أطلق مركز جسور للدراسات الاستراتيجية ورقة بحثية بعنوان “شروخ فى جدار حلف الناتو … هل الدول الغربية تأخذ نفس السياسات العقابية تجاه روسيا؟” من إعداد اليان بطرس، باحثة بوحدة العلاقات الدولية، ومراجعة هاني إبراهيم رئيس المركز.
تعد العقوبات أداة لإخضاع واجبار الدول للتراجع عن بعض الخطوات التي قد تنتهك السلم والأمن الدوليين أو كإدانه لبعض التحركات التي تتخذها أحد الدول وهو ما برز منذ عام 1914، وقد حققت هذه العقوبات بعض النتائج ولكن بنسب متفاوتة وصلت حوالى 34% من الحالات التي تم تطبيقها عليها.
في هذه الورقة تسعى الباحثة لحصر مجموعة من العقوبات التي فرضت على روسيا، وأبرز العقوبات التى فرضتها بعض الدول نتيجة الأزمة الروسية الاوكرانية، في محاولة لفهم إمكانيات الدول الغربية وحلف الناتو التي تأثر كثيرًا نتيجة العقوبات التي تم فرضها والذي أرتفع سقفها إلى مرحلة يصعب فيها الاستمرار في التصعيد، دون مردود في إيجابي في إخضاع روسيا لوقف عملياتها في أوكرانيا، وهو ما أدى الى تراجع عدد كبير من الدول الأوروبية في تطبيق مزيد من العقوبات حيث تضررت أوروبا بشكل كبير نتيجة تصعيد العقوبات لأسباب اقتصادية وفى وقت عصيب يمر به العالم .
وأشارت إليان إلى أن هناك عدد من الدول الأوروبية التي تعتمد بشكل كامل على الغاز الروسي وهي البوسنة والهرسك وشمال مقدونيا ومولدوفا ويليهم في الترتيب فنلندا ولاتفيا بنسبة 90% ثم صربيا بنسبة تصل إلى 89% تليها بلجيكا بنسبة 77% . بينما تستورد ألمانيا على سبيل المثال نصف احتياجاتها من الغاز الروسي بنسبة 49% حيث كانت ألمانيا أكبر مستور للغاز الروسي بما يقارب ثلث واردات دول الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي عام 2020، بينما تحصل فرنسا على ربع إمدادتها من الغاز الروسي بنسبة 24%، تعتمد إيطاليا بشكل كبير على الغاز الروسي بنسبة 46% وهى نسبة كبيرة تجعلها تعافي من فرض العقوبات على النفط والغاز الروسي.
ولم يتوقف التأثير على الغاز والنفط بل شهدت المنطقة الأوروبية ارتفاع في الأسعار وشح فى بعض المنتجات الغذائية وغيرها، وارتفعت أسعار الطاقة بشكل كبير وشهد الاقتصاد حالة من الإنكماش وهو ما يدفع اقتصادات الدول إلى الركود نتيجة لضعف معدل النمو وهو ما دفع الأوروبيون إلى التراجع فى تنفيذ العقوبات بشكل ملحوظ وهو ما دفعهم أيضًا لخلق مساحة من الاتصال مع روسيا برغم كل هذه الفوضى فى العلاقات بينهم وهو ما ظهر مع من الدول الاوروبية، وتشير المؤشرات ان هناك تراجع في أسهم الشركات الأوروبية بشكل كبير منذ بداية العملية العسكرية على أوكرانيا وحتى الآن وبما فيها أسهم البورصة الألمانية التي تعد أكبر اقتصادات أوروبا وهو ما يجعل التأثير كبير، ومن المفارقات أن ترتفع أسهم البورصة الامريكية وهو ما يؤكد أن الدول الأوروبية هي الخاسر الأكبر في هذه العملية وأن الولايات المتحدة وضعت أوروبا بالكامل في مأزق يصعب الخروج منه، هذه المؤشرات أدت إلى تراجع أوروبي في فرض العقوبات على روسيا ويبدو أن هذا التخبط الذي يحدث في الأرجاء الأوروبية سوف يُدفع ثمنه لأعوام قادمة فلم تمر الأزمة مرور الكرام.
وألمحت الورقة مؤشرات تنذر إلى تفاقم في الوضع الأوروبي فلا يوجد دليل قاطع على أن أوروبا سوف تستطيع أن تتخلي عن الغاز والنفط الروسي حتى الآن، حتى وأن حاولت بعض الدول مد يد العون لأوروبا وحتى وأن اعتمدت الدول الأوروبية على الطاقة البديلة فالحلول بعيدة المدى ولم تأتي بثمارها والمتضرر الأكبر منها هي الدول الأوروبية .
وأصبحت أوروبا الآن تدرك أن الولايات المتحدة قد وضعتها في مأزق قد يصعب عليها الخروج منه ومقاومة تلك التأثيرات الجمة، بالإضافة إلى أن التصعيد في العقوبات لن يربح الغرب والناتو شيء، إلا أن هذا التصعيد أظهر وأبرز الشروخ التي نشأت في جدار حلف الناتو بتراجع عدد كبير من الدول في تطبيق العقوبات على روسيا، وأظهرت مدى الضعف الأوروبي تجاه النفط والغاز الروسي، كما أن الضغط المتصاعد على روسيا صحيح تسبب في شروخ داخلية عظيمة إلا أنه سمح للروس بإعادة حسباتهم وترميم ما تضرر خلال السنين الماضية، في النهاية إذا استطاعت روسيا الإلحاق بالصين وتخلت عن الدولار بشكل كامل واعتمدت على الروبل بشكل أساسي في مبيعاتها من النفط والغاز بحسب تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سوف يكون لديها القدرة على إعادة البناء والتأهيل مرة جديدة للخروج خارج عبائة الدولار الأمريكي وهي الخطوة التي يجب أن تتخذها دول العالم، والتجربة خير دليل فقد تأثر العالم أجمع شرقًا وغربًا نتيجة حروب تدور في فلك النصف الآخر من الكره الأرضية ومن قرارات يتخذها البنك المركزي الأمريكي بشكل وهو ما طال حتى دول الشرق الأوسط والدول النامية بشكل عام وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير وعليه تزداد حدة الأزمة الاقتصادية وتزيد نسب البطالة التي تكاد تقاومها هذه الدول وتتأثر الاستثمارات بشكل كبير في هذا الإطار.