على حافة وادي الفناء تقف الكرة الأرضية، ملتهبة، متأهبة، تصارع الإنزلاق، يستشعر العالم سخونتها، ويكتوي بمصائبها، وعلى كل بقعة فيها ضحايا، كوارث طبيعية قضت على حياة مئات الآلاف، وبلاد فوق الفقر تراكمت فيها المجاعات، ونزوح جماعي فاق نزوح النزاعات، شق جفاف الأرض أمان الناس في توفير الغذاء، اختل ميزان المطر، الجميع تحت مقصلة التغيرات المناخية، آثار الجُرم في كل مكان، ذلك الجُرم الذي ارتكبته أيادي من استنزفوا موارد الطبيعة، وأفسدوا توازنها، ورغم التحذيرات عبثوا في مكونات الغازات التي خصصها الله، ليحمي البشر من برودة لن يحتملونها، والتي تدعي غازات الدفيئة، فتحولت لغازات تحبس الحرارة، حتى التهبت الأرض وما عليها وبات الجميع على وشك الهلاك، إن لم يتم تخفيض حجم الانبعاثات المسببة لتغير المناخ.
والمقصود بالغازات الحبيسة، أو ظاهرة الاحتباس الحراري، هو عدم قدرة الأرض على تصريف الانبعاثات الزائدة خارج الغلاف الجوي، وبالتالي الاحتفاظ بها وهذه الغازات مهمتها الأساسية حفظ الأرض في درجة حرارة محتملة للحماية من البرودة الشديدة، لكن زيادتها أدت إلى سخونة الأرض أكثر مما ينبغي، ومما تحتمله، فأعلنت الطبيعة عصيانها، في شكل تحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، أدت بدورها إلى ظواهر وكوارث، هذه التحولات أسماها العلماء التغيرات المناخية.
ويتساءل البعض ما هي الدرجة التي كانت عليها حرارة الأرض سابقًا، فدفتر أحوال تغير المناخ تاريخيًا وعلميًا يؤكد، أنه من دون غازات الاحتباس الحراري سيكون متوسط درجة حرارة سطح الأرض، حوالي (-18) درجة مئوية، أي أن وجودها بالنسب الطبيعية مهم للحياة، لكن المتوسط الحالي يبلغ (15) درجة مئوية، ويسعى العالم بجهود أممية لوقف الارتفاع المتصاعد في درجة حرارة الأرض. ففي دفتر احوال تغير المناخ حكايات لا تنتهي، تلهم العاملين على إنقاذ البشرية كيف يصنعون للناس أطواق النجاة، ويجذبون كوكبنا بعيداً عن حافة وادي الموت الذي تسحبنا تجاهه تغيرات المناخ، وللتاريخ حكايته الأولى.
حكاية التاريخ
تاريخياً.. هذه المرة ليست الأولى لتغير مناخ الأرض، لكنها المرة الأشد اختلافًا، إنها الدورة السابعة عبر التاريخ. فخلال 650 الف سنة مضت، كانت هناك سبع دورات من تقدم وتراجع الأنهار الجليدية، مع النهاية المفاجئة للعصر الجليدي الأخير منذ حوالي 11700 عام، إيذانًا ببداية عصر المناخ الحديث – والحضارة الإنسانية. ترجع معظم تلك التغيرات المناخية إلى اختلافات صغيرة جدًا في مدار الأرض والتي تغير مقدار الطاقة الشمسيةـ وإشعاعها الذي يتلقاه كوكبنا. جاءت العصور الجليدية وولت في دورات دورية لقرابة ثلاثة ملايين سنة، وتقول اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن ثمة دليل قوي على أن تلك التغيرات كانت مرتبطة بالتغيرات الدورية في مدار الأرض حول الشمس، والتي تسمى بدورات ميلانكوفيتش، نسبة لعالم الرياضيات الصربي ميلوتين ميلانكوفيتش الذي توصل إلى هذا التفسير.
وهذه الدورات المدارية تعني أن كميات مختلفة من الإشعاع الشمسي يتم استقبالها على كل خط عرض خلال كل فصل من فصول العام، ولا يزال هناك جدل حول كيفية بداية ونهاية هذه العصور الجليدية، ولكن هناك دراسات تشير إلى أن كمية أشعة الشمس الساقطة في فصل الصيف على القارات الشمالية تلعب دورًا حيويًا: فإذا انخفضت إلى أقل من درجة معينة، فإن الثلج المتكون من الشتاء السابق لا يذوب في الصيف، ومع ازدياد تراكم الثلوج يبدأ الغطاء الجليدي في النمو.
