أصدرت وحدة السياسات العامة بمركز جسور للدراسات الإستراتيجية ورقة سياسات بعنوان “الأمن الغذائي في مصر.. بين التحديات والمواجهة”، أعدتها الباحثة “نورهان نبيل” تحت إشراف ومراجعة رئيس وحدة السياسات العامة نائب رئيس المركز “عبد الناصر قنديل” وناقشت الورقة قضية الأمن الغذائي المصري، باعتبارها من القضايا الاستراتيجية الحيوية المرتبطة بالأمن القومي للدولة.
ركزت الورقة على توضيح المفاهيم الأساسية المتعلقة بالقضية كمفهوم الأمن الغذائي، مفهوم انعدام الأمن الغذائي، مفهوم الاكتفاء الذاتي، ومفهوم الفجوة الغذائية، ثم انتقلت الورقة لتوضيح وضع الأمن الغذائي في مصر بالتركيز على أهم المحاصيل الغذائية باعتبار أن القطاع الزراعي هو المصدر الرئيسي في توفير الغذاء للسكان، لذلك تم التركيز على القمح باعتباره المحصول الأول في الغذاء المصري، بالإضافة إلى الذرة الشامية والأرز والفول البلدي، وتم توضيح نسبة الفجوة الغذائية في كل محصول، وأسباب هذه الفجوة، وكيف تتعامل الدولة مع هذه الفجوة.
وبعد ذلك، أوضحت الورقة أبرز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي بشكل عام والأمن الغذائي بشكل خاص، وتتمثل في: التعدي على الأراضي الزراعية، السياسة المائية الزراعية فضلًا عن أزمة النهضة، التغيرات المناخية، ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الزراعية، سوء عمليات التسويق والبنية الأساسية في التخزين، والزيادة السكانية.
وفي هذا السياق، تطرقت الورقة لجهود الدولة في مواجهة هذه التحديات لتأميم الأمن الغذائي، وذلك من خلال:
أ. مواجهة التعدي على الأراضي الزراعية، عن طريق: تكثيف جهود إزالة التعدي على الأراضي حيث: تم تكليف المحافظين والمسؤلين لمواجهة عمليات التعدي وكان آخر ذلك تكليف الرئيس “عبدالفتاح السيسي” للمحافظين ووزارة الداخلية لإزالة كافة التعديات على الترع والأراضي الزراعية أثناء افتتاح محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر يوم 27/9/2021، فضلًا عن تغليظ عقوبة التعدي على الأراضي الزراعية وإنشاء فروع للمتغيرات المكانية، وإنشاء المشروعات القومية حيث: قامت الدولة بإنشاء عدد من المشروعات القومية، وذلك عن طريق التوسع الأفقي من خلال التوسع في الأراضي الجديدة في ضوء الموارد المائية المتاحة مع تنويع مصادرها، والتوسع الرأسي من خلال أصناف عالية الإنتاجية وممارسات زراعية حديثة، ومن أهم هذه المشروعات: مشروع المليون ونصف فدان، مشروع الـ100 ألف فدان صوب زراعية، مشروع توشكى، ومشروع الدلتا الجديدة.
ب. تعزيز الأمن المائي حيث: اعتمدت الدولة في مشروعاتها القومية الزراعية على توفير مياه نهر النيل ورفع كفاءة استخدام المياه، من خلال إنشاء وتطوير العديد من محطات الصرف الصحي وعمل سحارات ومعالجة مياه الصرف الصحي والاعتماد على المياه الجوفية، واستخدام بدائل للري بعيدًا عن نهر النيل.
ج. مواجهة الغيرات المناخية حيث: تنبهت الحكومة لتحديات تغير المناخ التي تؤثر على المحاصيل الزراعية والموارد المائية، وانعكس ذلك في رؤية مصر 2030، وذلك بإنشاء اللجنة الوطنية للحد من مخاطر الكوارث بمركز معلومات مجلس الوزراء، وإنشاء مركز للتنبؤ بالأرصاد الجوية والتغيرات المناخية، وتشكيل المجلس الوطني المصري للتغيرات المناخية.
