إن ما يخطه قلمك سيعيش أبد الدهر, ويكون أكثر خلودا مما ينقشه الآخرون علي الحجر الصلب, لأنه سيعيش في قلوب الناس ورؤوسهم, فلا تمتد إليه يد العبث أو التخريب. تعلم كيف تحرك أصابعك القلم, وكيف يحرك عقلك أصابعك فلا يخط قلمك إلا الحكمة والمعرفة وما ينفع الناس. اجعل ملف البردي وأدوات الكتابة أصقاءك, ستجد أنهم أوفي الأصدقاء وأخلص الندماء.
تلك الكلمات كانت جزءا من وصية أحد الحكماء التي أوصي بها ابنه, وهي كلمات لها دلالتها, إذ أنها تبين لنا مكانة الكاتب والكتابة في المجتمع المصري القديم. وهناك برديات أخري والكثير من النصوص القديمة في البرديات والكتابات الموجودة علي جدران المعابد والمقابر, والموجودة أيضا في كل متاحف العالم, توضح لنا مدي أهمية تلك المكانة التي يتمتع بها كل من يهتم بعملية القراءة والكتابة في حياة المصريين.
ومن بردية لحكيم آخر فيها يحث ابنه ليهتم بالكتب ويسير وراءها لأنها أعلي وأسمي شيد يجب أن يسعي إليه ابنه فيقول: لا شيء يعلو علي الكتب, الإنسان الذي يسير وراء غيرها, لا يصيب نجاحا, ليتني أجعلك تحب الكتب, ويضيف قائلا: أحبب الكتب مثل حبك لأمك فليس في الحياة ما هو أغلي منها كما كان حرص المصري القديم علي الكتابة والتدوين ينبع من هدفه في حفظ تراث الأولين من أجدادنا الملوك والحكماء العظماء, حيث يقول الملك أمنمحات في نصائحه لابنه مريكارع: اسلك سبيل آبائك وأسلافك, فإن أقوالهم مسطرة وباقية في الصحف (البردي, فانشرها بين يديك, واقرأ وانشد الحكمة فيها.
فالكتب هي الجسل الذهبي الذي يحرص داخله تراث الأقدمين, ومن خلال الكتب عرفنا حياة وتاريخ الشعوب, عرفنا حضارات مختلفة, ولولا الكتب ما وصلت لنا أخبار وخبرات من سبقونا. والكتب هي الأبقي وكلما مر عليها وقت زادت قيمتها, والعالم يتصارع علي أن يقتني النفائس القديمة من مخطوطات وكتب, انظروا إلي قيمة مخطوط أو كتاب مرت عليه سنين عديدة, ما هي قيمته؟ كنز لا يقدربثمن.
وقد اهتم المصريون بالكتب, فأطلقوا علي الكتاب كلمة (مجات) وسموا دار الكتب (بر ـ مجات). وانتشرت المكتبات التي تضم المئات من المخطوطات علي لفائف البردي, والمسجل عليها تراث حضاري هائل يظهر عبقرية المصري القديم وعظمة وأصالة الحضارة المصرية التي علمت العالم.
ومن أشهر تلك المكتبات (بر ـ عنخ) أي بيت الحياة, والذي فيما بعد صارت جامعة. وكانت المكتبات تلحق بالمعابد الكبري, هذا غير المكتبات الخاصة بالمؤسسات والدواوين الحكومية والتي كانت تسجل بها كل شيء, وأيضا كانت هناك مكتبات للقصور الملكية.
وتعد مكتبة الإسكندرية أشهر مكتبة عالميا, حيث كانت مركزا للثقافة والحضارة وإشعاعا حضاريا للعالم كله, وقد قيل إنها كانت تحتوي علي ما يقرب من نصف مليون من لفائف البردي وأكثر من 700 ألف كتاب, حيث كان البطالمة يلزمون كل زائر لمدينة الإسكندرية بإهداء نسخة من مؤلفاته للمكتبة. وقيل إن الخليفة العزيز في القاهرة كانت لديه مكتبة حوت مليون وستمائة ألف كتاب في مجالات متنوعة.
وهكذا اشتهرت البلاد بما تملكه من كتب, فعندما تذكرالإسكندرية يتبادر للذهن مباشرة مكتبةالإسكندرية, وأكثر وبالمثل عندما نذكر بغداد نذكر معها دار الحكمة التي أنشأها الخليفة وهي عبارة عن مكتبة ضخمة.
والكتب تمدنا بخبرات وثقافات كثيرة وتصقل شخصيتنا, وقد قال العقاد: أهوي القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا, وحياة واحدة لا تكفيني ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة, والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدي عمر الإنسان الواحد, لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.
علينا أن ننمي حب الكتب ونحرص علي القراءة, بل يجب أن نغرس في أبنائنا حب الكتب, وليتنا ننشئ في كل بيت مكتبة صغيرة ولا يكون البيت خاليا من الكتب, واقرأ في كل ما تقع عليه عيناك وفي مجالات مختلفة, ففي القراءة حياة وفائدة, وعن ذلك قال العقاد: ليس هناك كتاب أقرأه ولا أستفيد منه شيئا جديدا فحتي الكتاب التافه أستفيد من قرأته أني تعلمت شيئا جديدا هو ما هي التفاهة, وكيف يكتب الكتاب التافهون, وكيف يفكرون.
ومن أروع صور الاهتمام بالكتب هوإقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب, والذي يعد من أكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط,وفي عام 2006 اعتبر ثاني أكبر معرض بعدمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب يزور المعرض حوالي مليوني شخص سنويا.
بدأ في سنة 1969م, وكانتالقاهرةتحتفل بعيدها الألفي, فقرر وزير الثقافة (ثروت عكاشة) الاحتفال بالعيد ثقافيا, فعهد إلي الكاتبة والباحثةسهير القلماويبالإشراف علي إقامة أول معرض للكتاب.
يقام المعرض في إجازة نصف العام في نهاية شهرينايربمركز مصر للمعارض الدولية بالقاهرة الجديدة منذ دورة 2019, وكان يقام من قبل بأرض المعارضبمدينة نصر. ويقام في العادة لمدة 12 يوما ليشارك فيه ناشرون من مختلف الدول العربية والأجنبية, وهو فرصة عظيمة لتجد ضالتك فيه حيث تتوافر الكتب في جميع المجالات, وليتنا نغتنم جميعا تلك الفرصة العظيمة لأنه لا شيء يعلو علي الكتب.