ووفقاً لعمليات محاكاة التغيرات المناخية، تقول اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن العصر الجليدي القادم قد يبدأ خلال 30 ألف عام. وكل عصر جليدي أو دورة جليدية تتبعه دورة بينية أكثر دفئًا. فخلال العصر الجليدي الصغير، شق الجليد طريقه إلى جرينلاند بين عامي 1410 و 1720، وتجمدت القنوات في هولندا، وازدادت الطبقات الجليدية في جبال الألب، وازداد الجليد في البحار لدرجة لم تسمح بوجود ممر مائي مفتوح في أي اتجاه حول أيسلندا في عام 1695. وأعاد نموذج وكالة ناسا إلى الأذهان أثر أشعة الشمس الضعيفة، التي أحدثت تغيرات مناخية إقليمية كبيرة، والبرودة التي أعقبت ذلك في القارات خلال فصل الشتاء.
تقول دكتورة ريهام رفعت استاذ العلوم البيئية بكلية البحوث البيئية، والدراسات العليا جامعة عين شمس، رغم وجود أسباب طبيعية للتغيرات المناخية في الدورات السابقة من التغير، منها التغيرات في كثافة الشمس أو تغيرات بطيئة في دوران الأرض حول الشمس، والتغيرات في دورة المياه في المحيط، إلا أن الأنشطة الإنسانية هي السبب الرئيسي للتغير الحالي، حيث تؤدي الانبعاثات الناجمة عنها إلى تغير تركيبة الغلاف الجوي (مثل حرق الوقود الأحفوري) وسطح الأرض (مثل إزالة الغابات وإعادة زراعة الغابات والتوسع الحضري والتصحر وغير ذلك)، والممارسات البشرية ينتج عنها انبعاثات تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن تزايد الغازات الدفيئة، أي الغازات التي تقوم بتسخين الجو، منها ثاني اكسيد الكربون وبخار الماء، الميثان، الأوزون، وغيرها من الغازات، التي تتزايد انبعاثاتها بسبب الاستخدام المفرط في حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. وتتميز بقدرتها على امتصاص الأشعةِ تحتِ الحمراءِ التي تطلقها الأرضُ فتبقيها حبيسة داخل الغلاف الجوي، وترفع درجة حرارة الأرض، وكلما زادت تساهم في تسخينها، وتعجز الأرض عن تصريفها خارح الغلاف الجوي.
حكاية “ناسا”
مكنت الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض والتطورات التكنولوجية الأخرى العلماء من رؤية الصورة الكبيرة، وجمعوا أنواعًا مختلفة من المعلومات حول كوكبنا ومناخه على نطاق عالمي. هذه المجموعة من البيانات، التي تم جمعها على مدى سنوات عديدة ، تكشف عن إشارات تغير المناخ. ويؤكد باحثو وكالة “ناسا وأن الملاحظات المباشرة لما يتم على سطح الأرض وفوقه، أكدت أن مناخ الكوكب يتغير بشكل كبير. والأنشطة البشرية هي المحرك الأساسي لتلك التغييرات.ويوضح المقطع المرئي المصاحب لهذا الموضوع والصادر عن “ناسا”- عجز الأرض عن امتصاص غازات الدفيئة- أنهم استخدموا بيانات مجموعة متنوعة من الأقمار الصناعية المختلفة، لحساب مدى كفاءة النباتات في امتصاص ثاني أكسيد الكربون.، ويعملون الآن على فهم ما هو قادم، ويحاولون فهم كيف ستصبح الأرض ساخنة في السنوات القريبة القادمة.
الأدلة العلمية
ظن البعض سابقًا أن التغيرات المناخية مؤامرة سياسية، أو توقع بلا قرينة علمية، ثم ما لبست الأمور أن تتضح بالأدلة العلمية التي تعود الى ظهور عينات اللُب الجليدية المأخوذة من جرين لاند، والقارة القطبية الجنوبية والأنهار الجليدية الجبلية الاستوائية، طبقاً لوكالة ناسا “وكالة الفضاء الأمريكية”، تثبت الأدلة أن مناخ الأرض يستجيب للتغيرات في مستويات غازات الاحتباس الحراري. أيضًا تم العثور على أدلة قديمة في حلقات الأشجار ورواسب المحيطات والشعاب المرجانية وطبقات الصخور الرسوبية. تكشف هذه الأدلة القديمة، أحوال المناخ القديم، وأن الاحترار الحالي يحدث بنحو عشر مرات أسرع من متوسط معدل الاحترار الناتج عن العصر الجليدي. كما يتزايد ثاني أكسيد الكربون الناتج عن النشاط البشري بأكثر من 250 مرة أسرع مما كان عليه من المصادر الطبيعية بعد العصر الجليدي الأخير.
