تمثل القيامة خجر الزاوية في الإيمان المسيحي, فالقيامة نقطة تحول هامة في حياة تلاميذ السيد المسيح, ويمكننا القول إن القيامة كانت طاقة نور استطاع التلاميذ من خلالها العودة إلي حياة السيد المسيح واكتشاف معان عميقة وغنية تكمن خلف كلمات مواقف سمعوها وعاشوها معه, بل يمكننا القول إن القيامة استطاعت أن تعيد بناء وعي التلاميذ لشخصية المسيا ودوره وتأثيره في الحاضر والمستقبل. كما أن القيامة ساعدت هذه الجماعة الناشئة علي التماسك ومواجهة التحديات وبناء مجتمع جديد مؤسس علي الكرامة الإنسانية وحب الآخر والتضحية من أجل الفقراء, والتأكيد علي التوبة الفردية والجماعية والمجتمعية كطريق جديد للخلاص.
في مشهد الصليب والقيامة نري بشاعة العنف نحو الشخص المختلف, فالسيد المسيح قد أتهم ظلما وسيق حتي الموت ـ موت الصليب ـ ولقد شهدت اللحظات الأخيرة في حياة السيد المسيح مواجهات عديدة بين التلاميذ واليهود الذين كانوا يريدون قتله, ومع ذلك شهدت إحدي المواقف عنفا واضحا حين قطع أحد تلاميذ السيح المسيح أذن أحد الجنود الذين كانوا يريدون القبض عليه ومحاكمته إلا أن موقف السيد المسيح من العنف كان واضحا وهو رفض العنف, إذ أجري السيد المسيح معجزة أعاد أذن ذلك الجندي لأنه كان رافضا لكل أشكال العنف (الإنجيل بحسب لوقا 22: 50).
ومصطلح العنف تم توظيفه من قبل أطراف عديدة, وفي بعض الحالات من دول معينة. ومع ذلك فمازال العنف من أكثر القضايا الشائكة والحساسة التي تخلق شقاقا بين الأفراد والجماعات والثقافات, وتنشر أجواء الكراهية والتمييز, مما يباعد بين البشر, ويدفع نحو مزيد من الصدام.
وهنا علينا أن نعود إلي صوت العقل والالتجاء إلي التراث الديني والثقافي الثري بمواقف هامة أكدت كرامة الإنسان وأعتبرت الحياة عطية من الله لا يجوز لأحد النيل منها واقتناصها.
العنف موقف إيديولوجي, يقوم علي تويف أسانيد مختلفة يعاد إنتاجها طبقا لمصالح أفراد وجماعات متشابكة المصالح, قد تكون متناقضة في مواقفها الإيديولوجية لكنها متفقة في سعيها لإجهاض الآخر والقضاء عليه.
إلا أن السيد المسيح كان موقفه واضحا جدا من العنف, إذ يقول في موعظته علي الجبل:
سمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر, بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا.
ومن سخرك ميلا واحدا فأذهب معه أثنين من سألك فأعطه, ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده.
فرغم أن النص يقول إن العين بالعين والسن بالسن, إلا أن السيد يسير بنا نحو عمق جديد في فهم الشريعة, وهذا البعد متمثل في محبة العدو ومواجهة الشر بالخير, وذلك لأن الخير في النهاية سينتصر, لأن الله يشرق شمسه علي الأشرار والصالحين, ويمطر علي الأبرار والظالمين.
ولقد قدم السيد المسيح بعدا آخر في محبة العدو في قصة السامري الصالح (الإنجيل بحسب لوقا 10: 30 ـ 37) إذ نجد نموذجا رائعا للإيمان الذي يتجاوز حدود العقيدة والإثنية. ومع أن المثل لم يكن جديدا علي آذان سامعيه في ذلك الوقت إلا أن خاتمته كانت صادمة ومؤثرة بشكل كبير.
كان الموقف بين اليهود والسامريين في ذلك الوقت شديد العداء إذ كان السامريون أعداء بالنسبة لليهود في العقيدة والسياسة والثقافة والتقاليد, حتي أن بعض الدراسات التاريخية تشير إلي أن الأمم في ذلك الوقت, وهم حسب بعض التقاليد اليهودية غرباء ومرفوضون, كانوا أكثر قبولا لليهود من السامريين. في هذا الموقف العدائي يأتي هذا المثل كصدمة كبيرة ولاسيما أن التوقعات اليهودية لهذا المثل كانت مختلفة في النتائج النهائية.
تقول القراءة السريعة للمثل إن هناك يهوديا جريحا مر به كاهن يهودي ولم يقم له بعمل الرحمة, كذلك مر به لاوي (خادم يهودي في الهيكل) وتركه في هذا الوضع السييء. وهنا يشير المثل بوضوح إلي فشل بعض رجال الدين في ذلك الوقت في تقديم عمل الرحمة. في هذا السياق فإن المستمع يتوقع أن الذي يقوم بعمل الرحمة هو علماني يهودي بار, حيث فشل رجال الدين اليهود في القيام به, لكن خاتمة المثل جاءت من السيد المسيح صادمة جدا للسامعين, فمن قدم عمل الرحمة هو العدو طبقا للمفاهيم العقائدية والسياسية والاجتماعية والثقافية, إنه العدو الشامل. أما القراءة المتأنية لهذا المثل تدعونا اليوم إلي عدم رفض الآخر أو تحقير عقيدته أو الازدراء بإيمانه.
نهاية, في ذكري القيامة أصلي أن يرفع الله روح العنف من العالم, ويملأ قلوبنا جميعا بروح المحبة والتسامح والإخاء.