صدرت مؤخرا الطبعة الثانية باللغة العامية من مسرحية ” حريم البهلوان ” للأديب والمفكر حزين عمر ، و كانت الطبعة الأولي قد صدرت من قبل باللغة العربية الفصحي و تم عرضها علي مسرح الغد ( البيت الفني للمسرح ) عام 2004 بطولة عادل هاشم و محي الدين عبد المحسن و معتز السويفي و أمينة سالم و بدور و عبير عادل و عزة الحسيني . ” حريم البهلوان هي رابع مسرحية ل حزين عمر بعد ” قهوة جداليا ” و” بنات للبيع ” و” سارة و أخواتها ” ، و المعروف أن حزين عمر صدرت له عدة دواوين نذكر منها ” فصل من التاريخ الخاص ” ( 1998 ) ” وهج ” ( 2000 ) ، ” أنت رائحة الغناء ” ( 2010 ) ، ومؤخرا صدرت له الرواية الشعرية ” اخر اخبار الجنة ” ( 2020 ) . و قد أقيمت ندوة في نقابة الصحفيين في قاعة حسنين هيكل مساء الأحد الماضي الموافق 13 فبراير لمناقشة مسرحية حريم البهلوان حضرها نخبة كبيرة من الأدباء و النقاد و الصحفيين . أدار النقاش الناقد د. عادل النادي و د. ايمان زيدان و الناقد محمد شلبي .
افتتحت الندوة بأغنية من الفنان حسني عامر التي قام بأدائها مع عزفه على العود ، مطلعها : حورية وكأنها بشر .. عيني و قلبي و الهوى .. بغيرها من النساء كفروا .. لك أن تسوقي من الدلال دلال .. لك أن تتيهي فوق كل الناس دلال دلال ، و في كلمة الافتتاحية تحدث المؤلف حزين عمر ليعطي لمحة سريعة عن المسرحية فقال : انها تعبر عن الاتجار بالوطن و الاتجار بالدين وأن كلا الحزبين .. حزب الهداية بقيادة مأمون الغريب و حزب اليسار بقيادة أنور البهلوان .. لم يقدم شيئا للشعب ، انهم لم يقدموا شيئا سوي لأنفسهم ، و قد حاولت تقديم هذه الفكرة المأساوية بسخرية ، و رغم أن أحداث المسرحية تعبر عن حقبة زمنية قديمة و هي فترة الأربعينيات الا أن الصراع ما زال قائما .
فسيفساء :
وصفت الناقدة د. ايمان زيدان المسرحية بانها فسيفساء ثقافية سياسية انسانية ابداعية يمكن اسقاطها على حقبة تاريخية أخري حتي في الوقت الحالي ، استطاع الكاتب أن يلمس طريقه الي الكثير من القضايا وأن يفعل الكثير من تقنيات الكتابة المسرحية بأسلوب جعلنا لم نشعر بالملل ، عبر عن أزمة المثقف ، و الصراع بين المتأسلمين و السياسة ، و محاولاتهم لإخضاع الناس و الدفع بهم إلى الجريمة ، و كانت هناك محاولة لتخطي حاجز الزمن من خلال هندسة المسرح ، فقد صنع عالمين متوازيين على خشبة المسرح عبر بهما عن حقبتين من الزمن ، حيث كان المستوى السفلي يعبر عن الحاضر الذي هو محصلة ذلك الماضي الذي عبر عنه الطابق العلوي .
أظهرت المسرحية أن الصحافة لم تعد صوتا حرا و قد ظهر الصحفي و العالم سخالين كشخصيتين ضعيفتين و الكاتب يدين كل الأطراف . يذكرنا ذلك بمسرحية ” بستان الكرز ل تشيكوف التي يظهر فيها المثقف هزيلة يتحدث فقط ، حتي تعليمه لم يتمه ، و لم يقدم للمجتمع أي شيء ، و شخصية المثقف أيضا في رواية ميرامار ل نجيب محفوظ .. منصور لم يقدم شيئا ، المثقف المخول له قيادة المجتمع هو نفسه ساقط ! و كثير من الأعمال الأدبية العربية ظهرت فيها شخصية المثقف العاجز أو العقيم .
