نرتل طوال فترة الخمسين يوما بعد القيامةب أن المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور, وعلي هذا الإيمان تأسست المسيحية والكنائس في العالم أجمع, وبسبب قيامة المسيح صار كل مؤمن بالمسيح لا يهاب الموت بل صارت ترنيمته أين غلبتك يا موت, أين شوكتك يا هاوية؟ (1كو15:55).
وفي هذا يقول القديس أثناسيوس الرسولي: الآن بعد أن أقام المخلص جسده لم يعد الموت مرعبا بعد, لأن كل الذين يؤمنون بالمسيح يدوسون الموت كأنه لا شيء ويفضلون أن يموتوا عن أن ينكروا إيمانهم بالمسيح لأنهم يعلمون يقينا أنهم حينما يموتون لا يهلكون بعد بل يحيون, ويصبحون عديمي الفساد بفضل القيامة.. إنهم يحتقرون الموت إلي هذه الدرجة حتي إنهم يقبلون إليه باشتياق ويصيرون شهودا للقيامة التي انتصر بها المخلص عليه.. وهكذا بعد أن غلب المخلص الموت وشهر به علي الصليب, حتي صار الموت بمثابة من هو مقيد الأيدي والأرجل, فإن كل الذين في المسيح حينما يجوزون أمام الموت يدوسونه ويستهزئون به شاهدين للمسيح وساخرين من الموت (تجسد الكلمة فصل27).
ولهذا السبب تحول خوف التلاميذ الذي كاد أن يكون رعبا بعد صليب الرب يسوع إذ قد اختبأوا في العلية وأغلقوا الأبواب علي أنفسهم ويصف المشهد القديس يوحنا الإنجيلي قائلا: ولما كانت عشية ذلك اليوم, وهو أول الأسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود (يو20:19).
هذا الخوف الشديد بسبب قيامة الرب وإعلانه ذاته لهم تحول إلي جرأة شديدة جدا وعدم خوف منا لموت ذاته بل ملئوا المسكونة بكرازتهم بالمسيح القائم من الأموات واثقين أيضا بأن الموت نفسه لا يقوي عليهم إذ أن لهم هم أنفسهم وعد القيامة وصار الموت مداسا تحت أقدامهم وفي هذا يقول أيضا القديس أثناسيوس الرسولي: إن المسيح نفسه وليس آخر هو الذي انتصر بجدارة علي الموت, وجعله في منتهي الضعف وإن كان الموت الذي كان فيما سبق جبارا ومضيفا, قد صار محتقرا من بعد مجيء المخلص وموته وقيامته بالجسد, فمن الواضح إذن أنه بفضل المسيح الذي صعد علي الصليب غلب الموت وأبطل أيضا, فكما أنه إذا أشرقت الشمس من بعد ليل, وأضاءت الأرض كلها, لا يكون مجال للشك في أن الشمس التي نشرت النور في كل مكان, هي نفسها التي غلبت الظلمة وأضاءت الجميع, هكذا إذ صار الموت محتقرا ومداسا منذ الظهور الخلاصي للمخلص بالجسد وموته علي الصليب يكون من الواضح أن المخلص الذي ظهر في الجسد هو نفسه الذي أبطل الموت والذي يظهر كل يوم انتصاراته عليه بواسطة تلاميذه (تجسد الكلمة29:1-3).
وهكذا بسبب قيامة الرب يسوع وتيقن التلاميذ الرسل القديسين بحقيقة القيامة المقدسة باستمرار ظهور الرب القائم من الأموات لمدة أربعين يوما بعد قيامته لهم في ظروف وأوقات مختلفة وبعد حلول الروح القدس عليهم بعد عشرة أيام من صعوده أمامهم, انطلقوا يكرزون في كل المسكونة بهذه القيامة بالرغم من شدة المخاطر التي واجهوها سواء من اليهود أو من الأمم وانتهي بهم الأمر إلي استشهادهم جميعا عدا القديس يوحنا الرسول الذي تنيح بالمنفي في جزيرة بطمس وكان لسان حالهم جميعا نفس لسان حال بولس الرسول بعدما أعلن المسيح القائم له نفسه, فقال: ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتي أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع, لأشهد ببشارة نعمة الله (أع20:24).
هذه القيامة التي أعطت التلاميذ والرسل في ذلك الزمان هذه القوة والجرأة هي نفسها فاعلة في كل مؤمن بالمسيح وبقيامته المقدسة وقد عاصرنا ورأينا بأعيننا قوة القيامة وفعلها في أبطالنا شهداء ليبيا, وكيف وقفوا بشموخ أمام الموت وهم يصرخون باسم يسوع القائم من الأموات واثقين في قيامتهم هم أنفسهم في المسيح القائم لذلك نحن نعيد في هذه الأيام المقدسة بقيامتنا نحن في المسيح يسوع القائم والمنتصر علي الموت ونهتف هتاف الكنيسة في هذه الأيام: المسيح قام من الأموات, بالموت داس الموت, والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية.
وكل عام وجميعكم بخير وسلام وفرح قلب ومصرنا العزيزة في نمو وارتقاء ونسأل الرب القائم من الأموات الذي أعطي السلام للتلاميذ القديسين أن يحل بسلامه في كل العالم المسخن بالحروب بصلوات صاحب الغبطة قداسة البابا تواضروس الثاني والآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة والشمامسة والشعب كله آمين.