ها قد فعلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبدأ غزو أوكرانيا ولو بصيغة جديدة مبتكرة خدع بها كل الغرب باعترافه بجمهوريتي الشرق الأوكراني اللتين تمردتا علي حكومة كييف منذ سنين, وهما دونيتسك ولوهانسك.. ومن الطبيعي أن يوقع مع الجمهوريتين الوليدتين اتفاقية تعاون مشترك بما فيها الشق الأمني والدفاع المشترك, وبالتالي تدخل القوات الروسية المرابطة لأسابيع علي حدود أوكرانيا دون خجل. ويكون بذلك بوتين قد مزق اتفاقية مينسك 2,1 عامي 014, 2015 علي حد تعبير المراقبين.
برغم وصول حجم القوات الروسية علي حدود أوكرانيا وفي بيلاروسيا إلي 190 ألف جندي مسلحين بأحدث ما أنتجت الترسانة العسكرية الروسية من أسلحة تقليدية متقدمة, إلا أن الغرب لم يكن يفهم شيئا من خطط بوتين وظنوه يناور بجمع القوات بأمل الحصول علي ضمانات أمنية بعد أن تمرد حلف الناتو وبات قاب قوسين أو أدني إن سمح لأوكرانيا بدخول عضوية الحلف.
خيبة أمل أصابت المعسكر الغربي, فقد شهد العالم دبلوماسية مكوكية قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس. وحتي الساعات القليلة التي سبقت إعلان بوتين الاعتراف بالجمهوريتين لم يكن ماكرون أو شولتس يعلمان بحقيقة ما يدور بخلد بوتين!!
بدأت الخطوة منذ أيام, حيث بدأت الشاحنات في نقل آلاف السكان بشرق أوكرانيا, خاصة كبار السن والنساء والأطفال, وتعتبر روسيا سكان الجمهوريتين مواطنين من أصل روسي. وهذا ما تضمنه خطاب بوتين المطول مساء الاثنين الماضي وأسهب فيه عن منشأ قيام دولة أوكرانيا وأنها بالأصل روسية منذ أوائل القرن الماضي إبان روسيا الشيوعية.
الكل أصيب بالصاعقة بالمعسكر الغربي من فشل توقع الخطوة التالية لبوتين, وفي المقدمة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي انشغل مرات بتحديد يوم الغزو وبالعقوبات الاقتصادية التي تنتظر روسيا إن أقدمت علي ابتلاع أوكرانيا. أما الرئيس ماكرون فكان حالما بتحقيق هدف تفكيك الأزمة علي يديه وصنع مستقبل سياسي يحلم به, فالعالم يقف علي شفا حرب عالمية ثالثة لا محالة إن لم تتدخل الدبلوماسية.
الآن من حق الدب الروسي أن يبتلع نحو ثلث أراضي أوكرانيا وبالفعل دخلت قوات روسية لأراضي الجمهوريتين تحت مسمي قوات حفظ السلام.. فماذا يفعل الغرب؟..
مجريات الأحداث تشير إلي أن الغرب والناتو يتجنبان أي مواجهة عسكرية. حتي القوات التي تم نقلها جوا لا تزيد علي ثلاثة آلاف جندي ومحدد لها الدول المتاخمة لأوكرانيا تجنبا لمواجهة عسكرية.
فقط العقوبات الاقتصادية هي التي تتصدر مواجهة الدب الروسي ولا غيرها. وإن كان بوتين أعد العدة لمجابهتها عبر الاتفاق الضخم مع الصين بصفقة الغاز الهائلة بصرف النظر عن توقف الغاز الروسي لأوروبا من عدمه.
إذن لا أحد بمقدوره التنبؤ بالخطوة التالية للداهية فلاديمير بوتين .. هذا ما يجمع عليه المراقبون للأحداث, فالرجل أقسم بأن يعيد المجد لروسيا بلم شتات الاتحاد السوفيتي السابق وإعادة عالم القطبين وحرمان واشنطن من عالم القطب الأواحد.
هل تنفرج الأزمة التي تعد الأولي من حيث الخطورة بين القطبين بعد أزمة الصواريخ الكوبية في عام ..1962 أم أن الأحداث سوف تتلاحق ولا يعلم أحد مداها؟!.. الأيام القادمة تفصح عن المكتوم.