“من عبق النوبة العطر، ومن قلبها الدافئ الحنون، ومن أصالة معدنها الذهب، ومن كرم نيلها الجاري، ومن خير نخلها الباسق، ومن دفء شمسها الساطع، ومن جمال فنها المتفرد؛ تتحدث أيادي سيدات النوبة البارعات ورجالها الأصلاء في 38 قرية نوبية، ويشارك بعضها في معرض ديارنا.. “مصر بتتكلم حرفي”، بهذه الكلمات وصفت وزيرة التضامن النسخة الثالثة لمعرض ديارنا لهذا العام، وفي دورته الـ72، حيث كانت نسخته الأولى بمحافظة المنيا في بداية العام، والنسخة الثانية كانت من خلال منتدى شباب هذا العالم بشرم الشيخ في يناير 2022 أيضًا.
أقيمت النسخة الثالثة لهذا العام من معرض «ديارنا للحرف اليدوية» بمول كايرو فستيفال بالتجمع الخامس بالقاهرة، على مساحة أكثر من 3500 متر مربع. بدأ المعرض يوم الخميس 28 فبراير واستمر بنجاح حتى يوم الاثنين 7 مارس. في شراكة استراتيجية، نظمت وزارة التضامن الاجتماعي هذه النسخة من معرض ديارنا، واشتركت في تنظيم مع بنك الإسكندرية ومؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية والشركة المصرية للاتصالات “we ” للعام الرابع على التوالي.
وفي سياق اختيار النوبة ضيف شرف لهذه النسخة من المعرض، صرحت وزيرة التضامن: يؤكد المؤرخون أن الزخارف النوبية ذات الطابع الشعبي تحمل دلالات رمزية وهي محملة بالقيم الاجتماعية والثقافة البيئية، حتى يصبح الشكل المرسوم قريبا من الحياة اليومية للمواطن النوبي، وكثير من الرسوم قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، إلا أنها تحمل عمق التاريخ وأصالته، وثراء المجتمع وعاداته.. مزيج من النخيل والأعلام.. الهلال والصليب والنجوم والمثلثات.. الزهور والفاكهة، المراكب والسمك وأصداف البحر، الحيوانات الأليفة والقوية… عالم يحوي وراءه كثير من الأسرار العميقة حتى وإن يبدو بسيطاً طيباً.
ورش العمل
وعلى هامش المعرض، أقيم عدد من الورش لتعليم الحرف اليدوية من خلال عدد من الجمعيات الأهلية وعلى رأسها «جمعية حرف أهل مصر».
وقد التقت “وطني”، السيدة انتصار صلاح، مدير مركز ايجيبتا للفنون ورئيس جمعية أهل مصر للحرف اليدوية والتنمية الاقتصادية، وأكدت أن المعرض هذا العام به طفرة تختلف عن الأعوام السابقة، من حيث تنوع العارضين وطريقة التنظيم، لافتة إلى أن تنظيم طريقة العرض كانت مبهرة وممتعة للزوار، حيث اهتم المنظمين بتنويع مجالات العارضين في كل قسم، وكذلك وضع التراث النوبي بألوانه المبهجة كضيف شرف للمعرض أضفى روحًا من البهجة، مما جعل الزائر يشعر بالارتياح داخل أجواء المعرض.
وأضافت “انتصار”، أن المعرض هذا العام نظم 14 ورشة عمل للكبار و8 ورش للأطفال، حضرهم عدد كبير، حوالي 90% من المشاركين بها من زوار المعرض والـ10 % الباقين كانوا من العارضين الذين يرغبون في تعلم حرف جديدة.
وساهمت ورش العمل في تعليم مختلف الفنون من «الشموع، الزخرفة، التزيين، النحاس، مكرمية، الجلد، الفسيفساء، الإكسسوارات، الراتينج والتطريز».
ولفتت “إنتصار” أن المشارك بالورشة يحصل على القطعة التي قام بالعمل عليها خلال فترة التدريب.
أكدت “انتصار”، لـ”وطني”، أن المعرض هذا العام حضر إليه زوار جدد كثيرين، فضلًا عن شغفهم بالمعروضات واقبالهم على شرائها.
إعادة التدوير والإبداع
أما مريم عياد –من ذوي الاحتياجات الخاصة-، فهي تشارك في معرض ديارنا منذ 6 سنوات، وتقوم بإعادة تدوير صناديق الرنجة وعصا المكانس (المقشات) وسرج الحصان، فتصنع منهم الشنط والديكورات المنزلية، أشارت إلى أن إقبال الزوار هذا العام على المعرض يختلف عن الأعوام السابقة فهي نسبة كثيفة، وهناك حركة في البيع والشراء.
