مصر تأخرت عقودًا بمجال الطرق وما يتم هو لتدارك ما فات .. لننطلق بعدها للمستقبل
عقد كل من منتدى البحوث الاقتصادية والمركز المصري للدراسات الاقتصادية، جلسة خاصة حول السياسات، ضمن فعاليات المؤتمر السنوي الثامن والعشرين للمنتدى، بعنوان : ” مصر تحت المجهر”، حيث ناقشت الجلسة التوسع الهائل في البنية التحتية والطرق بجميع أنحاء مصر والعائد الاقتصادي والاستثماري على الدولة والمواطن بما حققته من ترابط جغرافي وتشبيك للطرق القائمة، كما ناتقشت الجلسة مبادرة حياة كريمة، التى بدأت فى ٢٠٢١ ، وتعد أكبر مشروع تنموي في أفريقيا …
قالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف ، مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية ومدير البحوث به، أن المشروع القومى للطرق ساهم فى تطوير الترابط الجغرافي للبلاد وتشبيك الطرق القائمة ببعضها البعض وتعزيز التنمية، وفتح الباب لإقامة مراكز لوجستية، وساعد على إيجاد مدن جديدة، وإدارة الموارد بشكل أفضل، كما أن الإنجاز فيه تم بسرعة، وله عائد يغطى جانبًا من التكلفة، وقام بتشغيل شركات عملاقة وأخرى صغيرة من باطنها وكل تلك ايجابيات لابد من رصدها.
وأضافت الدكتورة عبلة عبد اللطيف قائلة: في الجانب المقابل لازالت هناك حاجة لمراجعة الأولويات وزيادة المعلومات المتاحة عن التمويل ونظم التعاقد والكيان المؤسسى الذى يدير كل تلك المشاريع الهائلة، وقياس الاستثمار الذى حدث والذى تستهدف تلك الطرق جذبه، وعدم إهمال مشاريع قائمة بالفعل مثل المناطق الصناعية التى تحتاج لاستكمال بنيتها التحتية ، ووجوب إطلاق حزمة سياسات تحفز الاستثمار.
كما نبهت الدكتورة عبلة إلى أهمية مراجعة أسلوب الإدارة ، متسائلة عمن يقوم بالصيانة ويضمن استدامة المستوى، كما طالبت بالعودة إلى المستفيدين لمعرفة رأيهم فى كل ما أقيم.
جاء ذلك فى الجلسة الخاصة بالسياسات التى تم تنظيمها مساء أمس، فى إطار المؤتمر السنوى لمنتدى البحوث الاقتصادية وبالتعاون مع المركز المصري للدراسات الاقتصادية، والتي حملت عنوان : “مصر تحت المجهر” و ناقشت مشروعين قوميين هما البنية التحتية وحياة كريمة من منظور تقييمي علمي.
وعن مشروع حياة كريمة الذي ينتشر في ٤٥٠٠ قرية ويخدم نحو ٦٠ مليون نسمة وتبلغ استثماراته فى كافة مراحله ٧٠٠ مليار جنيه ، قالت الدكتوره عبلة أن ايجابياته متعددة وتشمل قوة إرتباطه بالتنمية والاهتمام بالريف وبالصعيد بعد إهمال طويل ، وتحقيق العدالة الجغرافية ، وخلق فرص عمل مباشرة خلال الإنشاءات، وإشراك المجتمع المدنى فيه بشكل معقول، وتقديم خدمات أساسية مثل التعليم والصحة واقامة تجمعات صناعية وزراعية ، وفى الجانب الآخر يُلاحظ وجود تركيز كبير على البنية المادية أى البناء والإنشاءات، وهناك احتياج لمراجعة الأولويات به، فقد تقام مدرسة ثانوية الآن مثلاً ولا تجد من يدخلها ومن ثم يمكن تأجيلها، وقد لا نحتاج مباني فخمة للخدمات الحكومية إذا قمنا بتغيير سياسات تقديم الخدمات ، كما يُلاحظ أيضا التركيز على المراكز وليس القرى، وغياب المحليات بما فى ذلك المحافظين عن التخطيط والمتابعة، ويلزم العناية بتوفير معلمين وممرضين وأطباء ، لتشغيل ما يقام من خدمات بكفاءة، والعناية بمدى استدامة التمويل ومصادره، وتصويب المسار في ضوء الاحتياجات الفعلية للمجتمع، ورأت الدكتورة عبلة أن إدارة المشروع تتم بطريقة أبسط مما ينبغي، مع أهمية مراجعة الأولويات في كل المشاريع القومية بعامة، خاصة بعد خفض العملة ، ووجوب إصلاح السياسات قبل البناء ، وتوحيد الموازنة الاستثمارية للبلاد، واستكمال البنية التحتية بإنشاء تدريب وتأهيل، وتسهيل بدء وممارسة الأعمال، بأسلوب يتسم باللامركزية مع إبداء نفس الحماس فى تشجيع وجذب الاستثمار.
