يتسائل البعض حتي وقتنا هذا في أمور تجاوزها الزمن هل الفن حلال أم حرام ؟ ، ويحاول بعض الفنانين اعتزال الفن “لحاجة في نفس يعقوب ” وهم أحرار في ذلك تماماً لكن التلميحات أن الفن سواء في مجال التمثيل في السينما أو الدراما أو المسرح أو الوسط الغنائي أو غيره من الفنون حرام أو ذكر إدعاءات من هذا القبيل فمثل هذه الإدعاءات نوع من التطرف سواء باسم الدين أو باسم الفن وهذا السلوك غير مقبول جملةً وتفصيلاً لأن الفن يمثل وجدان المجتمع ويساعد على بناء الإنسان وترسيخ القيم أو نبذ الخطأ، ناهيك عن خروج البعض من دائرة الفن وعودتهم المتكررة له إنما تعبر عن عدم وضوح الرؤية بالنسبة لهم وربما تذبذب في الفكر وقد تحكمه مصالح شخصية ، وأن من يطعن في الفن من الوسط الفني يطعن أيضاً في زملائه ويضعهم في مرمي نيران المتشددين وأصحاب المصالح الضيقة ، لذلك يجب محاسبة كل من يخالف أو يتجاوز ويهين الفن والفنانين ويزعم علي خلاف الحقيقة أن الفن والإبداع حرام .
في تقديري غالبا ما يستخدم البعض الأفكار الدينية في حروبهم المعلنة والمبطّنة ضد قيم الحرية وكل ما يُصنّف على أنه فن وحرية إبداع ووجد البعض ضالته في ذلك لأنه ثمة طريقا سهلا لتبريرات لهم ، وأحيان أخري لمصالح خاصة لمحاربة الفن و الإبداع وقد لاقت مثل هذه الأفكار رواجا عند المتشددين وراغبي الشهرة، ومن رأوا أنفسهم حماة الدين والمجتمع ، ومع الأسف الشديد قد يتحول الأمر في كثير من الأحيان إلى مزايدات بحجة عدم معاداة الدين أو إرضاءا للغير أو فصيل معين.
على الرغم أن معظم الناس تعشق الفن، فلكل منا اهتمامات وحب لنوع معين من الفنون، والفن ما هو إلا وسيلة للتعبير عن النفس والعواطف والأفكار في شكل محتوًى بصري أو صوتي أو حركي.
ويُعد الفن شكل من أشكال الوعي الاجتماعي والنشاط الإنساني يعكس الواقع الذي يعيش فيه المجتمع. وإذا بحثنا عن تاريخ بداية ظهور الفنون، نجد أن الفن موجود منذ العصر الحجري ، فقد بدأ الإنسان في ذلك الوقت النحت على الحجارة وهو ما يسمى اليوم بالفن التشكيلي. فالفن يعد من أهم مكونات أي حضارة عظيمة، فلا تنهض دولة وتتميز بحضارة كبيرة إلا ووجدت الفن داخلًا ضمن تركيب المجتمع وبقوة، وأفضل مثال علي ذلك الحضارة المصرية باقيه للآن ، لأن الفن ما هو إلا مهارة وإبداع في صياغة الأمور وتشكيلها لتقدم في النهاية نتيجة مميزة ومختلفة سابقة لعصرها، مثلاً أنت تمارس فن الغناء وإني أتقن فن الصبر. الإختلاف أدب والتعبير عنه فن. صناعة العبارة فن يحتاج لانتقاء عميق للكلمات وفيض صادق من الإحساس.
جدير بالذكر أن قيم المجتمع والقانون والحداثة ينتصروا لحرية الإبداع والفن وذلك تأسيسا علي قواعد الدستور ، وبالإمعان في القوانين المصرية نجد أنها تحوي ما يربو علي 571 مادة قانونية تتعلق بالأنشطة الإبداعية في مختلف مناحيها، وتحرص علي حرية المواطنين وإبداعاتهم.
حيث إن الدستور المصري الحالي الصادر في سنة 2014 يقرر حماية الفنون والإبداع وذلك وفقاً للمادة 67 منه التي تنص علي “وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك.
ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى” .
أن الدستور كفل حرية الفنون والإبداع الفنى والأدبى وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والأدب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير ضمانات حماية المُبدعين وتمنع تطبيق أي عقوبة سالبة للحرية، وأن الإبداع جهد خلاق وموقف حر واع ولا يجوز فرض قيود جائرة عليه أو اتهامه بالباطل أنه حرام دون سند صحيح من الواقع أو القانون.
كما أن حرية الإبداع جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها وأن الإبداع لا ينفصل عن حرية التعبير بل هو من روافدها، ويجب أن يتمخض عن قيم وآراء ومعان تجعل المجتمع أكثر وعيًا بالحقائق والقيم الجديدة التى تحتضنها.
وتجدر الإشارة أن المشرع اختص أكاديمية الفنون بكل ما يتعلق بتعليم الفنون والبحوث العلمية التي تقوم بها معاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا، وناط بها المساهمة في ترقية الفكر والفن والقيم الإنسانية والاتجاه بالفنون اتجاها قوميا يرعى تراث البلاد وأصالتها وإعداد المختصين في المجالات التي تختص بها، كما تعمل على توثيق الروابط الثقافية والفنية مع الأجهزة المشتغلة بالفنون في الوطن العربي والدول الأجنبية على الصعيدين المحلي والعالمي.
أن الفن المصري له قيمة كبيرة فهو قوة مصر الناعمة ومصر عظيمة بمثقفينها وفنها وبمورثاتها الحضارية والأخلاقية ولَم ولن ينال مثل هذه الدعوات الفردية من قيمة الفن والفنانين.
لذلك يجب علي كافة الجهات المعنية والنقابات الفنية أن تحمي الفنون والإبداع وتحمي حقوق أعضائه وترفض أي تجاوزات تحاول النيل من قيمة الفن والفنانين وتُمارس دورها المنوط بها وفقاً للدستور والفانون ، ومن غير الجائز القول بتحريم الفنون من قبل البعض فهناك قواعد راسخة في المجتمع يجب حمايتها والمحافظة علي الفن المصري الأصيل.