تتفاقم الحالة الاقتصادية التي تدعو إلى اليأس بشكل متزايد بسبب الانتهاكات المرتكبة لتحقيق مكاسب نقدية على الأراضي السورية. ويشمل ذلك أخذ الرهائن طلباً للفدية والابتزاز والحجز على الممتلكات لمصادرتها أو لحصاد المحاصيل وبيعها. وترتكب هذه الانتهاكات في جميع أنحاء البلاد، من قبل القوات الحكومية والجهات المسلحة الأخرى التي تسيطر على الأراضي، وغالبا ما تستهدف الأقليات.
ولم يقف الوضع عند هذا الحد بل تواجه سوريا اليوم أسوأ موجة جفاف شهدتها منذ عقود. ويستمر التضخم، الذي قارب 140 في المائة في بداية العام، في الخروج عن نطاق السيطرة. ومع ارتفاع سعر السلع الأساسية أصلاً، سيسهم اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا في زيادة ضغط الأسعار، ومن المرجح أن يدفع بالمزيد من السوريين إلى الفقر.
وفي ضوء تدهور الأوضاع المعيشية، دعت اللجنة الأممية المستقلة التابعة للأمم المتحدة لمراقبة الوضع السوري، إلى مراجعة تنفيذ العقوبات المفروضة حاليا على سوريا وآثارها. فعلى الرغم من الاستثناءات الإنسانية، “لا بد من بذل المزيد من الجهود للتخفيف من العواقب غير المقصودة على الحياة اليومية للسكان المدنيين نتيجة الامتثال المفرط.”
وقال رئيس اللجنة، باولو بينيرو: “عندما لا تتم مراجعة العقوبات بشكل كافٍ، يمكن أن تؤدي إلى مزيد من أوجه النقص وعرقلة المساعدات الإنسانية للسكان الأكثر ضعفا، ما يؤثر بشكل مدمر على الجميع باستثناء النخبة السياسية والاقتصادية.”
ووفقا للتقرير الذي وضعته اللجنة الأممية، فإن التدهور يطال كل مناحي الحياة، إذ يستمر التمييز والعنف على أساس النوع الاجتماعي، مع تأثر النساء والفتيات بشكل غير متناسب في جميع مناحي الحياة. وغالبا ما تفتقر النساء من بين النازحين داخليا إلى الوثائق المدنية الضرورية ويكافحن من أجل الحصول على حقوقهن القانونية. ويتم إجبار الفتيات بشكل متزايد على الزواج المبكر ويُرسَل الأولاد لسوق العمل أو يُجنّدون في النزاع. وتقوم هيئة تحرير الشام التي تسيطر على منطقة إدلب بفرض ما يسمى بقواعد الأخلاق التي ترقى إلى التمييز على أساس النوع الاجتماعي.
وقالت المفوضة لين ويلشمان إن العنف القائم على النوع الاجتماعي يستمر بلا هوادة في سوريا، حيث تتعرض النساء والفتيات لمجموعة من الانتهاكات اعتمادا على الجهة المسلحة التي تسيطر على المناطق التي يتواجدنَ فيها.وتابعت: “تعاني النساء من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء الاحتجاز، وفي حياتهن اليومية حيث يواجهنَ القيود التي تفرضها الجماعات المسلحة، ونقاط التفتيش التي لا تعد ولا تحصى حيث يتعرضن للخطر بشكل خاص.”
ولاحظت اللجنة إعادة ضئيلة ولكن متزايدة من قبل الدول الأعضاء لمواطنيها المحتجزين في مخيمات الهول والروج في شمال شرق سوريا. ولكن حوالى 60 ألف معتقل، 40 ألفا منهم من الأطفال، لا يزالون محتجزين بشكل غير قانوني في المخيمات في ظروف مروعة، بما في ذلك 7,800 أجنبي غير عراقي.ويعيش سكان المخيمات في ظروف تصل إلى حد المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة، في ظل خطر دائم بالتعرض للإصابة أو القتل أو الإتجار. ويتصاعد التوتر في المخيمات مع تزايد عمليات القتل والمخاوف من اندلاع أعمال عنف على نطاق واسع.
كما أعربت اللجنة عن قلقها إزاء التقارير الأخيرة عمّا وصفته بالإخفاقات المنهجية في التحقيقات في جرائم الحرب المحتملة وغيرها من الحوادث التي تسبب أضرارا للمدنيين في سوريا في 2018-2019 من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.ويشمل ذلك مئات التقارير عن سقوط ضحايا مدنيين والتي زُعم أن الجيش الأمريكي رفضها في البداية. وكررت اللجنة توصيتها للولايات المتحدة وجميع الأطراف بإجراء تحقيقات موثوقة ومستقلة وحيادية في الحوادث التي تنطوي على خسائر في صفوف المدنيين والتي تورطت فيها قواتها لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وضمان عدم تكرارها، ونشر نتائج التحقيقات.
كما يعتبر الحكم التاريخي الصادر في يناير عن محكمة كوبلنز الإقليمية العليا في ألمانيا ضد ضابط مخابرات سوري سابق نشَط في الفرع 251 سيئ السمعة، وأدين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، تقدما ضئيلا ولكن يُرحب به في مجال المساءلة.
وفي التقرير، تحيط اللجنة علما بتعثر التقدم المحرز في المساءلة وتجدد توصيتها للدول الأعضاء بمضاعفة جهودها في هذا الصدد، في غياب إجراءات متضافرة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.