة أمريكا اللاتينية من بعد فترات متتالية من الانتكاسات منذ انتشار وباء كورونا، فقد عانت منه المنطقة اللاتينية أكثر من أي منطقة في العالم من حيث معدل الوفيات ومن حيث التدهور الاقتصادي، لم يكن تأثير الحرب الأوكرانية على دول أمريكا اللاتينية مباشرًا بل تتأثر هذه الدول نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت فيها الحرب، وتعاني دولها من مشاكل في التصدير والاستيراد وبالأخص في السلع التي كانت تتعامل بها مع روسيا وأوكرانيا.
وأشار التقرير إلى أن الحرب تسببت في انتكاسة اقتصادية جديدة وتزايد في حدة التضخم الاقتصادي ليقفز إلى 7% بالنسبة لأسعار المستهلك، حيث يفرض هذا التضخم ضغوطًا على مستوى دخل الأسر في المنطقة حيث تعد ميزانية أسعار الطاقة والغذاء 40% من الاستهلاك. ومن المتوقع أن تظل مستويات الفقر عند 26٪ في عام 2022 بعد أن كان متوقع لها التحسن بعد انحسار جائحة كورونا. وهو ما يجعلنا نتوقع أن يؤدي التضخم إلى تفاقم في عدم المساواة التي تعتبر أمريكا اللاتينية والكاريبي بالفعل أكثر المناطق تفاوتًا في العالم في هذا الشأن وهو ما يدفع المنطقة إلى توترات اجتماعية.
وألمحت الباحثة في تقريرها إلى أن بعد ارتفاع أسعار السلع والنفط دارت عدد من المناوشات والاحتجاجات في السلفادور، وفي البرازيل يبدو الوضع متوترًا نظرًا لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وظهور مفاجأة فيما يتعلق بإعلان لولا دا سيلفا الرئيس السابق للبرازيل لترشحه لانتخابات الرئاسة القادمة وبالتالي وضع الرئيس الحالي في مأزق يتعين عليه مواجهة الزيادة الحادة في أسعار البنزين والسلع حتى يستطيع المواجهة في أكتوبر المقبل 2022.
ومع اقتراب موعد الانتخابات في كل من المكسيك وكولومبيا أصبح هناك صراع انتخابي أكثر حدة في المنافسة على منهجية القدرة على تخفيف حدة التضخم والأزمات الاقتصادية التي تؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية والاجتماعية.
بعد الضغوط الغربية والأمريكية على روسيا فيما يتعلق بالطاقة أصبحت دول أمريكا اللاتينية أمام حافة الصراع على الطاقة فيما يتعلق بالدول التي يمكنها أن تعمل كبديل للطاقة الروسية التي كانت من المتوقع أن تصل إلى الاتحاد الأوروبي والصراع المتوقع على الطاقة ، وهو ما يستدعي جهد كبير من دول أمريكا اللاتينية لتعمل كمورد استراتيجي مع إعادة إدراج فنزويلا في دول النفط الدولي.
وكما سبق الإشارة إلى أن هناك ارتفاع في أسعار النفط والحبوب قد يعوض بعض الدول اللاتينية ولكنه لن يتناسب مع الزيادة التصاعدية في أسعار السلع والبنزين والمواد الغذائية، وهو ما يجعل الحكومات في الدول اللاتينية تزيد من إنفاقها حتى تتفادى التوترات الاجتماعية التي شهدتها المنطقة الفترات الأخيرة.
ولأن الدول اللاتينية لديها مصادر غنية من المواد الخام فمن المتوقع أن تتجه هذه الدول لإعادة الاستثمار في مواردها نظرًا للنقص الحاد في المواد الخام الحالي والمتوقع زيادته باستمرار الحرب، على سبيل المثال تتمتع بوليفيا وتشيلي والأرجنتين بوجود الليثيوم فيها، وقد تعيد كولومبيا وجواتيمالا التفكير في رواسب النيكل، ناهيك عن فنزويلا والفوسفات والذهب جميعها دول غنية بالمواد الخام ولكنها تعتمد على مصدر وحيد أو أثنين كمصادر أساسية لدخلها وهو ما يلقي بمعظم الدول اللاتينية في أزمات اقتصادية متتالية وحتى الأزمات العالمية تبدو ضعيفة في مقاومتها.
وتقول إليان أنه بناء على ما ورد في التقرير، يتعين على الدول اللاتينية أن تستغل مواردها بشكل جيد وأن تكمل مسارها في التحول للطاقة البديلة خصوصا وأنها تتمتع بوفرة غنية من المواد الخام التي يتكالب عليها العالم.