الآثار في العقد المقبل
وفقاً للدراسة، التي أصدرها “تشاتام هاوس” -معهد سياسي مقره لندن- والمُعنونة بـ
“ما الآثار المناخية التي يجب أن تثير بالغ قلقنا على المدى القريب”.اعتمدت الدراسة على آراء أكثر من 200 من علماء المناخ، بهدف تقييم المخاطر والآثار المناخية المباشرة التي يجب أن يلتفت إليها صانعو القرار خلال العقد المقبل. فإنه على المدى القريب وبحلول عام 2030 قد يكون العالم محاصرًا بتأثيرات قاسية للتغير المناخي تتجاوز حدود ما يمكن للدول أن تتكيف معه.
وحذرت الدراسة، التي نشرها المعهد العالمي في 19 أكتوبر 2021، من أن المخاطر المناخية مثل الحرارة الشديدة والجفاف والعواصف يمكن أن تؤدي إلى “تأثيرات متتالية” يستطيع الجميع الشعور بها في جميع أنحاء العالم خلال العقد المقبل. منها انعدام الأمن الغذائي ونزوح الناس والصراع داخل البلدان المعرضة للخطر ، مع آثار غير مباشرة على الاقتصاد العالمي. وحذرت الدراسة من أن مسارات تأثير المخاطر تتعلق بأفريقيا أو آسيا، كذلك الهجرة والنزوح في شرق أفريقيا والجنوب الشرقي وشرق آسيا ومنطقة البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى. والأعاصير المدارية في جنوب شرق وجنوب آسيا، والخسائر الناجمة عنها، فضلاً عن الجفاف وفشل المحاصيل وما ترتب على ذلك من نزوح وهجرة من شرق إفريقيا والساحل إلى جنوب أوروبا.، تغير أنماط هطول الأمطار والجفاف الذي يؤثر على سبل العيش والدخل في أفريقيا.
فشل “سلة الخبز”
تضمنت المخاوف التي أبرزها علماء المناخ وغيرهم من المتخصصين تزايد انعدام الأمن الغذائي في جنوب وجنوب شرق آسيا وأستراليا، فضلاً عن انخفاض الأمن الغذائي على مستوى العالم الناجم عن العديد من المخاطر المناخية التي تؤدي إلى فشل “سلة الخبز”.وتقول روث تاونيند إحدى الباحثات المشاركات في الدراسة: “إذا لم نتحرك لمساعدة البلدان الضعيفة على التكيف مع تغير المناخ الذي يحدث بالفعل، وسيستمر في الحدوث، فسنتكبد تكاليف متصاعدة بشكل كبير، هناك مناطق تصدر الحبوب إلى مناطق أخرى وتلعب دورا مهما في استقرار الإمدادات الغذائية، لذلك إذا فشل حصاد دولة يمكنها شراء الحبوب من الخارج وهذا يعني أن الناس لا يعانون من الجوع وأن الآثار محصورة”.
وتابعت روث: “لكن إذا تعرضت مناطق “سلة الخبز” التي تصدر الحبوب، فسيتم سحب شبكة الأمان هذه من المنطقة بأكملها ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة أسعار المواد الغذائية العالمية “.
تغير المناخ والأمن
هناك العديد من نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية تجاه مخاطر المناخ، إذا تركت دون معالجة فإن هذه الثغرات قد تبدأ سلاسل معقدة من التأثيرات التي من المحتمل أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار.، يقول دانييل كويجين، باحث أول في “تشاتام هاوس” والمؤلف الرئيسي للدراسة، إن الافتقار إلى المرونة في القطاع الزراعي، فضلًا عن انتشار الفقر وعدم المساواة في الدول النامية خاصة أفريقيا، سيؤدي إلى تفاقم آثار تغير المناخ وتوجيه التأثيرات المتتالية عبر الحدود.
ويرى أنه بدون المزيد من المساعدات للتكيف والحد من الفقر، قد يؤدي انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرارة الشديدة والجفاف، وتلف العواصف وفشل المحاصيل المتعددة إلى عدم الاستقرار السياسي والصراع وزيادة الهجرة إلى جنوب أوروبا.”.
