خلصت جلسة ” سياسات النمو بعد الازمات “، بالمؤتمر السنوي ٢٨ لمنتدى البحوث الاقتصادية ERF ، إلى أنه فى ظل التطور التكنولوجى المتلاحق، لم يعد ممكنًا الاعتماد على التصنيع لخلق فرص عمل، على النحو الذى كان من قبل ، بل أنه لامناص عن ربط سياسات النمو فى الدول النامية والناشئة والغنية بسياسات العدالة الاجتماعية.
هذا وقد حاولت الجلسة الإجابة على الأسئلة الأساسية المثارة بالمنطقة والعالم فى الوقت الحالى ، حول ماهى الإصلاحات المطلوبة لتحسين هيكل ومرونة اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، وما هى النماذج التنموية البديلة للمنطقة لتعزيز التصنيع والتحول الهيكلى ؟ وكيف يُمكن دمج التحول الرقمى ورؤى مواجهة تغيرات المناخ فى تصميم نموذج اقتصادي كلى جديد للدول النامية؟.
قام بترأس الجلسة وتنسيق أعمالها ، الدكتور حسن حكيميان أستاذ الاقتصاد ومدير قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة والأستاذ الفخرى بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن.
وكان المتحدث الرئيسى هو الدكتور دانى رودريك أستاذ الاقتصاد السياسى الدولى بمؤسسة فورد و كلية جون كينيدى جامعة هارفارد ،والمعلقون الرئيسيون كل من الدكتور إبراهيم البدوى المدير العام لمنتدى البحوث الاقتصادية والدكتورة مارى قعوار وزيرة التخطيط السابقة بالأردن ،والدكتور عاطف قبرصى الأستاذ بجامعة مكماستر.
تحدث دانى رودريك عن مستقبل استراتيجية التنمية فى ظل دورة تحول واضحة فى الاقتصاد العالمي، ووجوب أن يتم سلوك طريق مختلف عن التقليدي، الذى كان يشمل أنشطة الزراعة والصناعة والخدمات، وإدارتهم بطرق ليست معقدة، مع متابعة تحول العمال من الزراعة إلى الصناعة وتحويل القطاع غير المنظم إلى منظم بقدر المستطاع، مؤكداً أنه حدث اختلاف كبير أبرزته تجربة الصين فى تحركها إلى اقتصاد القيمة المضافة الأعلى بإستخدام التكنولوجيا والرقمنة ، ما فرض إعادة مناقشة التصنيع ودوره فى التشغيل فى الدول النامية والبحث عن أين يُكمن النمو الاقتصادي ذى القيمة العالية والقدرة التنافسية الكبيرة
وأكد “رودريك” أن هناك أساسيات لا غنى عنها فى أى استراتيجية تنمية ومتطلبات تشريعية وسياسية وإطار للاقتصاد الكلى وإجراءات لتشجيع الاستثمار مع رأس مالى بشرى وهو جوهر التنمية ، لكن مع الأساسيات لابد من سياسات مختلفة وبنية تحتية حديثة ، وإحداث تغيرات هيكلية للتحول إلى نمط التصنيع ذات القيمة المضافة العالية .
وأكد أن مستويات التوظيف فى الصناعة تنخفض الآن فى بلد متقدم مثل كوريا الجنوبية، وكانت قد بلغت حدها الأقصى وهو ٢٨ % ،منذ سنوات ، أى أقل من الحد الأقصى فى دول الموجة الأولى الصناعية ببريطانيا وأوروبا وأمريكا، التى كانت تصل إلى ثلث قوة العمل وأكثر، و الآن ففى فيتنام تقدربـ ١٣% رغم أنها بلد تُبلى بلاء حسنا، أى أن المسار التاريخى لاسهام الصناعة فى فرص العمل هبوطى ، وقال : التصنيع كثيف العمالة قد يمتص عمالة كثيرة لكنه ينتج سلعًا غير قادرة على المنافسة وتنخفض فيه رويدًا أجور العمال، ويقل أيضا خلقه للفرص نتيجة تراجع منتجاته فى السوق ، وفى المقابل إن أى دولة فى العالم المتقدم يُمكن أن يتجاوز إسهام الصناعة فى العمالة فيها عن ٢٠ % ،و السبب واضح وهو التحول التكنولوجى المستمر ، واختم بأن الظواهر الاجتماعية الشاذة والعنف وعودة اليمين مرتبطة على نحو ما بهذا الأمر، وبنبرة متفائلة قال إنه يمكن عمل طفرات فى التكنولوجية المتقدمة الصديقة للعمالة ، ويلزم لذلك اجندة إبتكار عالمية محورها تكنولوجيا تكمل دور البشر ولا تزيحه ، وقد أصبح الشمول الاجتماعى مهمًا حتى فى الدول المتقدمة أيضًا.