الفكر و الفرجة :
في تحليل لعناصر المسرحية قال الناقد د. عادل النادي : حزين عمر استغل عنصر الزمان و المكان بشكل رائع بابتكاره الخاص ، حيث قسم المسرح إلى قسمين أو طابقين ، الطابق العلوي لعلية القوم و الطابق الأسفل للشعب المكافح ، و قسم المسرحية إلى ” مواقف ” و ليس مشاهد أو فصول ، ليعبر في كل موقف عن فكرة معينة ، و الكاتب لديه أفكار وقضايا كثيرة والدليل على ذلك وجود شخصيات كثيرة ، لدينا عشرين شخصية أبطال بالإضافة إلي مجموعة أخري من الكومبارس و من خلال هذه الشخصيات الكثيرة عبر عن أفكاره .
و استغل رؤيته الخاصة كصحفي عاشق للوطن ، فعبر عن إدانته لليسار رغم حبه لليسار ، و ادانته للتيار الديني المتطرف . و عرض نماذج مختلفة من النساء المرأة التي تتاجر بجمالها والمرأة التي ليس لديها الحد الأدنى من الثقافة ، و المرأة التي تدفع المال مقابل الحب و الأحضان ، و تلك التي تعتمد على تاريخ عائلتها القديم ، و خلق صراعا بين المرأة و المرأة ، عبر أيضا عن الصراعات بين الأحزاب ، و عبر عن الفقر الذي شهد عليه ميدان التحرير أو ميدان الاسماعيلية سابقا .
عرض حزين عمر أيضا فكرة ” حزب العيش ” ليعبر به عن الأغلبية المصرية ، أنه الحزب المنسحب من الحياة السياسية دائما ، و ألقي الضوء على الجماعات الدينية المتطرفة و المراجعات التي أعلن عنها ظاهريا لكنها كانت للخداع فقط .
طرح أيضا فكرة التصالح و ان المصالحات فشلت في المسرحية ، فهل هي استقراء للمستقبل و تنبؤ لكوننا لن نصل الى المصالحة أبدا ؟ حتي الرمز استغله في صورة الملك ، و الرمز استخدم للتقرب من السلطة ، و الكاتب هنا يحرض المواطنين ليستفيقوا و يتنبهوا للمؤامرات حولهم .
المعروف أن أية مسرحية بها عنصران عنصر الفكر و عنصر الفرجة و قد نجح حزين عمر في عمل موازنة بينهما .
غياب الوعي
الأستاذ محمود حامد رئيس تحرير سلسلة الإبداع المسرحي التي أصدرت هذا العمل بالهيئة العامة للكتاب قال معلقا على المسرحية : النص بسيط يتكلم عن حالة الانتهازيين و الساعين الي السلطة من خلال المشهد الافتتاحي ( الحاضر ) و هو يخص الختام أيضا ، الحدث الذي يدور في الأربعينيات يظهر مجتمع الشيوعيين و الاسلاميين الذين ليس لهم منجز فكري و لا نتاجي لكن لهم دور في حركة المجتمع ، يسعون للسلطة و لا ينظرون لاحتياجات الناس لتوفيرها .
و بجانب أطماعهم السياسية كانت لهم أطماع في النساء و اختزلوا المرأة في جسدها حتى أن المرأة نفسها اقتنعت أنها محط أنظار الرجال بجمالها . لدينا نادي القمر تتذكر فيه السيدات شبابهن و يشهد النادي أيضا الصراع بين مأمون الغريب و أنور البهلوان .
و للأسف نحن لازلنا منذ الأربعينيات حتى الآن في نفس الصراع القائم بين الجبهتين ، كل يحاول الوصول إلى السلطة دون وجود اية علاقة بينهم و بين الشعب ، بل يحاول كلاهما الوصول علي جثث الشعب الذي هو في حالة صمت وسكون منذ الأربعينيات حتى الآن . فلم نخرج من هذه الشرنقة التي تضم الجبهتين حتى الآن . لازال الوعي ضعيف و الاعلام لا يمت لنا بصلة و نجد أنفسنا نعيش في فقاعة من الاحباط .
