من التهديد الوجودي الى النجاة من الآثار الكارثية، التي ستطال البشرية نتيحة ارتفاع درجة الحرارة، المؤدي إلى تغير المناخ، يبحث العلماء والساسة عن حلول توقف سخونة الأرض، لا أحد يعلم على وجه الدقة متى وكيف تنجح هذه الحلول، فأمام كل حل حجر عثرة، يحول دون التنفيذ في الوقت المناسب، أطلقوا على هذه الحلول مصطلح “إجراءات التخفيف والتكيف” التي تتبناها منظمة الأمم المتحدة بكافة وكالاتها، حتى أن مجلس الأمن عقد جلسة طارئة منذ شهور لمناقشة تأثير التغيرات المناخية على الأمن العالمي.
الحل الأساسي في وجهة نظر العلماء، هو خفض نسبة الانبعاثات التي تصدر عالمياً، لأن زيادتها عن النسب الطبيعية، أبقتها حبيسة في الغلاف الجوي فرفعت درجة حرارة الأرض، والوصول بها إلى ما يسمى صفر انبعاثات، والمقصود هنا بصفر الانبعاثات، هو وصولها للمستوى الذي يمكن للأرض تصريفه خارج الغلاف الجوي، وهو مستوى الانبعاثات في عام 1990، لكن كيف يمكن للدول التي لا تنتج أنشطتها انبعاثات زائدة المساهمة في هذه الحلول فكل دول إفريقيا وفي القلب منها مصر. تقع ضمن هذا التصنيف، الذي يمثل مأزقاً تنموياً وأيضاً تمويلياً.
إنها الحكاية المؤسفة ضمن حكايات دفتر أحوال المناخ، فقد حددت الاتفاقية الإطارية ومن بعدها اتفاقية باريس لتغير المناخ، مسؤوليات مختلفة لثلاث فئات من الدول الموقعة عليها.
وهذه الفئات هي البلدان المتقدمة، وعليها مسؤوليات مالية نحو البلدان النامية. كما أنها ملتزمة بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة ” المسببة للاحتباس الحراري” بشرية المنشأ، بهدف العودة إلى مستويات انبعاثاتها في عام 1990. وبناء على ذلك مطلوب من الدول النامية الفئة الثانية في الاتفاقية، وكذلك الأقل نمواً، الفئة الثالثة، تقديم قوائم جرد وطنية لانبعاثاتها، وحاجتها من تغطية تكلفة التخفيف والتكيف.
للأسف لم تمض الأمور على نحو يدفع للتفاؤل، فلم تلتزم الدول المتقدمة بالوفاء بوعودها نحو الدول النامية، وهي الأكثر تضرراً، وخيبت آمال البشرية، بالرغم من أنها تُنتج النسب الكبرى من الانبعاثات الملوثة عالمياً، لكنها لم تكن آسفة على تقاعسها ذلك، الذي يبدو كما لوكان انتحاراً، فما ذنب الدول الأخرى، سؤال يفرض نفسه، لكنه لن يحل الأزمة.
فالكوكب وحدة واحدة ما ينبعث في أمريكا أو الصين يؤثر في مظلة الأرض كلها، ويدفعنا دفعاً نحو مصير مؤلم، كان على العائلة البشرية أن تتشارك الأعباء والتكاليف، منذ وقت صدور الاتفاقية أي منذ 28 عام، التي تم تعديلها باتفاقية باريس في عام 2015، كان لابد أن يحدث ذلك، وبعدالة، لكنه لم يحدث، والعدالة هنا لا تعني توزيع متساوي للتكاليف، ففي ذلك ظلم بين للدول النامية والأقل نمواً، وإنما تعني العدالة هنا الأنصاف، فمن يتضرر اكثر عليه تحمل أعباء أقل، وتلقي مساعدة أكبر من المسؤول الأساسي عن الانبعاثات، هذه الانبعاثات التي تتمثل في الغازات الناتجة عن الأنشطة البشرية، والمصانع والمدن، والمزارع، وحرق المزروعات، لا أحد بعيد عن هذه الممارسات، حتى الطهي ينتج انبعاثات تساهم في أزمتنا، فهل تتوقف الحياة؟ قطعاً لن تتوقف، فلكل دولة مهمة تقوم بها لخفض الانبعاثات الصادرة عن أنشطتها، حتى يمكن للبشرية الاستمرار، هذه المهمة يمكن إتمامها عبر التوعية والتنوير، مضت بعض الدول النامية في طريقها بقليل من التمويل، وجهود ذاتية ومنها مصر، وتعثرت الدول التي تقع تحت نير الصراعات والحروب، والنزاعات المسلحة، والدول الأكثر فقراً.
طبقاً لتصريحات باتريشيا إسبينوزا، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، وهي الاتفاقية الدولية التأسيسية لعام 1994 بشأن العمل المناخي والتي تم تطويرها مؤخراً في اتفاقية باريس لعام 2015.:”نحن في حالة طوارئٍ مناخية. لدينا بالفعل اتفاقية باريس، والتي تقدم لنا إرشادات حول كيفية الخروج من حالة الطوارئ هذه. لكن التقرير الأخير حول المساهمات المحددة وطنياً، يُظهر أننا لم نقترب في أي مكانٍ من هدف اتفاقية باريس البالغ تثبيت درجة حرارة سطح الأرض عند 1.5 درجة بحلول نهاية القرن. بل اننا امام فاجعة، إذ تأخذنا البيانات إلى أننا بحلول عام 2030 لن نحصل على نسبة تخفيض سوى 1 % وربما أقل من الانخفاض في الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، المؤدية لتغير المناخ ورفع حرارة الارض، فيما يخبرنا العلم بأن التخفيض يجب أن يكون 45%.، أمامنا 10 سنوات فقط. فلا الدول المتقدمة أوفت بنصيبها لدعم الدول الأفقر والمقدر بمائة مليار دولار سنوياً، ولا معظم الدول النامية والفقيرة خفضت من انبعاثاتها.