التمويل .. العهد المؤجل
كل ما جاء في دراسة هاوس يحدث فعليًا الآن لكن بدون دعم الدول الغنية للدول الفقيرة حتى تتمكن من اجراءات التخفيف من آثار التغيرات المناخية، والتكيف معها لا يمكن أن يتم هذا، ومر 11 عام منذ أن قطعت الدول الغنية عهداً لم تفِ به، بتقديم 100 مليار دولار أمريكي على الأقل سنويًّا لتمويل الأنشطة المتعلقة بالمناخ لدعم الدول النامية في التصدّي لتغيُّر المناخ. وحتى الآن فشلت في الوفاء بالتعهدات التي قطعتها في مؤتمر المناخ لعام 2009 في كوبنهاجن. وعادت بالتعهد في قمة المناخ التي انعقدت في جلاسكو في نوفمبر الماضي “cop26”، ( مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية المناخ)، وها نحن في الطريق إلى قمة شرم الشيخ “”cop27 ولم يتغير شيء، بالرغم من النداءات الأممية المتكررة عن الأمم المتحدة التي استخدمت المقولة الشهيرة منذ تفشي وباء كورونا: “لا أحد في مأمن حتى يصبح الجميع بأمان”، معتبرين أن كل ما يتعلق بالمخاطر المناخية على نفس القدر من الأهمية.
وعن أزمة التمويل تقول دكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة:” يشهد العالم مناقشات حول موضعين، أحدهما نمطي حول أن المتسبب فى الانبعاثات هو من يدفع الثمن والمسئولية المشتركة متباينة الأعباء وهذا الحوار قائم منذ سنوات بين الدول المتقدمة والدول النامية ومجموعة العشرين هى السبب فى 80% من انبعاثات العالم ومصر انبعاثتها أقل من 1% وإفريقيا أقل من 4% وبالتالى الدول النامية هى من تدفع الثمن ولم تحقق التنمية.،هذه المناقشات تحدث على مستوى الأحداث الدولية لمؤتمرات المناخ وعلى مستويات تمويل المناخ وعدم وفاء الدول بتعهداتها سواء من ناحية المساهمة في على تخفيف الآثار على الدول الأقل نمواً، أو الشراكة بتكنولوجيات للتكيف وتقوم فكرتها على إقامة مشروعات تخدم الدول النامية وتمنع الانبعاث من الدول الصناعية الكبرى.
وتتابع وزيرة البيئة: “تم العمل على إعداد أول إستراتيجية وطنية لتغير المناخ حتى 2050 متضمنة الأبعاد الخاصة بالتكيف والتخفيف والتمويل والحوكمة والبعد الخاص بالبحث العلمي/ مع ضرورة الربط بين أهداف الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 والأهداف والمحاور الموجودة فى إستراتيجية التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة، فالخطأ الذي تقع فيه الدول النامية بشكل عام، هو عدم اتفاق واتساق السياسات والإستراتيجيات على المستوى الوطني مع الدولي، وهو ما يقلل من المخرجات التى تسعى اى دولة لجني ثمار التنمية منها وضياع بذل جهود الدول على تنفيذ مشروعات قومية.
وفيما يخص مؤتمر تغير المناخ المزمع انعقاده في شرم الشيخ اكتوبر المقبل، “COP27 ” –مؤتمر الأطراف في الاتفاقية المناخية- تقول ياسمين :”هناك شقين لهذا المؤتمر أحدهما خاص بالمسار التفاوضى الرسمي والخروج بتوصيات، وشق غير رسمي وهو ما يحظى باهتمامنا حيث نسمي مؤتمر تغير المناخ COP27 مؤتمر التنفيذ بعد الانتهاء من مرحلة تحويل صياغات اتفاق باريس إلى خطة عمل للتنفيذ.
افريقيا الأكثر تضرراً
يجتمع العلماء والساسة على أن أفريقيا الأكثر تضرراً، في هذا الصدد، أورد تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ويقدّم تقرير حالة المناخ في أفريقيا 2020 لمحة عن اتجاهات تغيّر المناخ وآثاره، بما يشمل ارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان أشهر الأنهار الجليدية في القارة. ويسلّط التقرير الضوء على تأثر أفريقيا الزائد بتغيّر المناخ، ويبيّن أن المنافع المحتملة للاستثمار في إجراءات التكيّف مع المناخ وخدمات الطقس والمناخ ونظم الإنذار المبكر تفوق تكاليفه بكثير.
