لو فكر كل إنسان قبل أن يتكلم لساد العالم الصمت, هكذا تكلم أحد الفلافسة عن ضرورة وأهمية أن نفكر قبل أن نتكلم, وهنايعرض الفيلسوف مشكلة كبيرة منتشرة في العالم ألا وهي الكلام بدون تفكير, وهذه الظاهرة منتشرة بكثرة في المجتمعات الشرقية وبالأكثر في مجتمعنا, فمعظم الناس تتكلم في كل الموضوعات وفي أي موضوع دون أن تكون متخصصة في هذا الأمر أو حتي تعرف عنه القليل من المعلومات, فالأغلبية منا توصف بأنها أبو العريف.
وأبو العريف هو شخص موجود في وسطنا دائما, وهو دائما يتكلم في كل شيء, ولابد أن يدلوا بدلوه في كل مجال, فها هو يعطيك وصفة طبية لمرضك, ومرة أخري ينصحك نصيحة قانونية, ويبدي رأيه سياسيا واقتصاديا ودينيا, ويصول ويجول ويملأ الدنيا كلاما. أما كلمة (لا أعرف) فهي غير واردة في قاموسه, فهو يعرف كل شئ عن كل شئ!. وهذا هو المستحيل بعينه. لكن عن مثل هذه الشخصية يعتقد أنه يمتلك المعرفة المتعددة. وليس شرطا أن يدرس أو يتخصص.
جميعنا قابلنا مثل هذا الشخص المنتشر في المجتمع, وجميعنا يتندر عليه, بأنه يفتي في كل شيء وبدون علم. فمن يتكلم في مجال غير مجاله بل في جميع المجالات نطلق عليه أنه يفتي, أي يدعي العلم والمعرفة, أو يأتي بأفكار ومعلومات غير واقعية وغير منطقية وغير علمية, وغير صحيحة, أيضا يطلق علي هذا الشخص لفظ أبو العريف, أي مدعي المعرفة هكذا كان التوصيف سابقا. أما الآن ومع انتشار السوشيال ميديا, تغيرت المسميات وانتشر بين الشباب ألفاظ غريبة, منها أن فلانا هذا (يهبد) وهو نفس دور أبو العريف قديما, و(الهبد) هو حديث مبالغ فيه وغير منطقي وغير صحيح, وفي غير موضعه ودون دراية أو فحص أو تخصص.
ولكن المثير في الأمر أن هذا اللفظ انتشر بطريقة غير عادية, وأصبح مصطلحا متعارفا عليه, للدرجة التي تشعر معها أن هذا المصطلح هو من لغتنا, أو من هويتنا وأننا تربينا عليه كمروث شعبي. مع العلم أن هذا غير حقيقي, ولكن لانتشاره السريع جدا وخاصة بين الشباب جعله يتصدر الألفاظ المتداولة بيننا.
وعن هذه الظاهرة,تري الدكتورة صافيناز عبد السلام استشاري الطب النفسي, أن الاهتمام بمثل هذه الكلمات نوع من أنواع ملء الفراغ الذي يعيشه الكثير من الشباب. ولكي تعرف مدي انتشار هذا المصطلح, استمع لأحاديث الشباب أو تابع السوشيال ميديا, واقرأ البوستات الساخرة, وستجد أن أكثر لفظ منتشر هو (الهبد).
ولقد تناول أحد البرامج ظاهرة (الهبد) وسخر منها وكيف أننا أحيانا ننساق وراء مجرد كلمات وإشاعات تخرج من أناس غير متخصصين, وكلامهم غير علمي وغير منطقي أنما هو نوع من الهبد. وأيضا هناك صفحات علي الفيس بوك بأسماء مشتقة من هذا المصطلح, بل هناك أغنية اسمها هبد. بل وفي المسلسلات التليفزيونية ينتشر هذا اللفظ ونتعامل معه علي أنه لفظ عادي, وأكثر من ذلك قدمت المذيعة سالي عبد السلام برنامج (بطل هبد) من خلال محطات راديو شركة النيل للإذاعة, في 30 حلقة طوال شهر رمضان عن أهم الهبد عبر التاريخ.
وبين أحاديث الأوساط العلمية,عندما يجدون شخصا يفتي فيما لا يعرف في غير تخصصه, أو يسوق حديثا غير منطقيا, وليس علميا وصعب حدوثه, فأنهم يتندرون بمصطلح (هبدلوجي), فكما أن هناك علوما كثيرة مثل الفسيولوجي علم وظائف الأعضاء, أو الأنثربولوجي علم الإنسان, أصبح لدينا الآن من قبيل السخرية والأسي علم (الهبدلوجي).
ورغم تحفظنا علي انتشار تلك الكلمات, إلا أن ظاهرة الهبدلوجي تستحق منا وقفة للتفكير, فالأمر أصبح شيئا جدا, فليس لدينا الآن ثقافة التخصص, كما نفتقر إلي أسلوب التفكير العلمي السليم, ومستوي الثقافة متدن, والمعرفة سطحية, كل هذا يجعل الكثير من الشعب يسرع لإبداء رأيه بأي شكل دون أي حرج, مع أنه لو فكر فيما يقول لصمت دائما.
نحتاج أن نعرف أننا لو سئلنا فيما لا نعرف نجيب بأن هناك من هو أكثر مني معرفة, أو نسأل متخصصا في هذا الشأن, أو تجيب بأني لا أعرف, وهذا لا يقلل من قيمتك, بل بالعكس, ستكون موضع احترام, ولك أن تعرف عزيزي القاريء أن هناك كثيرا من العلماء والمفكرين عندما كانت تعرض عليهم مسائل لا يعرفونها, كانوا يجيبوا بأنهم لا يعرفون, أو يحيلوا الأمر لأخر أكثر منهم معرفة, أو يطلبوا فرصة للبحث والدراسة.
لذ جيد أن نرفع من مستوي ثقافتنا, وأن نحكم الأسلوب العلمي لتفكيرنا, وأن نؤمن بأهمية التخصص, وأن نرسخ مبدأ احترام العقل, واحترامي للآخر, واحترامي لذاتي الذي يجعلني لا أتكلم فيما لا أعرف. ويجب أن نثقل من شخصيتنا, ونرفع مستوي ثقافتنا, ونحترم العلم والعلماء, ونقتدي بقادة الفكر الإنساني, ولنعرف جميعا أنه لا يوجد من يعرف كل شيء عن شيء, ولنشغل ذلك الفراغ الروحي المستشري بين الناس, لكي لا ننزلق للهبدلوجي.