وتؤكد باتريشيا:” نحتاج إلى زيادة الطموح في ما يتعلق بالتخفيف”تخفيضات في انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية -الصناعية”. ولكن أيضاً ما يتعلق بالتكيف ” وهو تعديل في النظم الطبيعية أو البشرية يهدف خفض الأضرار واستغلال أفضل للفرص المفيدة.نظراً للحاجة الملحّة لزيادة القدرة على التكيف، يقوم العديد من الأطراف الفاعلة في مجال التنمية على الصعيد الدولي بدمج التكيف مع تغير المناخ في الأنشطة الإنمائية. وتساعد الأطراف الفاعلة مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومعهد البنك الدولي البرلمانات في تطوير سياسات سليمة بشأن التكيف مع تغير المناخ. التكيف مع تغير المناخ يعالج قضايا آثار تغير المناخ. ويشير التكيف إلى إتباع سياسات وممارسات تستهدف الاستعداد لآثار تغير المناخ، حيث يتعذر اليوم تقبل تجنب هذه الآثار بالكامل. والتمويل باعتبارها الركائز الثلاث الكبرى لنظام تغير المناخ. رابعاً، يجب ألا نترك أي صوت أو حل. كلُّ شخصٍ لديه دورٌ يلعبه، لذا يجب أن يشارك الجميع. كما يجب أن يستجيب العمل المناخي لتوقعات مجتمعاتنا.
تتفق دكتور ياسمين فؤاد وزيرة البيئة مع باتريشيا وتقول:” سوف تتم مناقشة الهدف العالمي للتكيف وكذلك الهدف الجديد للتمويل، ما تم من تقدم في برامج عمل الهدفين في قمة شرم الشيخ القادمة” وتضيف ياسمين:” علينا مهمة عظيمة وهي ادراج المجتمعات المحلية والتي تتأثر بتغير المناخ، إن التكيف يتطلب تقييم الحالة للحساسية والتعرض للآثار البيئية، حيث ترتبط القدرة التكيفية ارتباطاً وثيقاً بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ومن المرجح أن تكلف التكاليف الاقتصادية للتكيف مع تغير المناخ مليارات الدولارات سنوياً للعقود القليلة المقبلة. كما يمكننا رصد قصص النجاح التي خرجت من تلك المجتمعات للتصدي لآثار تغير المناخ، ليست كل الصورة قاتمة يمكننا تحقيق رفع الطموح إذا وجد الدعم المطلوب لتحقيق ذلك.
وتؤكد ياسمين:” تتضمن الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر محور التخفيف وهو يشمل إجراءات للحد من آثار التغيرات المناخية، كما تتضمن أساليب التكيف مع التغيرات المناخية ما يستدعى دمج المجتمع فى تلك الآليات نظرًا لطبيعة القضايا البيئية التشاركي.
ودمج المجتمع يحتاج أولاً أن يعرف المجتمع، فطبقاً لتقارير وزارة البيئة يمكن للجميع المشاركة في التخفيف، فمثلاً في قطاع النقل يمكن للمواطنين استخدام النقل الجماعي لتخفيف الانبعاثات الناجمة عن احتراق الوقود اللازم لتحريك السيارة، ايضاً استخدام وسائل النقل التي تعمل بالغاز بديلاً عن تلك التي تعمل بالبنزين الذي هو من منتجات الوقود الإحفوري أحد اهم مسببات أزمة كوكبنا. كذلك تغيير أنماط الري، وأنماط استهلاك المياه، لتوفير المياه للزراعة، كبديل لمياه البخر والفقد الذي تتعرض له نهر النيل والبحار بسبب ارتفاع درجة الحرارة.
اللافت للنظر أن الاستراتجية الوطنية لمواجهة آثار التغيرات المناخية حددت اجراء مهم لسكان مخرات السيول، مثل الموجودين في أسيوط وسوهاج والمنيا، والسلوم واسوان، وشمال الدلتا، كمناطق هشة وذلك منذ عام 2011، بسبب ما تتعرض له هذه المناطق من فيضانات جارفة، وسيول مدمرة سنوياً زادت حدتها مع تغير المناخ، وحتى الآن لم تتخذ الحكومة والجهات المعنية اجراء بخصوص السكان في تلك المناطق الهشة، ويتكرر الأمر سنوياً. ولا يستجيب السكان للقيود التشريعية بسبب الضغوط الاقتصادية التي تدفعهم للمخاطرة بارواحهم و البقاء في منازل خطيرة لعجزهم عن اقتناء المنازل الآمنة.
الإجراءات متعددة ومشتبكة مع كافة تفاصيل حياتنا اليومية، فقط ينقصنا الربط بين هذه التفاصيل، وعلاقتها بالتغيرات المناخية حتى يتولى كل مواطن دوره في ابعاد شبح الفناء وتخفيف الآثار والتكيف معها شريطة تلقي الدعم اللازم لتلك الاجراءات من الدول المسؤولة، لأن بناء المرونة والتكيف في أي مكان يصب في مصلحة الجميع، فوفاء الدول الغنية بعهودها تجاه الدول الفقيرة يأتي في مصلحتها أولاً.