موسي النبي أيضا كان وديعا وشجاعا وقويا
وديعا إذ قيل عنه وكان الرجل موسي حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرض (عد 12: 3), وكان شجاعا وقويا إذ وقف ضد الشعب كله لما عبد العجل الذهبي الذي صنعوه, وانتهر أخاه هارون رئيس الكهنة, حتي خاف وارتبك أمامه.. وأخذ لك العجل الذي صنعوه, وأحرقه بالنار, وسحقه حتي صار ناعما. ثم ذراه علي وجه الماء (خر 32: 20).
وديعا إذ سجد أمام بني حث, لما اشتري منهم مغارة المكفيلة لتكون قبرا لسارة (تك 23: 12) ومع ذلك تظهر شجاعته في سبي سدوم أنه لما سمع أن أخاه لوطا قد سبي, جمع رجاله المدربين تك 14: 14 وقام ضد أربعة ملوك وهزمهم, ورد سبي لوط وسدوم. هنا الشهامة والنخوة التي تنقص البعض محتجين باسم الوداعة ثم تظهر عزة نفس إبراهيم الوديع في أنه لما عرض عليه ملك سدوم أن يعطيه الغنائم, قال إبراهيم لا أخذن خيطا ولا شراك نعل.. فلا تقول أنا أغنيت أبرام (تك 14: 23).
كان الرهبان ودعاء, وكانوا شجعانا في الدفاع عن الإيمان كما حدث بالنسبة إلي القديس أنطونيوس الكبير, والقديس الأنبا صموئيل المعترف, والقديس الأنبا إفرآم السرياني وغيرهم, فمن الخطأ أن تظن أن صفة الوداعة تمنعك عن الشجاعة وتحولك إلي جثة هامدة لا نخوة ولا شهامة ولا حياة.. إنما في اكتساب الفضائل لا تتمسك بواحدة منها وتترك الباقي, بل ضع أمامك قول الكتاب:
لكل شيء زمان, ولكل أمر تحت السموات وقت (جا 3:1) تستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة, وتستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة. تكون لك الفضيلتان وتظهر كل منهما في الحين المناسب لها.
الوداعة ليست معناها الضعف والقوة ليس معناها العنف.
والوداعة والقوة تمتزج كل منهما بالحكمة, والفهم والإنسان الضعيف لا يمكن أن يكون صورة لله ومثاله. ولكن لكي يكون قويا يجب ألا ينحرف إلي التهور فاقدا وداعته وآدبه.
كذلك في التواضع افهم معناه, واعرف كيف تستخدمه البعض قد يقول: ما شأني بالتواضع؟! لقد استخدمته, فأفقدني كرامتي, وجعلني هزاة وألعوبة في أيدي الناس!! نقول له كلا, ليس هو التواضع الذي أوصلك لا هذا وإنما هو عدم فهمك للتواضع, أو استخدامك له بغير حكمة أو استخدامك له منفصلا عن باقي الفضائل الأخري. إذ يمكنك أن تكون متواضعا وقويا, كما كان السيد المسيح له المجد, وكما كان موسي النبي وداود النبي, وإبراهيم أبو الآباء
هناك إنسان قد يتمسك بالطيبة وحدها ويصبح فاقد الشخصية!!
مثل هذا أما أنه لم يفهم ما معني الطيبة, أو أنه سلك بطريقة الفضيلة الواحدة, منفصلة عن باقي الفضائل!
فقد نختار إنسانا لمنصب إداري كبير في الكنيسة, ويكون سبب تزكيته أنه إنسان طيب جدا. ويحدث فيما بعد أن هذا الإنسان الطيب قد سلم كل السلطة لوكيله, أو لأحد من حاشيته, وأصبح هو مجرد أيقونة جميلة, لا تعمل عملا!!
مثل هذا الإنسان الطيب فقط قد يصلح له أن يكون عابدا متوحدا, وليس في منصب إداري يلزمه أن يكون جيد التدبير كما دبر أهل بيته حسنا, يمكنه أن يدبر كنيسة الله.. وأن يكون قويا في شخصيته يمكنه أن يقود غيره, ولا يكون ألعوبة في أيدي مساعديه أو المشيرين عليه..
كم من أمور كنسية قد تلفت إدارتها, لأن القائمين علي تدبيرها استخدموا الطيبة بغير حكمة, وبغير حزم, وبغير فهم!!
ترك المخطئ باستمرار بدون مؤاخذة, ومسامحته باستمرار باسم الطيبة يجعله يستمر في خطئه, فيفسد ويفسد العمل كله معه! لقد عاقب الرب عالي الكاهن معاقبة شديدة, لأنه ترك أولاده في أخطائهم دون معاقبة ودون ردع.. لا شك أنه ينبغي فهم الطيبة: ما معناها؟ وما حدودها؟ وما ارتباطها بباقي الفضائل؟ كان بولس الرسول طيب القلب جدا. وقد تحدث في (1كو 13) عن المحبة التي تتأني وتترفق ولا تحتد. ومع ذلك فإنه أخذ أيضا موقفا حازما جدا مع عليم الساحر (أع13:8ـ11) مماثلا أو أشد حزما من جهة خاطئ كورنثوس الذي قال بصدده: قد حكمت.. أن يسلم مثل هذا للشيطان لا هلاك الجسد, لكي تخلص الروح في يوم الرب (1 كو 5: 3ـ 5) فعبارة يسلم للشيطان تدل علي الحزم الشديد, وعبارة لكي تخلص الروح تدل علي الحب, وقد اجتمعت العبارتان معا في آية واحدة.
بنفس الأسلوب نتكلم عن باقي الفضائل: في إمكانية تكاملها, وليس في تناقضها كما يظن البعض.
يمكن للإنسان أن يجمع بين التأمل والخدمة, كما كان يفعل بولس الرسول الذي اختطف إلي السماء الثالثة وسمع كلمات لا ينطق بها 2كو 12:4. ومع حياة التأمل هذه, فإنه في الخدمة تعب أكثر من جميع الرسل 1كو 15: 10.
السيد المسيح نفسه خدم بطريقة مثالية, ومع ذلك كان يقضي الليل كله في الصلاة, وكانت له خلوته في بستان جثسيماني, في جبل الزيتون يو 8: 1 لو 6: 12.
يوحنا المعمدان قام بخدمة عجيبة مهد الطريق أمام الرب, وقاد الشعب إلي التوبة وإلي المعمودية ومع ذلك عاش في البراري ثلاثين سنة وفي حياة النسك (لو1: 80) (مت 3: 4) وأيضا إيليا النبي كان رجل الوحدة علي جبل الكرمل, وفي نفس الوقت كان الخادم القوي ووبخ الملك أخاب, والذي طهر الشعب من أنبياء البعل وأنبياء السواري (امل 17ـ 18) وكما يمكن الجمع بين التأمل والخدمة, كذلك يمكن الجمع بين البشاشة والدموع, كل في وقته وموضعه.
الدموع في صلاة المخدع أمام الله, والبشاشة في التعامل مع الناس يجمع بين آيتين مهمتين: إحداهما افرحوا في الرب كل حين.. (في 4: 4). والثانية بكآبة الوجه يصلح القلب (جا 7: 3)
داود النبي كان يبلل فراشه بدموعه مز 6 وأيضا كان يغني الرب أغنية جديدة, مسبحا في مزاميره مز 96, مز 98 فالإنسان الروحي يستخدم الفضائل في حكمة, وفي غير نقص وفي غير حيرة يستخدم كلا منها في الوقت المناسب, وبالأسلوب السليم محاولا أن يسير في طريق الكمال حسب وصية الرب.