طالعتنا الأنباء في نهاية يناير الماضي بخبر مفاده أن وزيري الإنتاج الحربي والصناعة قاما بتفقد نموذج مركبة بديلة للتوك توك وهي مركبة ذات عجلات أربع تعمل بالبنزين والغاز الطبيعي وتعد أكثر أمانا من التوك توك الشائع استخدامه كوسيلة مواصلات في أحياء كثيرة علاوة علي شيوع استخدامه كوسيلة نقل للمواد والخدمات… واستطرد الخبر أن المركبة البديلة تعد نواة لمشروع مقترح تنفيذه بين الهيئة القومية للإنتاج الحربي وإحدي شركات القطاع الخاص العاملة في إنتاج وتجميع السيارات, بحيث تكون تلك المركبة بديلة للتوك توك وتعمل بنظام ثنائي الوقود بنزين/ غاز طبيعي في إطار خطة الدولة في التوسع في استخدام الغاز الطبيعي كوقود نظيف يعمل علي تقليل الانبعاثات الضارة التي لها تأثيرات سلبية علي الاقتصاد والمواطنين والبيئة.
هذه الأنباء طال انتظارها, وبالقطع هي تحمل آمالا مبشرة بالخير إذا تم استكمالها بما يفيد وجود رؤية تنظيمية واضحة بخصوص كيفية ضمان الإحلال الهادئ الآمن لواقع التوك توك التقليدي دون المخاطرة بالعصف بشريحة هائلة ممن يرتزقون بالعمل في قيادته -والذين تركتهم الدولة يظهرون وينمون نموا فطريا عشوائيا دون تدخل أو تنظيم- حتي أصبح التوك توك هو مصدر رزقهم.. ولا يستقيم التبشير بالمشروع الجديد الطموح الذي نحن بصدده لإنتاج مركبة بديلة للتوك توك دون وجود رؤية واضحة لكيفية إحلال ودمج التوك توك القديم ومن يعملون عليه في مشروع المركبة البديلة.. وغني عن القول -أو حتي التحذير- أن إغفال وضع خطة منظمة لضمان انتقال سائر العاملين علي التوك توك القديم وتأهيلهم وتحفيزهم لامتلاك المركبة الجديدة والعمل عليها سيكون من شأنه تكرار كارثة الاهتمام بالجماد علي حساب الإنسان ومن ثم إخراج مئات الآلاف ممن يرتزقون في سوق العمل من وراء التوك توك القديم وتبعات ذلك من إلقائهم عالة علي معدلات البطالة -ويؤسفني أن أقول إضافتهم علي معدلات الجريمة.
إذا الأمر لا ينفصل عن الإعلان عن مسار واضح وحوافز مشجعة لسائر حائزي مركبات التوك توك القديم لتسليم مركباتهم إلي الجهة التي تحددها الدولة واستبدالها بمركبات من الإنتاج الجديد- شريطة أن يتم تأهيلهم لقيادتها مع ترخيصها طبقا لاشتراطات ترخيص المركبات علاوة علي حصولهم علي تراخيص القيادة اللازمة لها.
كما لا ينفصل ذلك التأهيل والترخيص عن الحاجة الماسة إلي وضع تشريع من جانب المحافظات والمحليات كل في نطاقه, يحدد النطاق الجغرافي المصرح داخله بحركة المركبة الجديدة للتوك توك… فمن الثابت أن تقاعس الدولة عن ضبط ظاهرة التوك توك القديم عند بدء ظهوره -وأعترف أن بدء ظهوره إنما كان لتلبية احتياجات سكان العشوائيات التي تركتها الدولة تستشري وتستفحل, والذي تميز بقدرته علي الحركة في الأزقة الضيقة لتلك العشوائيات لنقل المواطنين من داخلها إلي خارجها والعكس -كان من شأنه أن سمح بانفلات مركبات التوك توك القديم وتسربها تدريجيا خارج نطاق العشوائيات واستباحتها الخوض في شبكات الطرق الرئيسية خارجها حتي أصبحت تزاحم وسائل الحركة المرورية وتشكل خطورة علي سلامة تلك الحركة.
وبما أننا بصدد الحديث عن كيفية تحقيق الأهداف المرورية والإنسانية معا للقادم الجديد مركبة التوك توك ذات العجلات الأربع ثنائية الوقود… دعوني أعود لأثير قضية ذات صلة, لأنها تتصف أيضا بسكوت الدولة علي واقع نشأ وترك ينمو نموا فطريا ويلزم ضبطه طالما تصرح وتحرص الدولة علي ضبط كل معوج… إنها قضية الميني فان تلك السيارة الصغيرة التي ظهرت في الشارع المصري وتقل حجما عن سيارات الميكروباص المعتادة وتحمل لوحات معدنية باعتبارها سيارات ملاكي خاصة بينما هي تعمل عيانا جهارا في خدمة نقل المواطنين بالأجر… ولأنها تحمل لوحات سيارات ملاكي خاصة لا تطبق عليها بطبيعة الحال اشتراطات حصول سائقيها علي تراخيص القيادة الخاصة بسيارات نقل الأفراد, وكان من شأن ذلك تفشي ظاهرة الانفلات والجموح الذي تسببه تلك السيارات في الشارع المصري… وكما تعودنا في غياب الرقابة تحولت الميني فان إلي كارثة مسكوت عنها تنتظر بدورها تدخل الدولة لكبح جماحها وضبط انفلاتها, علاوة علي ما تمثله من تمييز تشريعي بين سائر مركبات نقل المواطنين بالأجرة.
الأمل كل الأمل أن نري مسارا واضحا للدولة في انتهاج خطة لتمكين التحول من التوك توك القديم إلي التوك توك الجديد… بالإضافة إلي التصدي لظاهرة الميني فان الملاكي الذي يعمل بالأجرة!!!