يقول الأمين العام للمنظمة، البروفيسور بيتيري تالاس، إن مؤشرات المناخ في أفريقيا اتسمت، في عام 2020، باستمرار درجات الحرارة المرتفعة، وتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر، وظواهر الطقس والمناخ المتطرفة، مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية والجفاف، وما نجم عنها من آثار مدمرة. وحذر المسؤول الأممي من أن “الانحسار السريع لآخر الأنهار الجليدية المتبقية في شرق أفريقيا، والتي يُتوقع أن تذوب كليا في المستقبل القريب، ينذر بخطر حدوث تغيّر وشيك ولا رجعة فيه في نظام الأرض”.
وأشار إلى أن الأنهار الجليدية تغطي ثلاثة جبال فقط في أفريقيا، وهي جبل كينيا (كينيا)، وجبال روينزوري (أوغندا)، وجبل كليمنجارو (جمهورية تنزانيا المتحدة). ومع أن صغر حجم هذه الأنهار الجليدية لا يتيح استخدامها لتخزين كميات كبيرة من المياه، فإنها تكتسي أهمية سياحية وعلمية عالية. وتفوق المعدلات الحالية لانحسار الأنهار الجليدية المتوسطَ العالمي.وإذا استمر هذا المنحى،فإنه سيؤدي إلى انصهار جليدي كلّي بحلول أربعينيات القرن الحادي والعشرين. وأضاف أنه من المتوقع أن يزول الجليد عن جبل كينيا قبل ذلك بعشر سنوات، فيصبح بذلك من أول سلاسل الجبال التي تفقد أنهارها الجليدية نتيجة لتغيّر المناخ بشري المنشأ.
وعن ارتفاع تكلفة الإغاثة مقارنة بتكلفة تمويل التكيف مع تغير المناخ تقول جوزيفا ليونيل كوريا ساكو، مفوضة شؤون الزراعة والاقتصاد في المناطق الريفية بمفوضية الاتحاد الأفريقي، إن أفريقيا تشهد تقلّبات متزايدة في الطقس والمناخ تؤدي إلى حدوث كوارث واختلال في النظم الاقتصادية والإيكولوجية والاجتماعية. وبحلول عام 2030، يُقدّر أن نحو 118 مليون شخص في أفريقيا، ممن يعانون الفقر المدقع، سيتعرضون للجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة ما لم تُتخذ تدابير استجابة ملائمة، مشيرة إلى أن ذلك سيضع عراقيل إضافية في طريق الجهود الرامية إلى التخفيف من وطأة الفقر وسيشكل عائقاً كبيرا أمام النمو نحو الرخاء، على حد تعبيرها.، وتُقدّر تكلفة التكيّف في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بما يتراوح بين 30 و50 مليار دولار سنويا، على مدى العقد المقبل، لتجنّب ارتفاع أكبر في تكلفة الإغاثة الإضافية في حالات الكوارث. ، وذلك لتجنّب ارتفاع أكبر في تكلفة الإغاثة الإضافية في حالات الكوارث. ويستلزم تحقيق التنمية القادرة على التكيّف مع تغيّر المناخ في أفريقيا استثمارات في البنى الأساسية التحتية للأرصاد الجوية الهيدرولوجية ونظم الإنذار المبكر من أجل الاستعداد لتزايد الظواهر الخطرة والشديدة التأثير.
تقول السفيرة أمانى أبوزيد مفوض الطاقة والبنية التحتية بالاتحاد الأفريقى:”أفريقيا تتحمل العبء الأكبر من آثار التغيرات المناخية، بالرغم من أنها أقل قارة مُسببة للانبعاثات وأزمات المناخ، فأفريقيا بها فرص هائلة وموارد كبيرة فى الطاقة مثل الغاز والبترول والطاقات الجديدة والمتجددة.، وبالرغم من أن الاتحاد الأفريقي يؤمن بأنه يجب عليه الإسراع من خلال الدول الأعضاء فى برامج الحصول على موارد طاقة، وبسعر معقول للجميع، لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية للقارة الأفريقية، التي يعد نقص الطاقة فىها سبباً للنزاعات، إلا أننا نراعي ونسعى لتحقيق التوازن بين الحصول على الطاقة والحفاظ على المناخ. من خلال الطاقة النظيفة التي تنص عليها أهداف التنمية المستدامة.
وتؤكد أماني :”يمكننا أيضًا الحد من انبعاثات القارة الأفريقية عن طريق علاج مشكلة السرعة الزائدة، للسيارات، فوحدها تحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة تترواح ما بين 7- 12% مما يساهم في الوفاء بالأهداف المتضمنة في أجندة التغير المناخي”.