ومن جانبه، قال المهندس طارق توفيق، رئيس غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، ونائب رئيس إتحاد الصناعات، أنه يتعين إشراك القطاع الخاص بشكل أوسع فى تلك المشاريع ليتحمل عن الحكومة جانبًا من الأعباء ، وحسن توزيع الأدوار بين العام والخاص، مشيرًا إلى أن حصة القطاع الخاص تراجعت فى الاستثمار من نحو ١٢% من الناتج إلى ٤ % ، والتأكد من العائد على الاستثمار فى كل ما يقام.
ودعا رجل الأعمال محمد قاسم ، إلى استخلاص دروس من تجربة “وظيفتك جنب بيتك” التي أقيم بمقتضاها ١٣ وحدة إنتاجية بالقليوبية فى مجال الملابس الجاهزة وبرعاية مصدرين كبار، واشتراك كافة الجهات المعنية ، ولازالت تعمل بل ولم تتوقف أيام كورونا، وخلقت جيلًا جديدًا من رجال الأعمال ومشاركة مجتمعية حقيقية ويمكن مدها إلى مناطق أخرى ومجالات أخرى.
وكشف الدكتور أسامة عقيل أستاذ هندسة النقل بجامعة عين شمس ومستشار وزير النقل ، معلومات غزيرة عن المشروع القومى للطرق بين المدن وداخلها ، فقال : إن مصر تأخرت عقودًا فى مجال الطرق والنقل ، وكل ما يتم الآن هو لتدارك ما فات وتحقيق نقطة تعادل لننطلق بعدها إلى المستقبل، منوهًا إلى أنه لا يمكن عمل تنمية بدون طاقة ونقل واتصالات وتكنولوجيا معلومات، ولذا ركزت الدولة بقوة على تلك المجالات، مؤكدًا أن لجنة تنسيقية رئاسية عليا شملت خبراء واساتذة جامعات ورؤساء هيئات هي التي أقرت شبكة النقل بين المدن “وأنا كنت من ضمنها”.
وذكر الدكتور أسامة عقيل أنها بدأت بـ ٣٥٠ كيلو وزادت إلى ٣٠٠٠ ثم ٧٠٠٠ ومعظمها طرق حرة ستحدث نقلة اقتصادية، ولو تم حسابها بالحارة فهي تعادل كل ما تم عمله فى شبكات الطرق المصرية من قبل ، فضلاً عن الجودة الأعلى ، وهي ربطت تجمعات صناعية ومدن ومناطق استصلاح، مشيرًا إلى أن وراء كل طريق هدف وبعض الطرق مُرتبط مباشرة بالأمن القومي.
