لسنين كنا نستمتع باللغة العربية علي ألسنة مذيعي ومذيعات القناة العربية لإذاعة بي بي سي البريطانية, والتي كانت تتميز عن أداء معظم مذيعينا ومذيعاتنا بالإذاعة أو التليفزيون!!
وطالما تساءلنا: لماذا عقدنا العزم علي تجاهل لغتنا والتغني بمفرداتها واستعاراتها وكناياتها وكل وسائل الإبداع الأدبي فيها, وكيف خبا نظم الشعر إلي أخره؟
الحقيقة إن اللغة العربية التي تحتفل بها منظمة الأمم المتحدة كل عام في الثامن عشر من ديسمبر ويتحدث بها نحو 400 مليون إنسان باتت في مخاض بعد أن تجاهل أبناؤها الاهتمام الواجب بها.. والسؤال: كيف ننهض باللغة من جديد؟
عملت في عام 1982 مترجما بدار النشر اللبنانية دار ميوزيك للصحافة والطباعة والنشر تصدر مجلتين إحداهما طبية والأخري رياضية, تحرر موادها والتجهيز الفني بالقاهرة والطباعة في بيروت.. وما كان يلفت النظر الأستاذ أحمد نوح الذي شغل منصب مدير التحرير, وكان من خريجي الأزهر الشريف.
كان مستواه الأدبي الرفيع محل انبهار كل العاملين بالدار من مترجمين ومراجعين وفنيين. فإذا شرع في كتابة افتتاحية عدد إذا بمقطوعة أدبية لا مثيل لها من بديع الألفاظ ومفردات السجع وغيرها..
أستاذنا الفاضل حاصل علي ابتدائية الأزهر في أربعينيات القرن الماضي.
إلي هذا الحد كان مستوي الخريجين محلقا في سماء الإبداع والتفوق. أتذكر أن أستاذنا كان يقفز من مقعده لكي يذكرني بموقع الهمزة, حتي تكون بأعلي أو أسفل في حرف أن (يعني إبداع وغيرة علي اللغة).
أمثال المعلم الفاضل أحمد نوح من المؤكد يختفون شيئا فشيئا, وسوف تختفي معهم معالم اللغة العربية طالما نفتقر لصحوة نستعيد معها لغتنا الجميلة!
في الجهاز الساحر ـ التليفزيون ـ يجب إعادة تأهيل شامل للمذيعين والمذيعات لاستعادة التذوق العام للغة لدي ملايين المشاهدين.
وفي وزارة التربية والتعليم لابد من إعادة ـ نظر علي سبيل المثال: لماذا أختفت حصة الخط والتعبير وكان لهما أثر كبير في إتقان اللغة كتابة وإلقاء؟!
أمر آخر يدعو للأسف, وهو أن الاهتمام باللغات الأجنبية يطغي أحيانا علي اللغة العربية. وهي سقطة كبري. فالأشتغال باللغات الأجنبية يدعمه المستوي اللائق في اللغة العربية.
فالترجمة كمهنة تتطلب إتقان اللغتين المترجم منها وإليها.
حتي العامية باتت تحتل مكانة أحيانا علي حساب الفصحي, ولا أحد يقلل من قيمة اللغة العامية التي يصفها الخبراء والمؤرخون بـ حارس الهوية. فعند سماع لهجة شخص ما تستطيع أن تحدد موطنه سواء الدولة التي يحمل جنسيتها أوالمنطقة داخل الدولة الواحدة.
في إيجاز شديد.. لغتنا العربية في أمس الحاجة لإعادة تقييم تدريسها من خبراء وبإجراءات حاسمة وفعالة حتي لا تتسرب مفرداتها من أيدينا!!