00 جاءتني استغاثتها عبر تليفوني المحمول غير واضحة ولامفهومة.. صراخاتها أعلي من بكاؤها.. بكاءها أكثر من كلماتها, حاولت أن أهدئها لأعرف الحكاية, لكن نحيبها غلب, حتي الكلمات المتفرقة التي جمعتها لم تعطني معلومة واحدة, أدركت أنني أمام كارثة لا أعرف كيف أنقذها, طلبت منها أن تعطيني زوجها أو ابنها, جاءني صوت شابة لم تكن أقل نحيبا عن سابقتها, لكنها بدأت تتحدث لي بهدوء متقطع يغلبه صوت بكائها.
00عرفت أنبيشوي زوجها الشاب الذي كان قبل أسبوع ملء الحياة بنشاطه وحركته وضحكاته طريح الفراش, جثة هامدة لاتتحرك, الصدمة أعجزتهم وهم لايعرفون ماذا يفعلون, أطفاله الصغار كاراس11 سنة وكيفين 8 سنوات يتجمعون حوله ينتظرون مداعبته المعتادة, فلا يجدون إلا صرخاته من شدة الألم التي كثيرا ما حاول أن يكتمها أمامهم لكنها تغلبه يسألونها فلا يجدون غير دموعها فيشاركونها البكاء.
00 هكذا بدأت تتجمع لدي بعض خيوط الحكاية واحدة بعد الأخري, لكن صوت نحيب محدثتي الأولي مازال يصل إلي أذني من علي بعد.. أشفقت عليها وقطعت كلامي مع الزوجة وطلبت منها أن تهدء من لوعةأمها, فاجأتني أنهاأمها هي أصارحكم بمجرد ما عرفت أنهاحماته أدركت حجم المأساة التي تعيشها هذه الأسرة والأهم أنني تأكدت أنني أمام أسرة مترابطة محبة تعمل بوصية الربأحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم.
00 نقلت لهم انطباعي, ووعدهم ألا نتركهم حتي يعود بيشوي ماشيا علي قدميه, وتسكت أوجاعه, وتختفي آلامه, ويذهب إلي عمله ويحتضن أولاده, حدثتهم بكل ثقتي في وعد الرب والمحتاجون إلي الشفاء شفاهم.. وأنهيت حديثي لأدبر خروج بيشوي وأسرته من تجربة أدرك مدي صعوبتها وثقل صليبها.
00 جلست مع نفسي أفكر وأطلب معونة الرب, لكن كان لابد أن أعرف مزيدا من المعلومات فعاودت الاتصال كان الموقف قد اختلف الهدوء عاد إليهم, عرفت أنبيشوي يعمل بوظيفة صغيرة في أحد مصانع السيراميك بمدينة العاشر من رمضان, وأنه يعاني منذ سبع سنوات من انزلاق غضروفي يسبب له آلاما كلما جاء الشتاء, لكنه يتعايش معه ويأخذ علاجا فيستريح ويعود إلي عمله ونشاطه وحيويته كأن شيئا لم يكن مطمئنا إلي طبيبه المعالج القريب منه حيث يعيش في حيالمنيرة بمنطقة إمبابة الشعبية.
لكن هذا الشتاء جاءه الألم أشد وأصعب ولما عاود الذهاب إلي طبيبه فاجأه بعد عمل الأشعة المقطعية أن الغضروف انفجر وأظهرت الأشعة وجود مادة غضروفية ملاصقة للعصب, ويحتاج إلي جراحة سريعة للاستئصال, وكتب له عددا من الأدوية المسكنة حتي يدبر أمره, فتكاليف الجراحة تصل إلي أرقام لايعرف ولا أسرته تدبيرها حتي لو باعوا كل ما فيالبيت كما قالت لي الزوجة والدموع تغلبها.
00 تحاملبيشوي حتي لا تتوقف الحياة, فاحتياجات أسرته لاتعرف التوقف, ومضي في محاولاته مع التأمين الصحي لإجراء الجراحة في أقرب وقت كنصيحة الطبيب, فالموقف لم يعد يحتمل التأجيل, لكن المحاولات طالت فالإجراءات كثيرة ومعقدة ولاتعرف التبكير لخطورة الحالة وفيما كان يحاول توقف كل شيء علي صرخة واحدة لكنها لم تتوقف الصراخ من بعدها لاينقطع ليلا ونهارا من شدة الألم والأصعب أنه لم يعد يتحرك ولم تعد قدماه تحملانه.
00 مرة أخري أنهيت المكالمة وجلست لأكتب إليكم.. أطلب صلواتكم فمن شفيالمفلوج قادر أن يشفيبيشوي وتجربتنا مع إيمانويل الذي ذهبنا به إلي ألمانيا وأجريت له جراحة, ومع صديقنا مخلوف خلف الذي جاءنا من الصعيد في عربة إسعاف وعاد إلي بلدته بأسيوط علي قدميه وغيرها الكثير ليس ببعيد عن ذاكرتنا وعن عمل الله معنا.
من هنا سنواصل مع بيشوي فلم تكن استغاثةحماته بنا مجرد دعوة لإنقاذه, لكننا رأينا فيها دعوة لمشاركة الرب.. سمعنا فيها كلمات القداس الباسيليلأننا لا نعرف آخر سواك.. ومن هنا سنبدأ رحلتنا.