د. التعامل مع أزمة الأسمدة حيث: أصدرت الحكومة توجيهات بإلزام الشركات بتفعيل بند توفير 55% من إنتاجها للجمعيات الزراعية لتوفير المقررات المطلوبة للمستحقين، وتقرر حرمان شركات الإنتاج من شهادة التصدير كإجراء عقابي ضد غير الملتزمين، كما تبنت وزارة الزراعة منظومة إلكترونية “كارت الفلاح” لتوفير مستلزمات السماد ووصول الدعم لمستحقيه، كما أن مصر حققت شوطًا كبيرًا لتوفير بدائل تسميد تساهم في تحقيق التوازن بين كميات السماد المطروحة، وتخفف حدة الإقبال على السماد الكيماوي، على رأسها تبني إستراتيجية متكاملة للتوسع في الزراعات النظيفة باعتبارها غير شرهة لاستخدامات السماد.
هـ. التعامل مع الفاقد التسويقي وذلك من خلال: رفع السعة التخزينية لصوامع الحبوب، وتكوين شبكة تجارة داخلية أقوى.
و. الزيادة السكانية حيث: توسعت الدولة بشكل أفقي في الأراضي الزراعية من أجل توفير الغذاء لكل مواطن واستيعاب الزيادة السكانية الفائقة، وفي الوقت نفسه تحاول التوعية بأهمية تحديد النسل.
ولكي تحقق جهود الدولة المبذولة نتائج أفضل في تحسين وضع القطاع الزراعي وبالتالي الأمن الغذائي، يمكن النظر في بعض الأمور، وهي كالأتي: تفعيل قانون الزراعة التعاقدية الصادر عام 2015: يعتبر التسويق من أهم المعوقات التي تواجه الإنتاج الزراعي والنهوض به، كما أنه يُعد السبب الرئيسي وراء عزوف المزارعين عن زراعة بعض المحاصيل حيث يعاني الفلاح من عدم قدرته على بيع حاصلاته الزراعية، نتيجة لعدم وجود منظومة متكاملة للتسويق مما يجعله فريسة لاستغلال وجشع التجار، كما يعمل قانون الزراعة التعاقدية على عودة الدورة الزراعية بصورة أخرى، التزام الدولة بنص المادة 29 من الدستور: تنص المادة في جزء منها على شراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وذلك بالاتفاق مع الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية، زيادة الاهتمام بالبحوث الزراعية: خاصة المتعلقة بإنتاج وتطوير الأصناف المتأقلمة مع التغيرات المناخية، والأصناف المقاومة للملوحة والأصناف المقاومة للحرارة والأصناف قصيرة المكث والأصناف الموفرة للمياه والمقاومة للجفاف، العمل على تغيير الثقافة الغذائية السائدة: حيث يعتمد الشعب المصري على القمح بشكل أساسي في غذاءه، تعزيز التكامل الاقتصادي العربي: وذلك بالتنسيق بين السياسات الاقتصادية وتنشيط العمل العربي المشترك خاصة في الميدان الزراعي وخلق سوق عربية مشتركة.
وفي النهاية يتضح أن الدولة المصرية تبذل جهودًا حثيثة من أجل حماية الأمن الغذائي، وجاءت أبرز هذه الجهود في القطاع الزراعي، حيث أن قطاع الزراعة وما يلحق به من أنشطة إنتاج حيواني وداجني وسمكي، يُعد المصدر الأساسي للغذاء، ولمدخلات القطاع الصناعي، كما أظهرت تداعيات جائحة فيروس كورونا الأهمية البالغة التي يحتلها قطاع الزراعة، حيث ساهم في الوفاء بالاحتياجات الغذائية للمواطنين دون ظهور اختناقات في الأسواق جراء تقلص تدققات الواردات تأثرًا بالجائحة، كما أنه يمكن توضيح أن مصر تحقق أمنها الغذائي بشكل نسبي.