ويَعتبر إسلام فارس – تصنيع الكليم اليدوي-، معرض ديارنا بوابة مساعدة للوصول إلى المواطنين بشكل مباشر، مؤكدًا حرص عائلته في الفيوم على المشاركة به كل عام. وعلق على نسبة المبيعات التي حققتها منتجاتهم بأنها مُرضية.
النوبة ضيف شرف المعرض
أما عائشة النوبية، فقالت إنها فخورة باهتمام الدولة بأهالي النوبة، وجعلهم ضيف شرف المعرض يعتبر تقدير لهم.
تقوم هذه النسخة من معرض ديارنا على الرقم ٧ أيضا، وهو الرقم النوبي المميز لارتباطه بالعديد من العادات النوبية؛ حيث ينزل المولود لمياه النوبة في اليوم السابع من الولادة، وتمر المرأة عقب الإنجاب ٧ مرات على البخور، ويحتفل النوبيين في 7/7 من كل عام باليوم العالمي للنوبة.
وأضافت “عائشة النوبية”: شاركت في المعرض باسم النادي النوبي، تحت قيادة الأستاذ محمد عدنان، ويقدم النادي النوبي مشغولات نوبية تعكس التراث النوبي من ملابس وإكسسوارات.
ولفتت “عائشة” إلى حرص الزائرين على اقتناء قطع من التراث النوبي، حتى أن البعض طلب شراء الزي الرسمي لأهل النوبة، ولكن لم تحضره للبيع، مشيرة إلى أن هناك عارضين آخرين كانوا يعرضونه.
زوار جدد للمعرض
ويشارك شريف أشرف ابن محافظة سيناء (رأس سدر)، في المعرض بالأزياء السيناوية التراثية، وقال إنه يضع التصاميم ويدير مشروع والدته التي تقوم ورشتها على تعليم حرفة الخياطة والتطريز لـ40 أسرة (سيدات).
ويرى “شريف” المعرض هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة، حيث أن الزوار جدد يتعرفون على المنتجات للمرة الأولى، ولكنه غير راضي عن حركة البيع هذا العام.
ومن جهة أخرى، تميز وليد اللهواني – رسام بالخيط والمسامير- في مشاركته بالمعرض، حيث أنه يقدم فنًا غير معروف لدى الجمهور المستهلك، وعلى الرغم من ذلك حقق أرباحًا عالية جدًا.
وبالنسبة للدكتور محمد درغام أستاذ تكنولوجيا النسيج بكلية الفنون التطبيقية، وأحد المشاركين، فإنه يعتبر مكسب وربح المعرض تطوير الأفكار وليست تحقيق الأرباح.
اقبالًا كبيرً
شهد معرض ديارنا في هذه النسخة إقبالًا جماهيريًا كبيرًا، حيث حقق المعرض أرباحًا تصل إلى 11 مليون جنيه مصري.
وعن تأثير كورونا هذا العام، فكان للهلال الأحمر المصري دورًا كبيرًا في اجتياز هذه المحنة، حيث قامت الفرق بالتعقيم لأكثر من ثلاث مرات يوميًا لأماكن العرض و العارضين والزائرين أيضًا.
من أبرز زوار المعرض في هذه النسخة:- الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، الدكتورة لميس نجم مستشار محافظ البنك المركزي للمسؤولية المجتمعية والدكتور زياد بهاء الدين رئيس مجلس إدارة بنك الإسكندرية، السيد دانتي كامبيوني الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لبنك الإسكندرية، الأستاذة ليلى حسني مدير مكتب المسؤولية المجتمعية والتنمية المستدامة ببنك الإسكندرية، المهندسة نورا سليم المدير التنفيذي لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية، والمهندس أشرف عز الرئيس التنفيذي لكايرو فستيفال سيتي وعدد من ممثلي الوزارة والبنك والشركاء.
نبذة تاريخية
ويعد «ديارنا» أقدم وأعرق المعارض في دعم مجال الحرف اليدوية والحفاظ على الفنون التراثية من الاندثار، ترجع بدايته للاهتمام بالأسر المنتجة لربات البيوت والمتسربين من التعليم، وقد بدأ لأول مرة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1964، ثم استمرت فعاليته ودوراته حتى عامنا هذا. ومكنت هذه النسخة أكثر من ٣٥٠ عارضًا من جميع أنحاء الجمهورية للترويج لحرفهم اليدوية الأصيلة، مما ساهم في خلق فرص بيع مباشرة وفتح أسواق جديدة لهم.
وقد أعلنت السيدة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، التخطيط لتنظيم 25 معرضًا خلال العام الجاري، في حين تم تنظيم 12 معرضًا العام الماضي، مؤكدة حرص الوزارة في الآونة الأخيرة على إقامة معارض للجمعيات التعاونية.