هايتي تلك الدولة التي تقع على البحر الكاريبي، وتعد الأفقر في القارة الأمريكية، يعاني سكانها من الجوع، رغم غزارة مواردها الطبيعية، ووصلت تداعيات الأزمات المتلاحقة في هايتي إلى أبسط مقومات الحياة: الغذاء، فلجأ عدد من السكان في مرحلة ما إلى الاعتماد على فطائر مصنوعة من الطين لمقاومة الجوع.ويعتمد حاليا قطاع كبير من السكان على مساعدات غذائية تجلبها الأمم المتحدة.
جاء ذلك بعدما تم الإعلان عن اغتيال رئيسها جوفينيل مويس، بعدما هاجم مسلحون مقر إقامته الخاص المطل على العاصمة بورت أو برنس. العام الماضي، وجاءت عملية الاغتيال في ظل اضطرابات سياسية تعيشها هايتي ذات الـ11 مليوناً من السكان، حيث خرجت المعارضة في مسيرات حاشدة تندد بحكم الرئيس مويس وتطعن في شرعيته، فيما يؤكد أنه ولايته مستمرة حتى 2022.
في هذا الصدد، أخبرت هيلين لايم، مبعوثة الأمم المتحدة إلى هايتي، مجلس الأمن، بان هناك حاجة ماسة إلى إصلاحات هيكلية لمعالجة العنف الذي تمارسه العصابات، والتصدي للإفلات من العقاب والفساد، وتعزيز نظام العدالة، وإحداث تحول في الاقتصاد بشكل مستدام.وقالت: “ملامح الرؤية المشتركة التي يتقاسمها الجميع، ستعتمد في نهاية المطاف على أصحاب المصلحة الهايتيين الذين يضعون المصلحة الوطنية فوق تطلعاتهم. يعتمد النجاح على استعدادهم الجماعي لتقديم تنازلات”.
مشيرة الى إن الهدوء النسبي الذي شهدته البلاد، في 7 فبراير – التاريخ الذي كانت ستنتهي فيه رسميا ولاية الرئيس الراحل جوفينيل مويز – كان بمثابة علامة جيدة، مشيرة إلى أن الحكومة الجديدة، التي تم الإعلان عنها في 24 نوفمبر يبدو أنها هدأت التوترات.وأثناء انتظار التقويم الانتخابي المنقح، أشارت المسؤولة الأممية إلى أن الزخم يبدو أنه يتنامى حول إنشاء “مجلس انتخابي مؤقت شامل وموثوق وفعال”.
هذا ويبدو انه على الرغم من بعض علامات التقدم التي ظهرت بشأن إنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية التي تفاقمت في جميع أنحاء هايتي، منذ اغتيال رئيسها العام الماضي، إلا أن الوضع هناك لا يزال “مشحونا ومشوبا بالاستقطاب الشديد”.وفي الوقت نفسه، يواصل عنف العصابات “إحداث الفوضى في المراكز الحضرية الرئيسية ونشر حالة من الحزن”.
وعن ذلك تقول الممثلة الأممية: “للجماعات المسلحة الإجرامية سيطرة قوية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للملايين … إنه لأمر بغيض أن يستخدم عناصرها الاختطاف والقتل، بشكل عشوائي، وكذلك العنف الجنسي والجنساني، كوسيلة لإرهاب السكان المحليين من أجل بسط سيطرتهم على الأراضي”.
وعلى الرغم من أن الشرطة الوطنية الهايتية حاولت وقف موجة الجرائم العنيفة، إلا أنها لا يمكنها بمفردها أن تحد من الارتفاع المقلق في انعدام الأمن الذي تولده العصابات خاصة في ظل حالة الإنهاك ونقص الموظفين وقلة الموارد التي تعاني منها.
وقد قررت الأمم المتحدة وحكومة هايتي، بشكل مشترك، تعزيز الدعم الدولي، وتجلى ذلك في إنشاء صندوق متعدد المانحين قريبا.
كما أوضحت لايم أن “ظاهرة العصابات لا يمكن معالجتها من خلال العمل الشرطي وحده”، مؤكدة الحاجة إلى نهج لإنفاذ القانون يتضمن سيطرة أكبر على الأسلحة غير المشروعة ويتم تكميلها بمشاريع اجتماعية – اقتصادية وأنشطة إعادة دمج “تهدف إلى توليد التوظيف والإيرادات في الأحياء الأكثر تضررا بآفة عنف العصابات”.
وأشادت مسؤولة الأمم المتحدة باستراتيجية السلطات الهايتية الوطنية للحد من العنف المجتمعي، والتي أدت، بعد سنوات من الإغلاق، إلى إعادة فتح العديد من المدارس في أحياء العاصمة بور- أو-برنس.
وتحتاج هايتي أيضا إلى أن تتصدى، على وجه السرعة، لظاهرة الإفلات من العقاب المستعصية.واستشهدت المبعوثة الخاصة باغتيال مونفيرير دورفال عام 2020، ومذبحة لا سالين عام 2018، وحادث “الاغتيال المروع” للرئيس مويز، والذي أدى تعثر التحقيق في مقتل إلى تفاقم “الشك وانعدام الثقة داخل البلاد”.وقالت إن النظام القضائي الهايتي يعاني من “نقاط ضعف هيكلية خطيرة” تعيق قدرة المحاكم على “التحقيق في القضايا ومعالجتها ومحاكمتها”.
وبينما تبدو بوادر التقدم المتواضعة مشجعة، هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات بشأن وضع قوانين عقوبات وجرائم جديدة، ولضمان استمرار الإصلاح القضائي على المدى الطويل.
وقالت لا لايم إن الزلزال المدمر الذي وقع في أغسطس الماضي، والذي أثر بشكل كبير على الأجزاء الجنوبية من البلاد، وأودى بحياة 2248 شخصا، أضاف طبقة أخرى من الصعوبة إلى الوضع الإنساني المتردي أصلا. حيث تشير التقديرات الآن إلى أن 4.9 مليون شخص، أي 43 في المائة من سكان البلاد، سيحتاجون إلى مساعدة إنسانية في عام 2022″.
ودعت الممثلة الخاصة المجتمع الدولي لمواصلة الانخراط مع الحكومة وأصحاب المصلحة الآخرين بغية تهيئة الظروف الأمنية والسياسية اللازمة لإجراء انتخابات وطنية وضمان الإصلاحات الهيكلية.
وبالرغم من ان هايتي دولة تعج بالموارد الطبيعية إلا أن شعبها غارق في الفقر إلى درجة الجوع، ويعزى ذلك إلى أسباب تاريخية وأخرى تتعلق بالاضطراب السياسي الذي يميز البلاد، وتفاقمت مع الكوارث الطبيعية والأوبئة.