المخاطر المحيطة بمصر
يقول دكتور سمير طنطاوي، استشاري التغيرات المناخية وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ بالأمم المتحدة، مدير مشروع الإبلاغ الوطني الرابع في مصر:” سوف تتعرض أماكن عديدة في مصر لمخاطر بيئية واقتصادية واجتماعية، أهمها النزوح من المناطق المتضررة، سواء كانت تلك المناطق التي تتعرض للغرق ضمن السناريو المتوقع لغرق أجزاء من الدلتا، أو تلك التي تتعرض للبوار والتصحر بسبب تملح التربة”، ويضيف طنطاوي موضحاً:” تم تحديد المناطق المنخفضة جيولوجيًا في الشريط الساحلي وتقدر مساحتها بحوالي 3500 كم على سواحل البحرين المتوسط والأحمر، والتي تتعرض للقدر الأكبر من المخاطر، بسبب ارتفاع معدلات البخر” الفقد المائي الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة” في نهر النيل وبحيرة ناصر تحديداً. ذلك بخلاف تذبذب الإيراد المطري الذي يؤثر تلقائياً في كل النواحي التي تعتمد عليه.
يضيف سمير:” سوف تتعرض السواحل للتدهور الشديد وهو ما دفع مصر لحماية شواطئ الإسكندرية تحديدًا، بإنشاءات هندسية وحواجز خرسانية، لتخفيف تلاطم الامواج وحماية الشواطئ من التآكل او خروج المياه إلى اليابسة بسبب ارتفاع مياه البحر.
الطعام في خطر
ليست هذه فقط المخاطر وإنما تتعرض مصر لتدهور عنيف في المحاصيل والزراعات التي تمثل خطراً جارفاً على الأمن الغذائي، يقول دكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة:” لدينا دلتا وهذه الدلتا معرضة للغرق. ومن المحتمل غرق ما بين 12-15% من أراضيها فى شمال مصر، هذه الأرض التى تكونت فى الآف السنين تعتبر من أخصب الأراضى على مستوى العالم. هذه واحدة من الأزمات لكن هناك العديد بخلافها، فالأرض التي كانت تحتاج لمقدار معين من المياه لريها سوف تحتاج ربما ضعفه، بسبب تأثير ارتفاع درجة الحرارة، ومع ندرة المياه فنحن أمام مشكلة، إذ يعتمد قطاع الزراعة على الموارد الطبيعية (الأرض والمياه) تحت ظروف مناخ معين وأصناف نباتية معينة، وجميعها تشكل الناتج النهائى للمحصول، لذلك فإن أى تغير في المناخ سوف يؤثر بطريق مباشر أو غير مباشر على باقى العوامل التى تؤثر في النهاية على كفاءة قطاع الزراعة في تحقيق الأمن الغذائى وتوفير الغذاء الآمن صحياً وكذا التأثير على الصناعات القائمة على هذا القطاع والذي ينعكس بدوره على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في مصر.”
وإذا تركنا تقديرات وزارة الزراعة ووجهنا أبصارنا الى “فاو” منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، نجد أن “فاو” أجرت في عام 2021 دراسة حالة في عدد من البلدان منها مصر، حول الزراعة الذكية مناخيًّا، رصدت فيها التهديد المستمر على الزراعة في مصر؛ بسبب تزايد الفجوة بين الموارد المائية المتوفرة والاحتياجات الفعلية، كما أظهرت الدراسة توقعات بانخفاض كبير في إنتاجية القمح، في الفترة ما بين عامي “2012 و2040″ بنسبة تتراوح من 11 إلى 12%، ومن 26 إلى 47% للأرز، ومن 40 إلى 47 % للذرة.وهو ما يعني تهديداً يطال الأمن الغذائي.
والأمر لا يخص مصر وحدها ولكن انعدام الأمن الغذائي يزداد عالمياً – طبقاً لتقارير الأمم المتحدة- بنسبة تتراوح بين 5 و20 نقطة مئوية مع كل فيضان أو جفاف في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وما ينتج عن ذلك من تراجع على صعيدَي الصحة ومواظبة الأطفال على الدراسة قد يؤدّي إلى تفاقم التفاوت في الدخل وأوجه عدم المساواة بين الجنسَين على المدى الطويل. ففي عام 2020، وحده تم تسجيل زيادة قدرها 40% في عدد المتضررين من انعدام الأمن الغذائي عالمياً مقارنةً بالعام السابق. فضلاً عن استمرار الغزو غير المسبوق للجراد الصحراوي الذي كان قد بدأ في عام 2019، في التأثير بشدة في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي في عام 2020.، وهو ما يطيح بالمزروعات.