وأكد أستاذ هندسة النقل، قائلاً: إن هناك دراسات للبنك الدولى والجايكا اليابانية ودراسات وطنية تقدر خسائر المرور بـ ٤ مليار دولار سنويًا بالقاهرة وحدها ـ ولو كنا تركناها لتوقفت الحركة بالعاصمة تمامًا، وقد إنتهينا من مشاريع شرق القاهرة وننتقل الآن إلى غربها ، أوضح أن من العوائد الأخرى لتلك المشاريع حدوث تطور كبير فى شركات المقاولات ودخول معدات متقدمة جدًا وظهور شركات ومكاتب استشارات جديدة وتفادي كوراث فى نقل البضائع وقد راينا ما كنا معرضين له حين أحجم قطاع النقل الخاص عن العمل لسبب أزمة المقطوارات، وأكد أنه يمكن بالفعل أن نقول نظريًا أن هذا المشروع أو ذاك يقبل التاجيل، لكن لكي نتخذ قرارًا بذلك يجب أن تتم مراجعة كل الأطراف فقد يبدو غير عاجل فى نظر جهة لكنه مهم فى نظر أخرى.
وأضاف أستاذ هندسة النقل، قائلاً: كان طبيعيًا أيضا بعد تطوير الطرق بين المدن وبداخلها، أن نشيد شبكة نقل جماعي حديثة ومتطورة تفتح شرايين جديدة للحركة، وتيسر الوصول بالتنمية إلى مدن جديدة أقيمت، وأكد أن الرئيس عبد الفتاح السيسى وجه بوضع خطة تعريف علمى بما تم وكيفية استخدامه وستنطلق بعد رمضآن .. كما أوضح أن من المهم أن ننظر فى المستقبل إلى زيادة دور القطاع الخاص وإسناد أعمال فى الإدارة والصيانة إليه، مُنبها إلى أن هناك قرارًا بتخصيص١٠ % من تكلفة كل مشروع للصيانة، وأشار إلى أهمية عمل مؤسسة جديدة للإدارة والتشغيل غير القديمة، لتفادي العودة إلى العشوائية، وضرورة الإسراع بإستغلال عمق الطرق على الجانبين، وللقطاع الخاص الدور الأكبر فى ذلك، بحيث تقوم الدولة بالتخطيط والرقابة فقط، متفقًا مع ما قيل بأن الدولة ليست أفضل مدير لكن القطاع الخاص كان قد خرج مريضًا بعد الثورة وكان يلزم أن تقوم الدولة بدور مضاعف إلى أن يتعافي.
وعاد المهندس طارق توفيق ليطالب بنقل مشاريع من القديم إلى القطاع الخاص ونقل أخرى من الجديد في المستقبل، وإلا تدخل الدولة في شراكة بلا مبرر مع القطاع الخاص، حيث لا يقبل المستثمرون الأجانب ذلك.
بينما دعت الدكتورة إيمان حلمى الخبيرة الاقتصادية بالبنك الدولي إلى مزيد من الحوكمة والشفافية، والتاكد من كفاءة وفاعلية النفقة، والمزيد من العدالة فى البنية التحتية، وقالت منى أمين ممثلة وزير التضامن أن احتياجات قرى حياة كريمة تمت دراستها مسبقًا، وهناك اهتمام كبير بالجوانب غير المادية فى المشروع، منها الجوانب الاجتماعية والتوعوية، وتمكين المرأة ،والعناية بذوي الإعاقة وبالحضانات.
ونبه الدكتور إبراهيم البدوي، المدير العام لمنتدى البحوث الاقتصادية ووزير مالية السودان السابق، إلى أن الفكر التنموى تغير فى عصر الاقتصاد الرقمى والمنصات، ولم يعد الطريق إلى التشغيل الواسع يمر بالصناعة، كما حدث فى تجارب فيتنام والصين وماليزيا، السابقة، لأن مجال الإنتاجية العالية لا يتوافق مع استيعاب الكثير من العمالة ، ولذا يلزم وجود سياسة متينة للحماية الاجتماعية مع النمو، والاهتمام بخلق حيز مالي قوى، يسمح بمزيد من الإنفاق الاجتماعى، وعمل إصلاح ضريبي، وتعبئة الموارد .. وكل ذلك عبر عقد اجتماعي جديد.