مازال بعض الرجال يبحثون حتي الآن عن أدلة وبراهين يحاولون بها أن يثبتوا أن المرأة أقل من الرجل وأن الرجل أفضل منها, وأن من حقه أن يسود عليها, ومن واجبها أن تخضع له. وأن المجتمع القديم الذي كانت فيه المرأة خاضعة تماما بإرادة الرجل في كل حياتها كان مجتمعا فاضلا ولم يفسد المجتمع إلا بعد أن خرجت المرأة من طوع الرجل, وبدأت تفتح عينيها, وتبحث عن حقوق وهمية, تطالب بأن تكون ندا للرجل, وأن تجعل رأسها برأسه, ورأيها برأيه, وايرادتها بإرادته.
هذا هو مضمون خطاب من قارئ يريد أن يعود بالمرأة إلي الوراء إلي قرون مضت. يريد أن تعود إلي عبودية الماضي. وهو يتهم المرأة بالجحود ونكران الجميل والعصيان. فقد كان الرجل يريحها, ويضعها في مكان رفيع في منزله, وكان يحنو عليها ويحسن معاملتها, ولكن طبيعتها السيئة الجاحدة دفعتها إلي التطلع ومحاولة الاستيلاء علي حقوق الرجل واختصاصاته ومكانته. ونسيت أن المرأة لا يمكن أن تكون أبدا ندا للرجل.
والغريب أن صاحب الرسالة يستشهد بجزء من آيات الكتاب المقدس ليدلل علي آرائه ويقدم هذه الآيات.. رأس المرأة هو الرجل. الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل.
ويقول: حتي وصايا الله أنكرتها المرأة, فهل بعد هذه الآيات الواضحة الجليلة تستطيع المرأة أن تظل في عناداها وتدعي أنها ند للرجل. وأنه ليس أفضل منها. لو كانت ندا له لما قيل رأس المرأة الرجل. ونحن نعرف أن الرأس هو الذي يفكر, وهو الذي يدبر, وهو الذي يحكم ويتحكم, وهو الذي يقود. ولذلك خلق الرجل للتفكير والتدبير والتحكم والقيادة وخلقت المرأة لخدمة الرجل والعمل علي راحته وإطاعته والخضوع لأحكامه. وأي وضع يخالف ذلك خطأ من جانب المرأة وجحود وإنكار لتعاليم الله وتهاون وضعف من جانب الرجل.
والغريب حقا أن يكون في عصرنا هذا رجل له مثل هذه العقلية الغريبة التي يملأها التفكير الخاطئ والمغالطات لتأكيد أفكار بالية مخزونة في نفسه.
وإذا كان لابد من الرد علي هذا القارئ فلابد أن يكون الرد عليه من نفس المكان الذي استقي منه براهينه. لقد قال الكتاب المقدس ليس حسن أن يكون آدم وحده فنصنع له معينا نظيره. معينا نظيره وليس خادما أو تابعا له. أبدا.. معينا أي إنسانا يعاونه أي يعملان سويامن أجل الحياة جنبا إلي جنب دون أن يستأثر طرف بالسيادة وطرف بالعبودية. دون أن يتسلط طرف علي الطرف الآخر دون أن يحاول طرف أن يخضع الآخر لرأيه وإرادته. معينا نظيره أي مثله. مثله في كل شيء وليس أقل منه أبدا. مثله في الجسم والعقل والنفس والروح والإرادة والتفكير. مثله وليس قل منه درجة أو مكانة أو فهما أو قدرة.
ويقول الكتاب المقدس بعد الآيات التي أوردها هذا القارئ مبشرة غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب. لأنه كما أن المرأة هي من الرجل هكذا الرجل أيضا هو بالمرأة.
إذن.. فالآيات واضحة صريحة تقرر أن الرجل والمرأة. لا يفضل أحدهما الآخر ولا يقل أحدهما عن الآخر. إن الله وتعاليم الدين التي يستشهد بها هذا القارئ تؤكد أن الجنسين لهما نفس القدر عند الله, ولا يمكن أن يفاضل الله بينهما ويعتبر الرجل أعلي مكانة من المرأة. ولكن صاحب الرسالة اختار الجزء الذي يتناسب مع أهوائه وأغفل باقي الآيات فافسد بذلك المعني المقدس لها.
وإذا أردت أن أقدم لقارئنا المتعصب براهين وأدلة من الكتاب المقدس لقدمت الكثير الذي لا يتسع ذكره في هذا الرد القصير البسيط.
وكل ما أرجوه أن تختفي مثل هذه الأفكار البالية, وأن يسلم الرجل بأن المرأة لها نفس حقوق الرجل, وأنها إنسانة مثله, وأنه لن يفيده شيء أن يعتقد غير ذلك. فالمرأة تسير بخطي واسعة لتحقيق مكانتها ولن تعوقها أبدا مثل هذه الفكار أو الاعتقادات.