وعقب الدكتور إبراهيم البدوى المدير العام لمنتدى البحوث الاقتصادية بأنه فى ضوء تطورات دورة الإنتاجية ودورة العمالة ، فإن الدرس المستخلص هو أن النمو وسياسات الحماية الاجتماعية يجب ألا يفترقا، وقد راينا فى إحدى الدول العربية التى بذلت حهودًا فى سبيل الحصول على مكانة فى سلسلة القيمة فى التصنيع الحديث ، أن ذلك لم ينجح فى تحسين المؤشرات المحلية وتلهبكلية، وخلق فرص العمل الكافية، وهذا يؤكد أهمية الحماية الاجتماعية فى مختلف الدول، لمواجهة عدم النجاح هذا، بغض النظر عن مستويات تطور التصنيع بها ، ودعا إلى تصنيع الزراعى وإنشاء مناطق ومدن للتصنيع الزراعى لأغراض التصدير، وإبرام اتفاقيات مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى .
وأكد الدكتور إبراهيم البدوى على أن تنويع الاقتصاد وإيلاء أكبر عناية بالتعليم والتدريب و خلق نوع جدبد من السياسات التصنيعية وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم دور القطاع الخاص الإبتكارى، منوهاً أن البحوث تؤكد وجود علاقة واضحة بين الإندماج فى سلاسل القيمة والتكنولوجيا و الإرتباط بالصادرات وإجمالى الناتج، وعندما يكون هناك مكون تصديرى جيد فإنه يُخفف من أثار انخفاض النشاط الاقتصادي، لكن لأبد من وجود قيمة مضافة حقيقية ، وقال: إننا لن نتمكن من تخفيض عملاتنا أكثر لنحصل على الرفاهية، وهناك فى النهاية حدود لخفض العملة، وعلينا دائما مقارنة أنفسنا بغيرنا .
أضاف المدير العام لـ ” منتدى البحوث الاقتصادية “: وجدت الدكتورة نهى إسماعيل وأنا ، أنه لكى تلعب الزراعة دورها يتعين ان يكون هناك إمكانية لبناء سلاسل قيمة فى الزراعة بالاستثمار الراسى فى رأس المال البشرى وبسياسات ضريبية مدروسة، جنبًا إلى جنب مع الاستثمار المادى فى التوسع والإصلاح وإنشاء تعاونيات حديثة ونظم زراعة تعاقدية ويفتح كل ذلك مواضيع جديدة للبحوث الاقتصادية.
وقالت الدكتورة منى قعوار إن التغيرات فى مجال دور كل من الدولة والقطاع الخاص تتطلب أيضًا أن نتساءل عن مدى جرأة القطاع الخاص، والجماهير المستفيدة من نشاطه، وسياسة الحماية بالدولة، والبيروقراطية والعقبات التى تقف فى طريقه، مؤكدة أن التغير التكنولوجي يخلق اقتصادًا سريعًا للغاية وسوق فيها استقطاب، ويوجد شكل جديد من عدم المساواة ، فى كل دولة وفى العالم كله، ويًضاف إلى ذلك عندنا تفاقم مشكلة نقص الغذاء اضافة إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية سابقة .
وأكدت وزيرة التخطيط السابقة بالأردن على أهمية التعاون الدولى وتعددية النظام الدولى ، للنمو ولعالم أكثر عدالة ، لكن التعاون الدولي محل تهديد الآن بسبب الحروب والاتفاقيات الثنائية وتغليب عنصر الأمن القومى وعجز المؤسسات الدولية ، وقلة التمويل ،و احتكار اللقاحات وتفشى التمييز.
من جانبه أكد الدكتور عاطف قبرصى أن إشكالية عدم استطاعة خلق فرص عمل كافية اعتمادًا على التصنيع وحده أو الخدمات وحدها، أصبحت شديدة الوضوح وأشار إلى أن النمور الآسيوية خرجت من ذلك بالاستثمار فى التعليم والتدريب واستغلال الأسواق الخارجية وإزالة المعوقات أمام التصنيع المحلى والإفادة من الإستقرار الاجتماعى والاقتصادي ، أوضح أننا بحاجة فى المنطقة والعالم إلى تنظيم الأسواق لتعمل بعدالة وتشجيع من الدولة ليحدث التحول إلى نمط التصنيع الجديد، ونوه إلى أهمية الطلب الكلى والإستقرار الكلى وضرورة ألا نفقد مجموعات اجتماعية أثناء الإنتقال ، ونحتاج أيضُا لحضانات أعمال ومنشات من نوع مختلف تخلق فرص عمل جيدة أو لم تكن موجودة ومعها التعليم الذى ينتح العمالة المناسبة، ونحتاج إلى أن نتشارك الموارد والفرص واحترام المناخ والثروة الطبيعية ، وإدراك أنه لم يعد يمكن المجادلة فعلاً فى وجوب إرتباط سياسات النمو بسباسات العدالة الاجتماعية، والتصدى للأمور المزعزعة بأن نعمل معًا كعلماء اقتصاد مع علماء الزراعة والبيئة والاجتماع والصحة ، وأن نتواضع ونطرح أسئلة جديدة .