ربما لم تبلغ الحرب الباردة مثل هذا المبلغ من الشدة والحذر والخوف مثلما يحدث الآن علي الحدود بين روسيا وأوكرانيا.
المدهش أن تصريحات الساسة الغربيين وفي الصدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقف في مقدمة أسباب اشتعال الأزمة.
وفي المقابل تنفي روسيا نية غزو الجارة أوكرانيا ويدعو الساسة في أوكرانيا نفسها لوقف التصريحات المؤججة أملا في وضع حد لحالة الفزع والرعب التي تناب البلاد.
الموقف يكتنفه الغموض فلا أحد بامكانه التنبؤ بالخطوة التالية للرئيس بوتين الذي يحشد أكثر من مائة ألف جندي روسي مدججين بعتاد ثقيل علي الجبهة مع أوكرانيا, وهناك نقل لعتاد وقوات إلي بيلاروسيا في الشمال تمهيدا لإ جراء مناورات عسكرية في منتصف فبراير الجاري. وهو ما يزيد مخاوف الغرب من اجتياح روسي محتمل لأوكرانيا.
بوتين يصر علي مطالب رفض قبول عضوية أوكرانيا في الناتو, وهو ما يعني وصول الحلف إلي حدود روسيا, ويري الرئيس الروسي أن الولايات المتحدة خرقت الضمان الذي قدمته عام 1990 عقب تفكك الاتحاد السوفيتي بأن الناتو لن يتوسع أكثر شرقا, وإن كانت التفسيرات تختلف حول ما وعدت به أمريكا وقتئذ.
هل تقع الحرب بين الشرق والغرب؟.. لا أحد من الساسة والعسكريين في أمريكا وأوروبا يحبذ أن تحدث مواجهة عسكرية بين المعسكرين خاصة في ظل وفرة سلاح تقليدي أكثر, وفي وجود السلاح النووي الأخطر علي الجانبين.
لكل هذه الأسباب فإن العقوبات الاقتصادية هي المرشحة بالأكثر للتصدي لروسيا إذا وقع المحظور علي غرار ما جري عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم.
من سيل التهديدات التي خرجت علي لسان الرئيس بايدن فرض عقوبات علي الرئيس بوتين شخصيا علي الرغم أنها بلا جدوي, حيث يحظر علي المسئولين الروس الاحتفاظ بأموال في الخارج.
هناك أيضا التهديد بشطب روسيا من نظام سويفت المصرفي الدولي. وهو النظام الذي يدير42 مليون طلب مدفوعات في اليوم وضرب اقتصاد إيران في الصميم من قبل, وكذلك حرمان البنوك الروسية من التعامل بالدولار.
خلال الأيام القادمة سوف تنشط الدبلوماسية الغربية لحلحلة الأزمة, وهي الورقة الأكثر ترجيحا لنزع فتيل الحرب برغم العسكرة التي تعد الأكبر من نوعها في أوروبا منذ عقود.
ولعل تساؤلات عديدة تفرض نفسها من نوع.. هل حقق بوتين نصرا بإجبار الغرب علي الإصغاء إليه؟ وهل يقدم عرض الفرصة الأخيرة حلا للغز بعد أن أبلغت الولايات المتحدة روسيا بإمكانية السماح لها بتفتيش القواعد في رومانيا وبولندا للتأكد من عدم وجود قواعد الدفاع الصاروخي لحلف الناتو؟
لا أحد يعلم إلي أي اتجاه سوف تمضي الأزمة وتبقي الدبلوماسية المدعومة بالعقوبات الاقتصادية هي الورقة الرابحة.. والأيام القادمة كفيلة بكشف المستور, فالعالم يحبس أنفاسه.