التفاؤل الساذج
بالرغم من الجهود والقمم التي تنعقد سنوياً بخصوص مواجهة آثار تغير المناخ، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع يبدو أمراً مُغايراً، في وجهة نظر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الذي يقول:” إن الهدف الذي تسعى دول العالم كله للوصول اليه، للحفاظ على البشرية، والمتمثل في حفظ درجة حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة مئوية، يمر بمرحلة حرجة يمكننا اعتباره في “العناية المركزة،” وحذر جويتريش قائلاً:” أننا نسير نائمين حول كارثة مناخية، فالعالم خرج من قمة “جلاسكو” للمناخ ببعض التفاؤل الساذج.فبرغم التقدم الذي تم إحرازه في القمة التي عقدت العام الماضي، مثل الالتزامات التي تم قطعها بإنهاء إزالة الغابات، والالتزامات بتقليل انبعاثات غاز الميثان، وهو من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤدي لرفع درجة حرارة الأرض وبالتالي تغير المناخ، ويشير الأمين العام الى أن المشكلة الرئيسية لم يتم حلها وهي كمية الانبعاثات الهائلة، وتساءل أنطونيو جوتيريش: “كيف يمكننا إبقاء هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد؟ ثم أجاب: “من خلال تسريع التخلص التدريجي من الفحم وجميع أنواع الوقود الأحفوري، وتنفيذ انتقال سريع وعادل ومستدام للطاقة، من خلال احترام التعهد الذي تم قطعه في “جلاسكو” بتعزيز خطط المناخ الوطنية كل عام حتى تتوافق مع 1.5 درجة مئوية. من خلال تحقيق نتائج ملموسة هذا العام بشأن تحالفات المناخ لمساعدة الاقتصادات الناشئة على التخلص التدريجي من الفحم، من خلال الإسراع في إزالة الكربون من القطاعات الرئيسية مثل الشحن، والطيران، والصلب، والأسمنت. ومن خلال حماية الفئات الأكثر ضعفا وضمان التركيز المتساوي على التكيف مع آثار المناخ.
وشدد الأمين العام على أن هذا هو السبيل الوحيد الذي سننقذ به هدف الـ 1.5 درجة مئوية، مشيرا إلى أن الحفاظ على هذا الهدف في متناول اليد يتطلب “انخفاضا بنسبة 45 في المائة في الانبعاثات العالمية بحلول عام 2030 وحياد الكربون بحلول منتصف القرن. هذه المشكلة لم تحل في جلاسكو. في الواقع، المشكلة تزداد سوءًا.”
وفقا للالتزامات الوطنية الحالية، يقول الأمين العام أنه من المقرر أن تزيد الانبعاثات العالمية بنسبة 14 % تقريبا خلال القرن الحالي. “في العام الماضي وحده، زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة العالمية بنسبة 6 % لتصل إلى أعلى مستوياتها في التاريخ. ارتفعت انبعاثات الفحم إلى مستويات قياسية. نحن نسير نائمين نحو كارثة مناخية”،وتحدث عن ارتفاع درجة حرارة كوكبنا بالفعل بما يصل إلى 1.2 درجة مئوية، مشيراً إلى أننا “نرى العواقب الوخيمة في كل مكان.”
نزوح المناخ يفوق نزوح الحروب
“في عام 2020، أجبرت الكوارث المناخية 30 مليون شخص على الفرار من ديارهم بسبب الكوارث الطبيعية و انعدام الطعام والمياه وسبل الرزق- هذا الرقم ثلاثة أضعاف أولئك الذين نزحوا بسبب الحرب والعنف. خلال نفس التوقيت، طبقاً لتقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي تؤكد أن نصف البشرية يعيش بالفعل في منطقة الخطر بالنسبة لتغير المناخ، حيث شهدت أجزاء عديدة من شرق أفريقيا فيضانات واسعة النطاق. وشملت البلدان التي أبلغت عن خسائر في الأرواح أو عن نزوح أعداد كبيرة من السكان، السودان، وجنوب السودان، وإثيوبيا، والصومال، وكينيا، وأوغندا، وتشاد، ونيجيريا (التي شهدت أيضاً موجة جفاف في جزئها الجنوبي)، والنيجر، وبنن، وتوغو، والسنغال، وكوت ديفوار، والكاميرون، وبوركينا فاسو. وقد بلغت بحيرات وأنهار عديدة مستويات عالية قياسية، بما في ذلك بحيرة فيكتوريا في مايو، ونهر النيجر في نيامي، والنيل الأزرق في الخرطوم في سبتمبر.
