حسنا فعل الرئيس عبدالفتاح السيسي, حينما اتخذ قرارا مهما منذ أسابيع قليلة باعتبار عام 2022م عاما للمجتمع المدني, ما يمثل تأكيدا للدور الكبير الذي تلعبه الجمعيات والمؤسسات الأهلية, وغيرها من منظمات المجتمع المدني, في عملية التنمية والارتقاء بالمجتمع, حيث يستهدف العمل الأهلي الخيري القيام بمشروعات خيرية تطوعية تعود علي المجتمع بالنفع والفائدة, خاصة وأن الحكومة وحدها لا تستطيع القيام بمختلف الخدمات, ومن هنا برزت الدعوة ـ منذ نحو مائتي عام ـ إلي إنشاء الجمعيات الأهلية الخيرية التي تقدم مساعدات مختلفة لأبناء المجتمع, وبالأخص الفقراء منهم والبسطاء والمحتاجون, إلي جانب الحث علي فعل الإحسان وتبيين أهمية التعاون البشري والتضامن الإنساني من أجل خير المجتمع وصالح أبنائه, بالإضافة إلي تلك الجمعيات التي تأسست بغرض نشر الثقافة والمعرفة من خلال التأليف والترجمة ونشر الكتب والإصدارات المتنوعة وإقامة الحفلات وتنظيم الندوات والفعاليات الثقافية والأدبية والفنية, حيث تتنوع مجالات عمل الجمعيات الأهلية بين أنشطة اجتماعية وأخري ثقافية.
ترتبط الجمعيات والمؤسسات الأهلية, وبشكل أساسي, بمفهوم المجتمع المدني, وهو المصطلح الأكثر حداثة, الذي يعني في أحد تعريفاته, مجموعة التنظيمات التطوعية المستقلة ذاتيا, التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة, هي غير ربحية, تسعي إلي تحقيق منافع أو مصالح للمجتمع ككل, أو بعض فئاته المهمشة, أو لتحقيق مصالح أفرادها, ملتزمة بقيم ومعايير الاحترام والتراضي, والإدارة السلمية للاختلافات والتسامح, وقبول الآخر, كما يرتبط المجتمع المدني من جانبه بمصطلحات أخري منها: المنظمات غير الحكومية, المنظمات التطوعية, المنظمات الأهلية, المنظمات غير الربحية, المنظمات القاعدية, القطاع غير الربحي, القطاع المستقل, القطاع التطوعي, القطاع الأهلي (انظر: أماني قنديل ومجموعة باحثين, الموسوعة العربية للمجتمع المدني, الهيئة المصرية العامة للكتاب- مكتبة الأسرة, 2008م).
ويرتبط العمل الأهلي بقيمة المسئولية الاجتماعية Social Responsibility التي تعني إحساس الفرد بواجباته المادية والمعنوية تجاه الآخرين, وتجاه الجماعة التي هو عضو فيها, والمساهمة في حل المشكلات التي يتعرضون لها, ويقبل الدور الذي أقرته الجماعة له ويعمل علي تنفيذه ومحاولة الانسجام مع الجماعة التي يعيش فيها, بما يعزز التضامن الاجتماعي في التصدي لقضايا الجهل والفقر وعدم المساواة, وغيرها, حيث تتجلي المسئولية الاجتماعية في عدم التهرب من دفع الضرائب, وفي الانخراط بعمل الجمعيات الأهلية, بيئية وتعاونية ونسائية وغيرها, وكذلك النقابات المهنية والأحزاب السياسية, بالإضافة إلي المساهمة في أعمال الإغاثة ومساعدة المحتاجين وغير القادرين. إن المسئولية الاجتماعية علي هذا النحو هي الوجه الآخر للحرية, فلا توجد حرية دون مسئولية اجتماعية تجاه المجتمع.
وليس خافيا أن المجتمع المدني يشارك بقوة في عملية التنمية, التي تستهدف تحقيق حياة أحسن للمجتمع المحلي نفسه, من خلال المشاركة الإيجابية للأهالي (المواطنين), ذلك أن التنمية عملية هادفة لتحسين نوعية الحياة للمواطنين, من خلال رفع المستوي المعيشي للناس بزيادة الدخل ومستوي الاستهلاك من الطعام والخدمات الطبية والتعليمية, الأمر الذي يتم عبر تنمية اقتصادية مخططة ومنظمة, ما يتطلب خلق الظروف المساعدة بإقامة أنظمة ومؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية وزيادة حرية الناس بتوسيع مجال خياراتهم مثل زيادة تنوع السلع وزيادة الخدمات للمستهلك, ما يستلزم مشاركة الجماعات المحلية في مشروعات التنمية.
كما يشير مفهوم التنمية, وحسب كتابات كثيرة ومتنوعة, إلي مجموع الإجراءات الحكومية والأنشطة والبرامج والخطط والمشروعات التي تضعها الدولة والمنظمات غير الحكومية وتنفذها, بهدف تنمية المجتمع من خلال توفير البنية الأساسية وتأمين الحد الأدني من الخدمات, كالمدارس والمستوصفات والمستشفيات والدورات التدريبية المتنوعة لتنمية المهارات المهنية وتعزيز القدرات الذاتية ومحو الأمية, ومن ثم وضع القدرات الاقتصادية في خدمة أبناء المجتمع لرفع مستواهم المعيشي وتحسين الخدمات والضمانات الاجتماعية وبناء قدراتهم الذاتية والارتقاء بمستواهم الثقافي.
علي هذا النحو فإن مفهوم التنمية هو مفهوم مركب, متنوع ومتشعب ومتعدد الأبعاد, فهناك التنمية البشرية التي تتعلق ببناء القدرات البشرية من خلال التعليم والصحة والتدريب, والتنمية الاقتصادية المرتبطة برفع مستوي معيشة الأفراد والحصول علي نصيب عادل من ثروات الوطن, والتنمية السياسية التي تتمثل في رفع الوعي السياسي والمشاركة السياسية والانخراط في العمل العام واحترام حقوق الإنسان, والتنمية الاجتماعية المتمثلة في بناء الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع, ومن أمثلتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية, والتنمية الثقافية عبر تطوير القدرات الذهنية للأفراد ورفع مستوي الحوار الثقافي, والتنمية الإدارية التي تسعي إلي الحد من الروتين والبيروقراطية وتطوير قدرات الأجهزة الإدارية ومكافحة الفساد وتعزيز المساءلة والشفافية.
ونشير هنا إلي مفهوم التنمية البشرية Human Development الذي يعني توسيع خيارات الناس كي يعيشوا الحياة التي يطمحون إليها, عبر تحقيق العدالة الاجتماعية, وتكافؤ الفرص, والاستدامة, والتمكين والمشاركة, فالتنمية البشرية عمل هادف لتنمية النواحي الفكرية لأفراد المجتمع, وامتلاك المهارات المهنية وتطويرها, وتأمين فرص التمتع بالفنون, واكتساب المعارف العلمية علي مختلف أنواعها, بما يخدم تطور المجتمع ويزيد من رفاهيته. وتوفر التنمية البشرية المستدامة فرص حماية الحياة للأجيال الحالية والأجيال القادمة عبر التركيز علي احترام النظم الطبيعية عند استثمار الموارد, كما تسعي التنمية البشرية إلي تحقيق وفرة أكبر في الإنتاج, مع الحرص علي ديمومته, وتحسين الأوضاع المعيشية والصحية, وتحرير الناس من الجهل والمعتقدات الخرافية والقمع.
د. رامي عطا صديق
[email protected]