قيادة الألحان في الكنيسة القبطية
عزيزي القارئ ، في المقال السابق تكلمنا عن قيادة الألحان في الكنيسة القبطية، وذكرنا أن هناك سبعة بنود أساسية تحدد أهمية القيادة في الكنيسة القبطية، وتناولنا بندين فقط،
واليوم سوف نستكمل الخمسة البنود الأخرى:
الحركة أثناء الأداء:
عدد ليس بقليل من الألحان القبطية يؤدَّى أثناء الدوران بالكنيسة وأثناء الطواف حول المذبح، وأمام الأيقونات والبعض منها يؤدى أثناء الإنحناء بالرأس او الإنحناء بالركبة او بالسجود التام، لذا كان دور القائد غاية فى الأهمية حتى لا يسود الهرج والمرج عندما لا يسمع المرنمون بعضهم بعضاً.
أماكن الأداء:
تتعدد الأماكن التى يتم منها أداء الألحان القبطية، فهناك شمامسة يرتلون من داخل الهيكل، وآخرين من خارجه، وهناك من يقف على المنجلية (التي يوضع عليها الإنجيل عند قراءته) ليرتل، ومن يقف على باب الهيكل ليرد، وهناك الشعب الموجود فى صحن الكنيسة ليشارك متجاوباً بالمردات، فإن ذلك يستدعى وجود قائد يضبط هذه الحوارات الغنائية ويقوم بدور المنسق بين كل هؤلاء وذلك مع الكهنة الذين يرتلون أيضاً من أماكن متفرقة داخل البيعة.
هذا لا يمنع أن يمنح هذا القائد “الُمعلِّم” بعض صلاحياته الى كبير شمامسة الهيكل، لكى يقوم بمهمة قيادة مجموعة الشمامسة المنوطين بخدمة المذبح والقائمين على الطقوس الداخلية التى تتم داخل الهيكل، ويقوم بتوزيع المردات والألحان الخاصة بخدمة الهيكل والمذبح على هذه المجموعة، وقيادتهم فى المردات الكبيرة التي يمكن ان تقال بشكل جماعي، مثل لحن “اسباتير آجيوس” (واحدٌ هو الآب القدوس) ولحن “اسباذيستى” (القُبلة المقدسة) ولحن “بى نيشتى” (العظيم) وغيرها من المردات الكبيرة الشديدة التعقيد والتى قد يؤديها شمامسة الهيكل معاً بصوت واحد. وعادة ما تكون هناك صلة مستمرة وتنسيق دائم بين ” الُمعلِّم ” وهو ال Maestro الأكبر الأساسى الذى يقود كل مجاميع الشمامسة والشعب والإكليروس خارج الهيكل، وبين “قائد” مجموعة شمامسة المذبح داخل الهيكل.
وجود ترتيبات أو طقوس تصاحب الأداء:
يصاحب الترتيل في الكنيسة القبطية ترتيبات وطقوس كحمل الشموع والمجامر وفتح الستور ووضع الأغطية وحمل الشارات، لذلك كان دور القائد مهماً وأصبح دوره يشبه دور المخرج في الأوبرات الغنائية.
وجود تعبيرات وديناميكية للأداء:
الموسيقي القبطية هي موسيقي تعبيرية تمتلئ بديناميكيات الأداء، وجملها الموسيقية تشرح معاني الكلمات، لذا فهي تحتاج الي قائد يحدد باشاراته هذه التعبيرات و هذه الديناميكيات.
إستخدام النسيج الموسيقى المتعدد التصويت Polyphonic والمتجانس Homophonic:
لأن الموسيقى القبطية مونوفونية، لذا ظن البعض أنها لاتحتاج الى قيادة متغافلين النقاط الأخرى التي تحدد أهمية القيادة، وبالرغم من ذلك يتم تقديم الموسيقى القبطية خارج الليتورجيا في صياغة بوليفونية هوموفونية مثل التي قدمها نيولاند سميث للحن “ميغالو” بالاوركسترا مسجلة ضمن تسجيلات معهد الدراسات القبطية بمصر.
وتتميز الكنيسة القبطية بالدقة الشديدة فى الترتيبات والطقوس التى تصاحب أداء الألحان القبطية، فكل لحن له طقس يصاحب أداءه، فترتيل الإنجيل له طقوس والألحان التى تقال قبل الإنجيل لها طقوس أخرى والتى تقال بعده لها طقوس مختلفة، وألحان دورة الحمل لها طقوس أخرى أيضاً. ومن هنا كانت الأهمية الشديدة لدور القائد فى الموسيقى القبطية، والذي يسمى بالـ “عرّيف[1]” أو بالـ “مُعلِّم” “Cantor”*. فالـ ” مُعلِّم ” يعتبر هو أول “Maestro” تم تعيينه فى الكنيسة القبطية منذ 2000 سنة بعد الفراعنة، وقتما لم يعرف العالم العلمانى القيادة أنذاك. إلا أنه قبل أن تعرف الكنيسة القبطية القيادة، إستطاع “داود النبى والملك” أن يؤسس مفهوم حتمية وجود القائد والخبير والمرشد، طبقاً للنص الكتابيالذي يقول:
“وكَنَنْيَا رَئِيسُ اللاَّوِيِّينَ عَلَى الْحَمْلِ مُرْشِدًا فى الْحَمْلِ لأَنَّهُ كَانَ خَبِيرًا”
عزيزي القاريء سوف نكتفي بهذا القدر اليوم في الحديث عن قيادة الألحان في الكنيسة القبطية، وسوف نستكمل هذا الحديث المقال القادم، حيث سنتعرف أكثر عن شخصية كننيا رئيس اللاويين.