أين المرأة الفاضلة ؟
أحيي د. ايمان لحديثها عن هندسة المسرح و الكاتب تصبح هندسة المسرح جزءا من تفكيره عندما يصل الى الاحتراف ، ولدي سؤال للكاتب حزين عمر : المسرحية مثلت بالفصحى عام 2004 ، ثم تم إصدارها بالعامية مؤخرا فهل كان الهدف هو التعديل للتعبير عن الفترة الراهنة ؟ أما المرأة في المسرحية فهي موجودة كنماذج واحدة سيئة رغم أن المجتمع في تلك الحقبة كانت توجد فيه المرأة الفاضلة ، و هذا ما فعله نجيب محفوظ أيضا فقد قدم نموذجا واحدا سيئا للمرأة ، فأنا أعتبر أنه لا فرق بين زبيدة و أمينة ، لأن أمينة كانت حبيسة و لم توضع على المحك ، زبيدة امتلكت حريتها و باعت جسدها ، و أمينة لم تمتلك حريتها . و أنا اعترض أيضا على استخدام كلمة حريم لأنها كلمة تركية ومعناها انها تخص رجلا واحدا .
و قد أجاب حزين عمر علي هذه المداخلة بقوله أنا لست ضد المرأة ، لقد تحولت النساء إلى سلعة و الوطن الى سلعة و الدين الى سلعة ، وأنا أدين هذا الواقع المزري و الذي لا يزال موجودا حتى الآن ، و مع ذلك توجد امرأة سوية تقف إلى جانب زوجها في المسرحية .
كلاهما بهلوان
في مداخلته كان للناقد محمد عبده ملاحظة متميزة ، فقد قال ان مأمون الغريب و أنور البهلوان كلاهما بهلوان ، مع أن صفة البهلوان ألصق ب مأمون الغريب أكثر من أنور البهلوان لأنه تيار دجال ، سلاحه هو السيطرة على عقول الجميع باسم الدين ، و مأمون الغريب له نساء الواقع و نساء الجنة ( الحور العين ) ، وقد ظهرت فكرة الحريم بداية من العصر العثماني ، وقد جعلوا النساء مثل الكعبة .. مكان لا يمكن القتال فيه ، و من لجأ الي الحريم كأنه لجأ الي الكعبة ، و هذا ما فعله أحد الأمراء ( مراد باشا ) الذي لجأ إلى الحريم فلم يستطع أحد القبض عليه و لا قتله .
من هو المثقف ؟
تساءل الأستاذ محمد سامي الزقم : بعد مناقشة و تحليل المسرحية ما هو المطلوب من المثقف و ما هو الدور الذي يجب أن يفعله وسط هذا الصراع علي السلطة ؟ والشعب مطحون ، فكيف نرفع من مستوي وعي الشعب ؟ أما المخرجة السورية بشري صلاح الدين فكان لها تساؤل آخر : من هو المثقف ؟ انه الشخص الذي يحمل لواء الأخلاق و هو الذي يحترم الآخر ، لو تم احترام الرأي الآخر ما كان يوجد فريقان . و في نهاية المسرحية نجد أن الشباب فضل التخلي عن الفريقين لأنهما ليس لديهما مصداقية ، فالخلاف الدائم و الصراع يفقد الجميع المصداقية .
الانهيار
الناقد الأستاذ جمال عبد العظيم قال في تعليقه أن النص يمتاز بالسرد الاستباقي ، فنستطيع منذ البداية تخمين الفكرة ، فمثلا في كلمة عقوب نتوقع العجز و الدمامة ، و رغم أن كل الشخصيات في المسرحية لها نشاط اجتماعي إلا أن المجتمع في تلك الفترة كان مشرفا على الانهيار ، فالكل يبحث عن وجهته و مصلحته ، و الكاتب لم يقدم الحل و هو محق في ذلك لأن الحل هو ما بعد الانهيار .