أي حب هذا يارب الذي جعلك تتنازل هذا التنازل العظيم الذي قلت فيه إنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. (يو3:16) وفي هذا البذل والتنازل قيل أيضا الذي لم يشفق علي ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين (رو 8:32).
وكيف بذله؟ بذله حينما أخلي ذاته تمام الإخلاء ونزل إلي هبوطنا!! إلي مذلتنا!! إلي عبوديتنا!! وهكذا قيل أيضا الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس (في 2:7).
عجيب أنت يارب في تنازلك غير الموصوف والذي لا يمكن أن يعبر عنه بأية لغة أن الإله صار إنسانا. الكلمة اتخذ جسدا وحل بيننا (يو 1:14) الله ولد من إنسانه عذراء هي واحدة من عبيده (لو 1:48). وفي مذود للحيوان لم يسبق لأي إنسان في العالم أن يولد في مكان بمثل هذه الحقارة. وبدلا من أن يستقبله ملوك الأرض وتقرع له الطبول وتدق الأجراس وتعزف له كل جوقات الأرض أجمل الألحان استقبلته جماعة البسطاء من الرعاة مع حيوانات المذود. أي حب هذا يارب الذي أنزلك إلي هبوطنا وجعلك تتنازل هذا التنازل العجيب وظللت طوال حياتك تعيش هذا التنازل وهذا الإخلاء العجيب.
تهرب من أمام هيرودس وكان يمكنك أن تبيده بنفخة فمك وتبطله بقوة مجيئك (2تس 2:8). ولا تفكر في إيذاء من أغلقوا أبوابهم في وجهك حينما زرت مصر لتبارك شعبها. وكنت طوال حياتك في بذلك وفي خدمتك للإهانة والشتم والتعيير والتجاهل والتحقير من أقرب الناس إليك خاصتك وأهل بيتك (يو 1:11) وأخيرا فعلوا بك كل ما أرادوا في سلسلة من الإهانات والشتائم والعذابات وشهادات الزور حتي أنهم اخرجو القضية أنك مستحق الموت وصرخوا في وجهك أن تصلب عن شعبك.
وقبلت العار والتجديف والهوان والسب واللطم وضربوك علي رأسك ونفضوا البصاق في وجهك ووضعوا علي رأسك أكليلا من شوك وقصبة في يمينك وصاروا يستهزئون بك ولطموك علي خدك وأوقفوك في الحكم كحقير وجلدوك علي ظهرك بالسياط وأخيرا رفعوك علي خشبة الصليب وكل هذا وأنت صامت لا تفتح فمك ببنت شفة ولا حتي تدافع عن نفسك بكلمة تقولها لبيلاطس الذي كان متعجبا من صمتك أيما تعجب وشهد لك أنه لم يجد فيك أية علة تستوجب الموت فأنت القدوس البار الذي لم يوجد في فمك غش وتنازلت إلي هبوطنا إلي أدني مستوي لم يصل إليه إنسان في العالم حتي أنه قيل عنك أنك كشاة تساق إلي الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها (أش 53:7) لأنك كنت حريصا أن تصل إلي هذا المستوي المتدني من إخلائك لذاتك.
إنه درس لنا يارب نتعلم منك أنت معلمنا الصالح كيف ننكر ذواتنا ونخليها تماما عملا بقولك المبارك إنه إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني (مت 16:24).
مبارك يارب هو ميلادك ومبارك أنت في إخلائك لذاتك وتنازلك لأجلنا فليمتجد اسمك من الآن وإلي الأبد.