كما شهدت مصر موجات من السيول أدت في عام 2020 الى غرق قرية درنكة بأسيوط، وموت المئات، وانهيار وتصدع آلاف المباني في محافظتي أسيوط والمنيا فنحو 6000 مبني، كما دمرت السيول آلاف الأفدنة من الأراضى الزراعية.بسبب ارتفاع مستوى المياه في النيل الذي وصل حتى دلتا النيل في القاهرة واغرق كنيسة السيدة العذراء بالمعادي.
أما عن النزوح، فطبقاً للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشير التقديرات إلى أن 12% من حالات النزوح السكاني الجديدة في العالم حدثت في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، حيث سُجلت أكثر من 1.2 مليون حالة نزوح جديدة بسبب بالكوارث ونحو 500 ألف حالة نزوح جديدة بسبب النزاعات. وكان للفيضانات والعواصف، ومن بعدهما الجفاف، الدور الأكبر في النزوح الداخلي بسبب الكوارث.
قضية أمن عالمي
من جانبها تؤكد الناشطة السودانية الشابة، نسرين الصائم رئيسة الفريق الاستشاري المعني بتغير المناخ.:”آثار الأزمات السياسية في الدول ذات الصراعات تكون أكبر عندما تُضعف الهشاشة وتفقد آليات المواجهة، حيث يعتمد الناس على رأس المال الطبيعي مثل الغابات والمناطق الثرية بالأسماك لكسب الرزق، فتغيّر المناخ يقلل المحاصيل الزراعية ويدمّر البنية التحتية ويشرّد المجتمعات ويؤدي إلى تفاقم مخاطر انعدام الاستقرار، والصراع”. ففي أفغانستان ، مثلاً، يعمل 40% من القوى العاملة في مجال الزراعة، سيؤدي انخفاض المحاصيل إلى الفقر وانعدام الأمن الغذائي، ويتركهم عرضة للتجنيد على يد العصابات الإجرامية والجماعات المسلحة.وفي غرب أفريقيا ودول الساحل، يعتمد أكثر من 50 مليون شخص على تربية المواشي للبقاء على قيد الحياة. وساهم التغير في أنماط الرعي في تنامي العنف والصراع بين الرعاة والمزارعين.
في دارفور، قلة الأمطار والجفاف المتكرر يؤديان إلى زيادة انعدام الأمن والتنافس على الموارد. والتداعيات مدمرة بشكل خاص على النساء والفتيات، اللائي يُجبرن على السير لمسافات أطول لجلب المياه، مما يعرّضهن لمخاطر أكبر من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي هذه عينة من الصراعات، ونتائجها التي بدأت بالفعل في دول الجوار.
وتشير نسرين الصائم، إلى أن مجلس الأمن أصدر في عام 2018 قراراً بشأن السودان يتعلق “بالاعتراف بالتداعيات السلبية لتغير المناخ والتغيرات البيئية والكوارث الطبيعية من بين عوامل أخرى على الوضع في دارفور بما في ذلك من خلال الجفاف والتصّحر وتدهور الأراضي وانعدام الأمن الغذائي، فالحالات الطارئة المرتبطة بالمناخ تتسبب باضطرابات كبيرة في الوصول إلى الصحة والخدمات المنقذة للحياة وفقدان مصادر الرزق.
ووجهت نسرين رسالة إلى مجلس الأمن: ” أنا كشابة، واثقة من أن الشباب هم الحل. أعطونا المزيد من المساحة اصغوا لنا وأشركوا الشباب. نحن الحاضر ولدينا المستقبل.. أوقفوا الصراعات عبر وقف تغير المناخ أعطونا الأمن وأمنّوا المستقبل”..
وكان جون كيري، المبعوث الأمريكي الخاص لتغيّر المناخ، قد صرح سابقاً عن أن قضية المناخ بلا منازع هي قضية مجلس أمن. الأمر الذي دفع الولايات المتحدة مؤخراً الى التعهد المناخ، بالوصول الى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 باعتبارها أكبر شريك للصين في إطلاق الانبعاثات في العالم.
المقاطع المرئية مأخوذة عن: وكالة ناسا، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية
ترجمة وصوت: حنان فكري